icon
التغطية الحية

مركز حرمون.. انطلاق مؤتمر الباحثين السوريين في العلوم الاجتماعية

2021.01.15 | 19:53 دمشق

alan-almwtmr-850x560.jpg
إسطنبول ـ تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

انطلقت، اليوم الجمعة، أعمال المؤتمر الأول للباحثين السوريين في العلوم الاجتماعية الذي ينظمه "مركز حرمون للدراسات المعاصرة" و"الجمعية السورية للعلوم الاجتماعية"، بالاشتراك مع مجلة قلمون، تحت شعار "الحرية الأكاديمية الكاملة للباحثين الاجتماعيين".

افتتح المؤتمر عند الساعة الـ3 بتوقيت دمشق/ الـ4 بتوقيت إسطنبول، بكلمات ألقاها كل من مدير مركز حرمون، سمير سعيفان، ومدير الجمعية السورية للعلوم الاجتماعية، خضر زكريا، ويوسف سلامة (مجلة قلمون)، بالإضافة إلى ساري حنفي (الجمعية الدولية لعلم الاجتماع).

وتناولت الجلسة الأولى 4 موضوعات حول "الاقتصاد السياسي والنزاعات العسكرية"، قدّم فيها مدير حرمون، سمير سعيفان، محاضرة بعنوان: "الاقتصاد السياسي تحت حكم العسكر الحالة السورية بين 1963 و2010".

بينما قدّم مدير تلفزيون سوريا، حمزة المصطفى، محاضرة حملت عنوان: "التحولات داخل الفصائل الإسلامية السورية المسلحة (2011- 2021) أحرار الشام، جيش الإسلام، فيلق الشام".

وتناول محمد بقاعي بحثاً بعنوان: "طرح الحل السياسي في سورية ومستقبل القوات العسكرية ما دون الدولة- نموذجًا قوات المعارضة السورية المسلحة". بينما تحدثت الحقوقية لانا زباد عن "الإصلاح القانوني لإدارة المالية العامة ضمن سياسات التنمية.. دراسة ناقدة للتجربة السورية".

افتتاح المؤتمر

أشار سعيفان في كلمته الافتتاحية إلى أن المؤتمر يعدّ الأول من نوعه خارج جغرافيا الوطن الرازح تحت وطأة نظام الأسد الذي حال دون تشكيل جمعية سورية أكاديمية حقيقية للعلوم الاجتماعية، مضيفاً أن المؤتمر يهدف إلى تشكيل جماعة علمية سورية حقيقية تهتم بالعلوم الاجتماعية.

من جهته، أكّد خضر زكريا أن الباحثين السوريين التواقين للحرية أكثر من أي أطراف أخرى، عانوا من آليات التعيين بالوظائف الأكاديمية التي مارسها النظام، حيث كانت تتم بحسب العلاقة مع أركان النظام ومقرونة بموافقة السلطة السياسية والأجهزة الأمنية، ما أدى لفشل في إنتاج بحوث حول القضايا الاجتماعية.

وأضاف زكريا أن الباحثين برغم معاناتهم من الهجر والتقتيل وفقدان الأهل، إلا أنهم تحرروا من السلطة السياسية والأجهزة الأمنية، فنشطوا بالبحث والتأليف في كل مجالات العلوم.

وأعرب عن أمله في انعقاد المؤتمر بشكل سنوي، بحيث يتيح الفرصة أمام الباحثين السوريين للمشاركة في البحوث ضمن جو من الحرية والديمقراطية لم يشهدوها تحت ظل سيطرة النظام، والتعارف بين الباحثين السوريين المنتشرين في بلدان العالم وتبادل وجهات النظر بحرية تامة بعيداً عن أجواء الرقابة، وللتداول حول قضايا يعاني منها السوريون والثقافة السورية. كما دعا زكريا الباحثين السوريين للانتساب إلى الجمعية السورية للعلوم الاجتماعية.

وتحدث يوسف سلامة عن تجربة مجلة قلمون التي يشرف عليها، مبيناً أن "طريقة التفكير الحر واستخدام المناهج الأكاديمية المحكمة نعتبرها قيمة أساسية لمجلة قلمون عبر الأعداد الـ14 التي صدرت للمجلة، مضيفاً أنها تهتم بالشأن السوري في مختلف القضايا، وبالهوية السورية وتنمية الوعي السوري ومفاهيم المواطنة، "بعد معاناة 50 عاماً في ظل نظام الاستبداد الذي طمس تلك الهوية، وحصر الباحثين والبحوث بمكاتب أجهزة الأمن المغلقة" بحسب وصف سلامة.

الأكاديمي اللبناني ساري حنفي، أعرب عن تقديره لنشوء جمعية سورية للبحوث الاجتماعية بالرغم من المعاناة المحيطة بالباحثين السوريين خارج بلدهم نتيجة نظام الاستبداد، ولفت إلى أن الجمعية الدولية تضم 9 جمعيات بحثية تابعة للدول العربية من بينها الجمعية السورية التي تنشط خارج نطاق نظام الأسد.

المحاضرة الرئيسية

قُدمت المحاضرة الرئيسية، من قبل الباحث والمفكر الفرنسي فرانسوا بورغا، أستاذ العلوم السياسية ومدير الأبحاث في معهد البحوث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي في فرنسا، وحملت عنوان: "عشرة دروس حول الربيع العربي".

اقرأ أيضاً: مبادرة مركز حرمون لإعادة بناء الائتلاف

تطرّق بورغا لمسألة صعود الإسلام السياسي ودوره في الربيع العربي، موضحاً أن ميزان القوى داخل المجتمع السوري لا يعتبر سبباً رئيسياً في "فشل القوى الثورية المؤقت، وإنما السبب يتعلّق بالفاعلين الدوليين الذين دعموا النظام وخصومه (المعارضة)".

 

برغا.jpg

 

وأضاف أن "سبب استمرار بشار لا يتعلّق بضعف المعارضة وإنما بسبب الدول التي دعمت الطرفين. فحلفاء المعارضة، من الدول العربية ودول الغرب، قلبوا ميزان القوى لصالح إيران وروسيا حلفاء النظام" مشيراً إلى أن أهم أسباب إضعاف القوى الثورية تمثّل في ما أطلق عليه "الإسلام السياسي- الراديكالي- الإرهاب، بحسب لغة النظام ومؤيديه، بالإضافة إلى أن جزءاً من أتباع تلك الفرق (الراديكالية) انضوى تحت سلطة حلفاء النظام لاحقاً".

اقرأ أيضاً: مركز حرمون يختتم ندوة "تجارب سوريا الدستورية" في برلين

ولفت بورغا إلى أن "الغرب تخلى عن القوى الثورية ليس بوصفها تيارات إسلامية، وإنما لشعور الغرب أن تلك التيارات (تنفلت- لا تنصاع) لتوجيهاتهم، وبفقدان الأمل بالسيطرة عليها وتوجيهها بالشكل المطلوب".

وعالج المفكر الفرنسي في محاضرته العديد من القضايا المتعلقة بحضور "الإسلام السياسي في دول الربيع العربي" لافتاً إلى أن ذلك الحضور الإسلامي كثيف في المشهد السياسي، لكنه "بأشكال مختلفة، فهناك الغنوشي وهناك البغدادي على سبيل المثال، وليس من الممكن أن نجمع جميع تلك التيارات ببوتقة واحدة وتتم معاملتهم على هذا الأساس".

ثم أشار إلى عجز الفاعلين الغربيين الذين "ركزوا على أن الإسلاميين في كل مكان، لكنهم فشلوا بالتفريق بين إسلامية الغنوشي والبغدادي، ولم يأخذوا بعين الاعتبار الفوارق بين الجانبين، فكانت نقطة تحول في الغرب بسبب سوء فهم الإسلام السياسي".

اقرأ أيضاً: عشر سنوات على الربيع العربي

وأوضح بورغا أن هيمنة الإسلام السياسي ليست كاملة، لافتاً أن الانتماء العرقي قادر على مقاومة الإسلام السياسي، وأعطى مثالاً على ذلك "الأكراد" في الشمال السوري والانفصاليين الجنوبيين في اليمن.

ثم بيّن حدوث التغيرات في مسار الدول الغربية ومواقفها تجاه الربيع العربي، قائلاً إن فرنسا، كمثال، قدمت مساعدات في دعم الثورة التونسية ومجابهة الاستبداد ثم أخذ الموقف بالتراجع، "وفي ليبيا أيضاً اعترفت في البداية بقوة الإسلاميين وقدمت الدعم لثوار ليبيا ثم بدأت تتراجع وتدعم أطراف الاستبداد والثورة المضادة فيها، والحال نفسه في مصر أيضاً، إلى أن تخلت عن دعم الثوار السوريين، حتى المعتدلين منهم".

اقرأ أيضاً: المركز العربي: "السودان والجزائر" في مؤتمر المسار الديمقراطي

محاضرات الجلسة الأولى:

قدم مدير مركز حرمون، سمير سعيفان، ورقة بحثية حملت عنوان: "الاقتصاد السياسي تحت حكم العسكر الحالة السورية بين 1963 و2010". استعرض من خلالها مراحل سيطرة حزب البعث ونظام الأسد على سوريا.

 وأشار سعيفان إلى أن العسكر لعب في البداية "دوراً تقدمياً شكلياً ما لبث أن انقلب إلى الاستبداد". وقسّم مراحل السيطرة إلى 3 فترات مفصلية، الأولى بين 1963- و1966، والدور الذي لعبه النظام في سوريا واحتكاره لموارد الاقتصاد.

 

سعيفان.jpg

 

والثانية بين 1966- 1970، مشيراً أنها لم تشهد تطورات كثيرة بسبب الصدام مع إسرائيل بعد نكسة حزيران 1967، ما عدا بروز فترة السيطرة الأمنية التي تمثلت بصلاح جديد والصراع بينه وبين حافظ الأسد.

ثم تطرق سعيفان للفترة الثالثة، ما بعد 1970، موضحاً أن حافظ الأسد حصر جميع الصلاحيات به، وأجرى توسعاً محدوداً بالاقتصاد ولكن ضمن القطاع الحكومي، واستخدام الاقتصاد لتثبيت السلطة.

وفي مرحلة بشار الأسد، تحدث سعيفان عن فتح بشار باب الحوار حول الإصلاح الاقتصادي دون تقديم برنامج واضح، وعن تأسيس البنوك عام 2004، وصولاً إلى تدهور خدمات الصحة والتعليم، وتدخل الأمن والمخابرات.

وقال سعيفان: "خسرت سوريا خيرة رجال أعمالها وحلوا محلهم أشخاص بدون خبرات، وخضع الاقتصاد لسيطرة السلطة والحفاظ على استمرارها، وانتشر الفساد عقب سيطرة أبناء المسؤولين على مختلف قطاعات الاقتصاد".

بدوره، قدّم مدير تلفزيون سوريا، حمزة المصطفى، ورقة بحثية حملت عنوان: "التحولات داخل الفصائل الإسلامية السورية المسلحة (2011- 2021) أحرار الشام، جيش الإسلام، فيلق الشام".

واعتبر المصطفى أن ورقته امتداد للنقاش الذي جرى خلال المؤتمر، وخصوصًا لما تطرق له المفكر الفرنسي فرانسوا بوغا، موضحاً أن الورقة (وهي جزء من رسالة لنيل درجة الدكتوراة)، تحاول طرح إمكانية المساهمة في فهم الحركات الإسلامية من جوانب اجتماعية وفكرية.

 

حمزة.jpg

 

ولفت المصطفى إلى أن مفهوم المقاربة بين إسلامية البغدادي والغنوشي، الذي تطرق له بورغا، واجه نقداً ضمن المدرسة الإنغلو- سكسونية، بينما تبنته المدرسة الفرنكفونية.

وتحدث عن أسباب وأهداف اختياره للحركات الإسلامية الثلاث ضمن رسالته، وما تضمنته من متابعة للتطورات والتحولات التي مرت بها تلك الحركات خلال السنوات التي أعقبت ظهور الحراك المسلح في الثورة السورية (أواخر 2011)، مشيراً إلى أن التيارات الإسلامية بالعموم هي الوحيدة التي امتلكت بنية تنظيمية في ظل التصحر السياسي الذي عانت بقية التيارات في ظل نظام القمع الأمني في سوريا.

وتطرّق المصطفى إلى العديد من النظريات التي ارتبطت بمسار الحركات الإسلامية تاريخياً، كـ " الحرمان النسبي والنزوع نحو الراديكالية والإحباط والاغتراب السياسي على المستوى الوطني" بالإضافة إلى دور النظرة العامة التي كوّنها المجتمع عن الإسلاميين بوصفهم فقراء وريفيين وغير ذلك من التوصيفات المناقضة لواقعهم الاجتماعي.

تهدف الدراسة، بحسب المصطفى، إلى تجاوز دراسة الإسلاميين من الطابع الإيديولوجي إلى دراستهم اجتماعياً، وتفاعلهم مع محيطهم الاجتماعي، والدور الذي لعبته الموارد في مفاهيمهم وأفكارهم.

وتناول الباحث محمد بقاعي موضوع "الحل السياسي في سورية ومستقبل القوات العسكرية ما دون الدولة - نموذجًا قوات المعارضة السورية المسلحة”.

وسلّط البقاعي الضوء على احتماليات الحل السياسي في سوريا ضمن الظروف الحالية المحيطة بالملف السوري، مشيراً إلى أن "تعدد الفاعلين الدوليين والمحليين في الملف السوري جعل التسوية القادمة غير كاملة وغير عادلة".

واعتبر أن مجمل الطروحات الدولية حول الحل "مثالية" وتقليدية، تعتمد غالبيتها على مفهوم "الحفاظ على مؤسسات الدولة ودمج الفصائل المسلحة بجيش وطني..".

ويرى البقاعي أن المسار السياسي للحل في سوريا يتجه نحو خيارين، الأول: مناطق حكم ذاتي. والثاني: التسوية السياسية الشاملة، من خلال التشاركية، أو نزع السلاح وطرح الدور الوظيفي، وهذا يستلزم اعترافاً متبادلاً بين الأطراف.

إلا أن البقاعي يؤكّد على أن قوى المعارضة المسلحة تمكنت من التطور نسبياً، عبر تجربة تستحق الدراسة، وتتمثل في إنتاج "الجيش الوطني السوري" بكل سلبياته وإيجابياته.

وختمت الحقوقية لانا زباد جلسات اليوم الأول من المؤتمر، ببحث تحت عنوان: "البحث حول محاولات الإصلاح القانوني لإدارة المالية العامة". وهو دراسة ناقدة للتجربة السورية في الطرق التي تتبعها السلطة في إدارة مواردها المالية.

 

زباد.jpg

 

وتناولت زباد الحديث عن: الإطار العام للمالية العامة في سوريا، والإصلاحات، ومدى تأثيرات تلك الإصلاحات.

وخلصت الباحثة إلى أن مشكلة الإدارة المالية العامة الرئيسة ترتبط بالإطار القانوني، حيث اعتمدت على مادة قانونية قديمة ومستنسخة من القانون الفرنسي، لا تتضمن سوى النقاط العامة بدون أي تفاصيل أو تحديد للوظائف.

وعرجت على ما يعانيه الإطار المؤسساتي من نقص في الكفاءة والتنسيق بين الإدارات، والفساد المالي والإداري والبيروقراطية، وعدم كفاية الأساليب الإدارية والتقنية، إضافة إلى المركزية المفرطة وغير الفعالة.

 

 

الجلسة الثانية

الجلسة الثانية في المؤتمر حملت عنوان: "الحركات الدينية والطائفية" وتضمنت 4 أبحاث.

وقدم البحث الأول فيها، رئيس الجمعية الدولية لعلم الاجتماع، ساري حنفي، وحمل عنوان: "التعليم الشرعي الجامعي السوري: التقليدية الفقهية بنتائج غير تقليدية"، تلاه عبد الله النجار ببحث حمل عنوان: "بناء الثقة بين العرب والأكراد".

كما قدّم فايز القنطار: "الأقليات الدينية في المشرق العربي وصناعة الطائفية" وعلي الجاسم: "الثورة من الداخل: الحركة الاحتجاجية الطلابية في جامعة حلب بين عامي 2011 و2013".

وتُناقش الجلسات في اليومين القادمين المحاور التالية: "الصراع على سورية في عصر الأقطاب المتعددة"، "الفلسفة والتراث: التجربة والنظرية"، "حياة اللجوء السوري"، "القضايا الجندرية"، "الدولة والهوية"، "التحول الديمقراطي والعدالة الانتقالية في سورية"، و"هل لا تزال الديمقراطية راهنة بعد ثورات الربيع العربي؟".

يتيح المؤتمر للباحثين من السوريين ومن في حكمهم، في أي من العلوم الاجتماعية (علم الاجتماع، الفلسفة، الأنثروبولوجيا، علم السكان، الاقتصاد السياسي، العلوم السياسية والعلاقات الدولية، التاريخ، التربية، علم النفس، الإعلام، القانون، الدراسات العابرة للتخصصات) تقديم أوراق علمية حول الأبحاث التي يجرونها، أو التي تم إنجازها ولم تُنشر بعد، بغض النظر عن موضوع البحث أو التخصص الأكاديمي للباحث.

يسعى المركز والجمعية على أن يتحول المؤتمر إلى تقليد سنوي، يجمع الباحثين السوريين المشتتين في أنحاء العالم المختلفة، وتحقيق رسالته بإتاحة الحرية الأكاديمية لجميع الباحثين في العلوم الاجتماعية، والتبادل الحر للآراء ووجهات النظر، ولا سيّما فيما يخص مستقبل سورية المنكوبة بالاستبداد والتدمير والاحتلالات المتعددة.