مرفأ طرطوس فصل آخر من فصول استباحة سوريا

2019.04.29 | 00:04 دمشق

+A
حجم الخط
-A

عندما أريد البحث عن شأن سوري في المواقع الرسمية السورية، فإني أجد هذه المواقع مهملة غالباً، وربما لم تحدث منذ زمن طويل؛ فالمعلومات التي تحتويها إما أنها قديمة، وإما أنها هذر كلام، لا يفيد شيئاً، تماماً كما هو حال الإعلام السوري: جعجعة بلا معنى، وافتقاد مذهل للحقيقة. ومع هذا، فقد ذهبت إلى موقع "الشركة العامة لمرفأ طرطوس"؛ ففوجئت بأن الموقع يحدّث يومياً، لكن أي تحديث!

على الموقع، أجد الخبر التالي مؤرخاً بتاريخ 23-4-2019:

"متابعة للمشاريع الاستثمارية المعدة وفق قانون التشاركية، ناقش مجلس الوزراء مشروع إدارة واستثمار وتشغيل مرفأ طرطوس من قبل الأصدقاء في جمهورية روسيا الاتحادية وتطويره؛ ليصبح منافساً على المستوى الإقليمي، ويسهم بتحقيق جدوى اقتصادية وتعزيز الإيرادات المالية التي تعود بالفائدة المشتركة، إضافة إلى الدور الهام الذي يمكن أن يلعبه المرفأ في تأمين احتياجات سورية من مختلف المواد".

هكذا، ببساطة شديدة، على الموقع الرسمي لشركة المرفأ تجد عبارة مضللة، لا تحدد أي شيء: "إدارة، واستثمار، وتشغيل" ثلاثة مصطلحات اقتصادية متباينة، فما هو المقصود من بينها، وما هو الصحيح؟

أنا متيقن من أن مدير شركة مرفأ طرطوس، لا يعرف عن الاتفاق الروسي السوري أية تفاصيل ذات معنى، وأنه - مثل معظم السوريين - ينتظر الإعلان عن العقد وتفاصيله.

على نفس الصفحة من الموقع، لكن قبل يوم فقط؛ أي في 22-4-2019 أقرأ الخبر التالي:

من ضمن خطة مديرية التدريب والتأهيل لعام ٢٠١٩ دورة في اللغة الروسية للعاملين في الشركة العامة لمرفأ طرطوس.

في حديثه إلى صحيفة الوطن السورية، التي تُعد صحيفة العائلة الحاكمة في سوريا، يتحدث وزير النقل السوري "علي حمود" عن هذا الاتفاق اللغز، فيؤكد: أنه عقد استثمار، وليس عقد استئجار. ويتحدث عن وعود، وخيرات، وانتعاش اقتصادي...إلخ، حتى يخيل للمواطن السوري أن هذا العقد العبقري، يشبه إلى حد كبير ما يعرف عن المهارة الدمشقية في التجارة، وأن شهبندر تجار دمشق كان في طرف، وفي الطرف الآخر مواطن بسيط يدخل سوق الحميدية أول مرة في حياته.

وزير النقل: إن هذا الاتفاق هو الفانوس السحري الذي سينقذ الاقتصاد السوري، وسيفتح باب الاستيراد والتصدير على مصراعيه

يقول وزير النقل:

1- الاتفاق يتضمن إجراء توسيع الاتجاه الشمالي للمرفأ، وجميع الأعمال التطويرية فيه، وتحديث البنية التحتية للمرفأ الحالي، وإنشاء مرفأ جديد بحيث تزداد طاقته من 4 ملايين طن حالياً إلى 38 مليون طن سنوياً، وبكلفة تقديرية تتجاوز (500) مليون دولار.

2- إن تلك الخطوة الاستثمارية تشكل رداً على الحصار، وتحد من العقوبات الظالمة، ثم إن وجود شركة عالمية مستثمرة للمرفأ من شأنه أن يعطي أجواء إيجابية للسفن العالمية، ويحثها على ارتياد المرفأ؛ الأمر الذي من شأنه التخفيف من وطأة الحصار الظالم المفروض على سوريا، والمساهمة في وصول احتياجات ومستلزمات الشعب السوري.

3- “تمت الاستجابة لطلبات الجانب السوري في الاتفاق، وأهمها العمال والمحافظة عليهم”.

4- “هذا الاستثمار من شأنه تنشيط قطاع النقل البري والسككي بكل أنواعه، وسيعيد الحياة له عبر نقل البضائع، سواء للأسواق الداخلية أم عبر الترانزيت، مع إعادة تأهيل شبكة السكك الحديدية والطرق الرئيسية التي تربط المرفأ بدول الجوار، واستكمال مشروع ربط الساحل السوري مع العراق والخليج، ومن ثَم مزايا مهمة لمرور طريق الحرير عبر سوريا، إضافة إلى استكمال المرفأ الجاف الرافد لعمل المرفأ البحري، وتقوية عمل المرافئ الجافة في المحافظات".

5- “يمكننا الاستفادة من علاقات روسيا مع مختلف الدول وخاصة دول الجوار، والاستفادة من العلاقات التجارية الضخمة للجانب الروسي الصديق وخاصة في تصدير الخضار والفواكه والحمضيات إلى مختلف دول العالم، عن طريق إنشاء مركز توضيب وفرز لهذه الحمضيات، وكذلك إنشاء مركز لتوزيع القمح الروسي في المنطقة، والانطلاق بمشاريع رائدة تؤسس لجذب استثمارات جديدة بحيث تشجع الشركات المحلية والأجنبية على الاستثمار، ولاسيما في ظل ظروف الحظر الاقتصادي المفروض.

باختصار، وحسب السيد وزير النقل: إن هذا الاتفاق هو الفانوس السحري الذي سينقذ الاقتصاد السوري، وسيفتح باب الاستيراد والتصدير على مصراعيه.

لكن، بعيداً عن وزير النقل وفانوسه السحري، وبعيداً عن الكذب الصفيق الذي يتقنه المسؤولون السوريون، ثمة حقائق لا يمكن إغفالها.

نائب رئيس الوزراء الروسي "يوري بوريسوف"، وفي نهاية المحادثات التي أجراها مع رئيس النظام السوري بشار الأسد في دمشق، قال: “إنّ المسألة المحوريّة التي تعطي زخماً إيجابياً، هي موضوع استخدام ميناء طرطوس".

وأعرب عن أمله في توقيع عقد بين البلدين خلال الأسبوع القادم، "ستستأجر" روسيا بموجبه ميناء طرطوس لمدة 49 عاماً، من أجل استخدامه من قبل قطاع الأعمال الروسي.

من الناحية القانونية، وفي حال كان العقد استئجاراً؛ فإن المرفأ يخرج تماماً من السيادة السورية، ويحق للجانب المستأجر أن يسرح كل العاملين في المرفأ...

وفيما يخص موضوع العقوبات المفروضة على سوريا؛ فإن توقيع العقد لن يغير شيئاً من فعاليتها؛ فالعقوبات تشمل سوريا كبلد، وتشمل كل المواد التي تدخل إليها أو تخرج منها، ولن يغير أي شيء أبداً استبدال هذا المستثمر بذاك.

ما تفعله روسيا اليوم في سوريا، هو تصرف المالك بما يملكه

وأخيراً: بالعودة إلى حقائق المرفأ، وفي تصريح لمدير المرفأ الدكتور المهندس "نديم علي حايك" لقناة "العالم" عن إيرادات المرفأ خلال عام 2016 (2016 كانت حركة المرفأ جيدة قياساً لما بعدها)، فإن إيرادات المرفأ بلغت تسعة مليارات ومئتي مليون ليرة سورية؛ أي ما يعادل تقريباً عشرين مليون دولار. إذاً، كيف يريد وزير النقل إقناع السوريين: أن الروس سيضخون نصف مليار دولار لتطوير المرفأ، وسيستثمرون في بلد فرضت عليه عقوبات اقتصادية، وأنهم سيحافظون على ما يقارب أربعة آلاف عامل يعملون فيه، وأنهم سيمنحون الجانب السوري حصتهم؟؟؟

ببساطة شديدة، وبعيداً عن الدجل الرسمي السوري، وعلى ضوء الاستباحة الروسية لسوريا، وعلى ضوء فقدان النظام السوري لأي سيادة في الشأن السوري، بدءاً من قراره السياسي وصولاً إلى حقوق مواطنيه: إن ما تفعله روسيا اليوم في سوريا، هو تصرف المالك بما يملكه، وهو احتلال واضح وصريح، وإن كل الجوقة "الحاكمة" في سوريا لم تعد أكثر من موظفين لدى محتلي سوريا.