مرسوم العفو عند المقبرة

2022.05.07 | 07:02 دمشق

9f747f17-f689-412f-b352-0102b5d86ae6-13.jpg
+A
حجم الخط
-A

إنَّ مرسوم العفو حق عليه اسم مسلسل النظام؛ "مع وقف التنفيذ"، ويجوز عليه "كسر عظم" أيضا، إنه ينفذ لكن المخرج المنفذ بطيء جدا، أو أنَّ الرئيس اضطر إليه، على كره منه، أو أنّ المرسوم نُسئ، والنسيء شعيرة من شعائر العرب في الجاهلية كان يقوم بها بنو فقيم من قبيلة كنانة العدنانية من أهل الحرم المكي، حيث كانوا ينسون الشهور على العرب فيحلّون الشهر من الأشهر الحرم ويحرمون مكانه الشهر من أشهر الحل، ويؤخرون ذلك الشهر. وذكر البغوي في كتابه "تفسير البغوي" أن النسيء قد استمر بهم، فكانوا ربما يحجون في بعض السنين في شهر ويحجون من قابل في شهر آخر. ويظهر النسيء جليا في التمديد للرؤساء العرب.

والمرسوم شحيح العفو، لعله مرسوم تجريم، وإنَّ مرسوم الملك المغربي أكرم منه فقد أفرج عما يقرب من ألف معتقل قبل العيد، والملك المغربي يفعل ذلك كل عيد من غير مجزرة تضامن، وأفضل ما قيل في تفسير مرسوم "العفو عند المقبرة"، أنه صدر للعفو عن قتلة مجزرة التضامن فهو لطمر الجثث، وستر عورة القتلة، إنه كسر عظم الشعب الذي تجرأ وثار، وهو مرسوم إقرارهم بالهزيمة، فلعل غرابا علّم السيد الرئيس كيف يواري جثث الضحايا بمرسوم عفو هو الثالث عشر من نوعه، فالمراسيم لا تنفذ.

وكان الرئيس عقب توليه قد أقرَّ بذلك، فقد استقرت الدولة الأسدية على عادات وقيم يصعب تغييرها، والرئيس يجمع بين متناقضين؛ رئيس معبود ومقدس، ورئيس صوري لا تنفذ مراسيمه وأوامره إلا في الشرِّ.

قد أنفقوا أموالهم على الطرقات والخبز، ربما  باعوا بيوتهم، وسطا السماسرة على بعض أموالهم، تقول تقارير إنهم نشطوا كثيرا بعد مرسوم العفو، والناس تتعلق بقشة في الطوفان

ولو كان المرسوم لمواساة القتلة لأشفق على أهالي المعفي عنهم، فهم تحت عينه وبصره، رأيناهم يجرون وراء عربات نقل اللحوم، مهطعين إلى الداعي، هذا يوم عسر، ولكان واساهم وعيّن لهم مكانا، أو سمّى "لوكشين" لاستقبال أهاليهم، حتى لا يخطفوا الأنظار من مسلسلات رمضان، ولكساهم من عري وأشبعهم بعد جوع، وأكرمهم بعد ظلم، كما كان أبوه يفعل، وهو يرى كيف اجتمع الآلاف من أهالي المعتقلين تحت الجسر الذي سمي باسم ابيه، وكان اسمه فكتوريا، النصر، فإن لم يكن إكراما للمرسوم فإكراما لاسم أبيه.

وقد نفر أهالي المعتقلين من كل فجٍّ عميق، فلا عيد إلا مع الأهل والأحبة، والنظام دونهم، وقد سمعوا بشرى مرسوم العفو، وهم يلهجون بمدح الرئيس، وينامون في الشوارع، فقد أنفقوا أموالهم على الطرقات والخبز، ربما  باعوا بيوتهم، وسطا السماسرة على بعض أموالهم، تقول تقارير إنهم نشطوا كثيرا بعد مرسوم العفو، والناس تتعلق بقشة في الطوفان، والرئيس القشّة ساكت ويرى، لو يظهر ويقول شيئا، لو يحدد مكانا، لو يضرب لهم موعدا، لو ينقذهم من السماسرة والانتظار، إكراما لمرسومه.

وهو المرسوم الثالث عشر، لكن المراسيم لا تنفذ، فهناك لجنة رئاسية  وكبار رجال المخابرات، سيجتمعون ويفسرون مرسوم العفو الذي بوغتوا به، وهم بخلاء على المعتقلين بالحرية، أليس من أجل الحرية اعتقلوا وقتلوا،  لم يفرج سوى عن بضع عشرات منهم خرجوا ذاهلين، كأنما هم من أهل الكهف، وقد تغيّرت العملة كثيرا، وفي العيد تنشط  الكاميرا الخفية، فلعلها كاميرا الأسد الخفية، التي جعلت الآلاف يطاردون السيارات العُلب، ورأينا مذيعا شابا من "شام إف إم" يلتقي أهالي المعتقلين، والناس حوله يتضرعون إليه ويشكون ويبكون، فهم لا يعرفون سواه أحدا من السلطة، فالرئيس لا يطال.

وهي ليست مكرمة في عيد الفطر، فالرئيس علماني لا يعرف عيدا سوى عيد الحركة التصحيحة وأخواتها من الأعياد الوطنية، قد تكون محاولة لتطريب الموالين وتشميتهم بالمعارضين، الشعب الثاني، أو هو مرسوم للتعمية والتشغيب على الغارديان.

هم رهائن بانتظار مرسوم عفو جديد من الرئيس الكريم، الذي قال لشعبه: اذهبوا فأنتم الطلقاء. ليس عند رئيسهم مال يعطيه لشعبه، المال في بنوك بعيدة

أم هي حملة انتخابية لاكتساب الشرعية فقد حرص جميع المتكلمين على الثناء على المرسوم، وكان المتكلمون كالحين، سوى مذيع "شام اف أم" الشاب، الأنيق الوحيد بين حشود الملهوفين، الحق إنّ هناك واحدا آخر، أصفر الكسوة، شديد الأناقة أيضا، من أهالي المعتقلين، لعله شذوذ القاعدة.

 آخر الأخبار أنّ الأمن فضَّ تجمعات أهالي المعتقلين، ولم يظهر أنه اعتقل بعضهم، فالحمد لله.

هم رهائن بانتظار مرسوم عفو جديد من الرئيس الكريم، الذي قال لشعبه: اذهبوا فأنتم الطلقاء. ليس عند رئيسهم مال يعطيه لشعبه، المال في بنوك بعيدة، لكن عنده رحمة واسعة، ومسلسل مراسيم، وشعبان؛ شعب في بنوك السجون وشعب ينتظر مراسيمه.

الإنسان ثروة، ليس أغلى من الإنسان ثروة. لكنَّ العطاء في سوريا الأسد على قدر الولاء.