مرحبا أحمد آلتان.. أيّها "الإرهابي" الكبير

2018.12.12 | 00:12 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يبلغ من العمر 68 سنة. صحفي وروائي وكاتب تركي ليبرالي بارز. عمل صحفياً لأكثر من عشرين عاماً، كمراسل صحفي وصولاً إلى رئاسة تحرير صحيفة "طرف"، وكتب في صحف عدّة كـ" Hürriyet" و"Milliyet" و"Radikal". له العديد من الروايات منها؛ "أثر على الماء"، "الحب في أيام التمرد"، "ليلة طويلة"، "نهاية اللعبة". بالإضافة إلى كتب أخرى تضم مقالاته المنشورة في الصحف. ولد في 2/3/1950 بأنقرة.

والده الكاتب والصحافي تشتين آلتان، وشقيقه محمد آلتان، أيضاً كاتب وصحافي، وأستاذ جامعي. أقيل من صحيفة "ملليت" بعد كتابة عمود في 17 أبريل 1995 بعنوان "Atakurd - (اتاكورد: أبو الأكراد)"، الذي قدم سرداً تاريخيّاً مناوئاً للسرديّة التركيّة. سنة 2007، ترأس تحرير صحيفة "طرف" وبقي على رأس عمله، لحين استقالته في ديسمبر 2012. إنه "الإرهابي" الكبير، المسجون في تركيا؛ الكاتب والروائي التركي أحمد آلتان.

أحدثت هذه الصحيفة طفرة نوعية في الصحافة التركيّة، لجهة التجرؤ على المؤسسة العسكريّة وانتقاد جنرالات الجيش، والكشف عن مخططاتهم الانقلابيّة

أثناء ترأسه هيئة تحرير "طرف" أحدثت هذه الصحيفة طفرة نوعية في الصحافة التركيّة، لجهة التجرؤ على المؤسسة العسكريّة وانتقاد جنرالات الجيش، والكشف عن مخططاتهم الانقلابيّة، في حين لم يكن أحد يجرؤ على ذلك، باعتبار الجيش "درع الجمهوريّة ومؤسسها، وحامي حمى علمانيّتها". وحققت الجريدة أعلى نسبة مبيعات. وقتها، وبسبب انتقادات آلتان و"طرف" للجيش ولحزب العمال الكردستاني، وانتقادات طفيفة للحكومة الإسلاميّة التركيّة، كان الكردستاني يثير الشك والشبهة حول "طرف" على أنها مموّلة من جماعة فتح الله غولن المؤيّدة لأردوغان وقتذاك، وأنها اليد الخفيّة غير المباشرة لأردوغان التي يضرب بها الجيش، حين كان الرئيس التركي وزعيم العدالة والتنمية، وفتح الله غولن، "سمن على عسل". ذلك أن منسوب الجرأة العالية في انتقادات "طرف" وكمية التسريبات والوثائق التي كانت تسرّبها وتنشرها، وسط وجود صحف تركيّة عريقة، لا تقوى على فعل ما تفعله "طرف"، كل ذلك كان من شأنه إثارة علامات الاستفهام؟

موقف العمال الكردستاني السلبي من "طرف"، ربما كان مردّه ليس انتقادات "الصحيفة" ورئيس تحريرها للحزب، بل لأن ما زاد عن 10 إلى 12 صحافي عملوا ضمن طاقمها، كانوا يعملون سابقاً ضمن الإعلام الموالي للعمال الكردستاني في تركيا، كجريدة "أوزغر غوندم" و"غوندم" و"غونلوك"! وعليه، كان الكردستاني يعتبر "طرف" مأوى المنشقين عن الحزب وإعلامه!

في سبتمبر 2008 عندما نشر ألتان مقالة بعنوان "يا أخي" مخصصة لضحايا الإبادة الجماعية للأرمن، فتحت بحقه دعوى رفعها حزب "الاتحاد القومي الكبير" اليميني المتطرّف، واتهمه بإهانة الهويّة التركيّة، بموجب المادة 301 من قانون العقوبات التركي. آلتان الذي كان يواجه الجيش وجنرالاته بمقالاته وفي الصحيفة التي يرأس تحريرها، بعد فشل الانقلاب العسكري في يوليو 2016، تم اعتقاله في 23 سبتمبر 2016، ووجهت إليه تهمة إرسال "رسائل مموهة" لتشجيع المخطط الانقلابي، وأن له علاقة بجماعة فتح غولن! وفي 16 فبراير 2018، أصدر القضاء التركي حكمه بحق أحمد وشقيقه الكاتب والأكاديمي محمد آلتان، وأربعة آخرين، بالسجن المؤبّد. بالتالي، ما كان يقوله حزب العمال الكردستاني عن صحيفة "طرف" وأحمد آلتان سنة 2009 - 2010، صادق عليه القضاء التركي، وسطّر قراره بسجن آلتان سنة 2018! أوليست هذه مفارقة عجيبة غريبة، من مفارقات تركيا التي تُعدّ ولا تُحصى؟!

أثناء وجودي في تركيا من صيف 2009 لغاية صيف 2010، كما ذكرت آنفاً، ورغم علاقتي الجيّدة بالعمال الكردستاني ولقاءاتي المتكررة بمحاميي أوجلان، قررتُ زيارة مبنى صحيفة "طرف" بهدف التعارف واللقاء بآلتان. وقتئذ، كانت صحيفة "راديكال" قد بدأت تنشر لي مقالات خاصّة بها، وليست كالسابق، مقالات مترجمة نقلاً عن صحيفة "الحياة". إن لم تخنّي الذاكرة، آلتان كان موجوداً في مبنى الصحيفة، ولكنه اعتذر عن اللقاء بسبب مشاغل أو وجود اجتماع لهيئة التحرير، لكنه كلّف الصحافي برهان إيكنجي بإجراء حوار معي لصالح الصحيفة حول الانفتاح الكردي في تركيا. كان ذلك في خريف 2009. وبالفعل، نشرت "طرف" الحوار تحت عنوان " Açılım, Şam'a örnek olarak"، وأفردت له ثُلث مساحة الصفحة تقريباً. ولم أكن راضياً عن بعض الترجمات والأرقام الواردة في الإجابات، على أنها من فعل المحرر. وذكرت ذلك لبرهان إيكنجي، في حينه. ولأن الصحيفة تم إغلاقها، ولم يعد لها موقع على شبكة الإنترنت، لم أعثر على ذلك الحوار، عبر محركات البحث. ولكنني أحتفظ بنسخة مصغرة للحوار، كصورة.

كشفت صحيفة "طرف" مخطط منظمة "أرغاناكون" الانقلابي الذي كان يستهدف حكومة العدالة والتنمية، تلك القضيّة التي هزّت تركيا

أذكرُ مناشيتاً عريضاً، تصدّر الصفحة الأولى لجريدة "طرف" سنة 2010، وكان باللغة الكرديّة، كتب فيه "PKK.. Êdî bes e (حزب العمال الكردستاني.. كفى)". ذلك العنوان كان مقتبسا من شعار طرحه الحزب وقتها على أنه عنوان المرحلة: "حملة كفى: Pêvajoya êdî bes e". فعلها آلتان وقتها، ردّاً على هجوم شنّه العمال الكردستاني على ثكنة عسكريّة أو موقع عسكري، راح فيه العديد من الجنود الأتراك. حينذاك، لم يكن آلتان، "إرهابيّاً" ويدعم الانقلاب!

كشفت صحيفة "طرف" مخطط منظمة "أرغاناكون" الانقلابي الذي كان يستهدف حكومة العدالة والتنمية، تلك القضيّة التي هزّت تركيا، وكشفت عن أحد الأوجه القبيحة للدولة العميقة، حينها لم يكن آلتان "إرهابيّاً" كبيراً! كشف صحيفة "طرف" مخطط "المطرقة الضخمة - باليوز" ضد الحكومة، ومساندة آلتان لحزب العدالة والتنمية، ضد دعوى حظر الحزب أمام المحكمة الدستوريّة العليا، حينها، لم يكن آلتان "إرهابيّاً"! أمّا الآن، أحمد آلتان، في عرف وإعلام الحكومة التركيّة هو "إرهابي" كان مع الانقلاب، واعتقاله وسجنه مبرر ومشروع!

الحكومة التركيّة اعتقلت عشرات وبل مئات الضبّاط الكبار والجنرالات المتقاعدين، بتهمة الاشتراك في منظمة "آرغاناكون" والاشتراك في مخطط "المطرقة - باليوز" الانقلابي، وأصدرت بحقهم أحكاما شديدة، ثم أفرجت عنهم، بحجّة أن تلك الاتهامات كانت ملفّقة ومدبّرة من قبل عناصر جماعة فتح الله غولن ضمن مؤسسات الدولة، أو ما تسمّيهم الحكومة التركيّة وإعلامها بـ"الكيان الموازي"! ولا أعرف ما الذي يضمن ألاّ تقول الحكومة، بعد فترة، أن الاتهامات الموجّهة لأحمد آلتان وكل النشطاء السياسيين والمثقفين والأكاديميين المعتقلين في السجون التركيّة حاليّاً، أنهم مظلومون وأبرياء، والتهم التي وجّهت لهم، كانت ملفّقة وكاذبة!؟

تحدّث أردوغان عن ضرورة إعادة الاعتبار للمخرج السينمائي والروائي والشاعر الكردي، يلماز غوني، الذي هرب من تركيا مطلع الثمانينات، ومات في فرنسا

أذكر خطاباً للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ذكر فيه ضرورة إعادة الاعتبار للفنان التركي الراحل أحمد كايا، الذي مات في الغربة، هرباً من الهجوم الإعلامي الفاشي والعنصري عليه، لأنه صرّح عن رغبته بأنه سيغنّي بالكرديّة! كذلك تحدّث أردوغان عن ضرورة إعادة الاعتبار للمخرج السينمائي والروائي والشاعر الكردي، يلماز غوني، الذي هرب من تركيا مطلع الثمانينات، ومات في فرنسا سنة 1984 ودفن في مقبرة العظماء بباريس. أين ذهب ذلك الكلام الأردوغاني الجميل، والحكومة التركية، تضيف يوميّاً أسماء جديدة إلى سجّل سجناء الرأي والضمير في تركيا!؟

يوم الإثنين 2 ديسمبر 2018، نظّم نادي القلم البلجيكي (PEN Vlaanderen) أمسيّة أدبيّة تضامنيّة من الكتّاب السجناء في العالم، وخصّصت المؤسسة نشاطها هذا للحديث عن تجربة أحمد آلتان وشقيقه، وتجربة الناشطة الصحافية الكرديّة الشابّة زينب دوغان، المسجونة أيضاً في تركيا.

دعيت للنشاط وشاركت به، إلى جانب أدباء بلجيك، ومن الكاميرون وأريتيريا، وقرأت قصيدة لي بالكرديّة. ووجهت التحيّة لآلتان ورفاقه وقلت باللغة الهولنديّة: "مساء الخير أحمد ومحمد آلتان. مساء الخير زينب دوغان. مساء الخير كل الكتّاب السجناء (...) نحن نكتب كي نبقى أحراراً. نحن نكتب كي نحافظ على حريّتنا".

ما أثار استغرابي ودهشتي عدم مشاركة أي كاتب تركي (علماني أو إسلامي) يعيش في بلجيكا، علماً أن الجالية التركيّة الموجودة في بلجيكا يصل تعدادها إلى ما يزيد عن 300 ألف شخص!