مرة أخرى فلسطين تصفع المطبّعين والمتنطعين

2021.05.26 | 06:56 دمشق

zh31.jpg
+A
حجم الخط
-A

بدت هبّات باب العامود والشيخ جراح والمسجد الأقصى ثم معركة سيف القدس الأخيرة حافلة بالدلالات والتداعيات على المشهد الفلسطيني، بل الإقليمي وحتى الدولي برمته.

في الدلالات يمكن الحديث وبإيجاز عن إعادة توحيد الشعب الفلسطيني في أماكن وجوده المختلفة بعد عقود من الانقسام السياسي والجغرافي، وإعادة الاعتبار جدياً لخيار المقاومة بكل أشكاله السلمي منها والمسلّح، كما عن صعود حركة حماس كقائد للمشروع الوطني الفلسطيني بعدما أثبتت جدارتها سياسياً وإعلامياً وميدانياً، وفي المقابل أفول القيادة الهرمة للسلطة في رام الله برئاسة محمود عباس وبدء العد التنازلي لرحيلها فعلياً عن المشهد السياسي الفلسطيني بعدما ظهرت معزولة ومنزوية ومنفصلة، غير ذات صلة بالتطورات العاصفة، وعاجزة فعلياً عن حماية الشعب الفلسطيني حتى في أماكن سيطرتها المباشرة.

أما النجاح في دحر العدوان في غزة والصمود أمام إسرائيل وإجبارها على التراجع في القدس، فأكد حقيقة أن إسرائيل كيان قابل للهزيمة والزوال، وأن هذا الأمر لم يكن قريباً، كما هو الآن مع تذكر كلام أو للدقة نبوءة رئيس جهاز الأمن العام "الشاباك" السابق الجنرال يوفال ديسكين عن تفكك وانهيار وزوال إسرائيل بسبب الأزمات والخلافات والاستقطابات الداخلية العميقة خلال جيل - 25 عاما من الآن حسب تعبيره الحرفي - دون أن يتطرق إلى أن هذه نهاية حتمية للدولة العبرية ككيان استعماري دخيل وطارىء خاصة في ظل العناد والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني وإرادته العصية على الكسر وذاكرته الحية العصية على النسيان.

في التداعيات يمكن الحديث عن انتهاء حقبة أوسلو وعملية التسوية بشكل عام، كما رأيناها في العقود الثلاث الماضية، وفي السياق حلّ الدولتين الميّت سريرياً أصلاً وربما حتى انتهاء حقبة في التاريخ الفلسطيني برمته وبداية سيرورة تشبه ما جرى في أعقاب النكبة الثانية – حزيران/ يونيو 1967 - لجهة صعود المقاومة الفلسطينية بقيادتها الشابة على حساب قيادة منظمة التحرير التي كانت جزءاً من المنظومة القيادية العربية الرسمية، ما يعني كما أسلفنا انتهاء مرحلة القيادة الفلسطينية الحالية وضرورة بل حتمية السعي الحثيث والمواظب لترتيب البيت الوطني الفلسطيني، وإعادة بناء المؤسسات بشكل ديموقراطي وشفّاف ونزيه تحديداً منظمة التحرير كإطار قيادي مرجعي أعلى يعبّر عن الواقع والمزاج الشعبي والسياسي الحالي للشعب الفلسطيني في أماكن وجوده المختلفة بما في ذلك الشتات الذي هُمِّش واستبعد من المشهد الحزبي والمؤسساتي خلال العقود الثلاثة الأخيرة أي منذ مرحلة أوسلو حتى الآن.

يمكن أن نتحدث أيضاً في التداعيات عن إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية عربياً وإسلامياً ودولياً، وتكريس القناعة بأن لا أمن أو استقرار في المنطقة دون حلّها حلاًّ عادلاً وشاملاً يرتضيه أصحاب القضية وأهلها بقيادتهم الجديدة الشابة الشرعية والمنتخبة في المدى المنظور.

غير أن واحدة من أهم دلالات معركة سيف القدس والهبّات الشعبية التي سبقتها، تتمثل بالصفعة المدوية التي وجهتها فلسطين ليس فقط للمطبّعين العرب مع إسرائبل بقيادة الإمارات وإنما للمتنطعين أيضاً أي إيران وأذرعها الطائفية والإقليمية تحديداً ذراعها الإقليمي المركزي والناطق السياسي والإعلامي باسمها المتمثل بحزب الله في لبنان.

في الحقيقة نقضت الهبّات الشعبية في المدينة المقدسة ثم معركة سيفها الأسس التي قامت عليها فكرة التطبيع العربي مع إسرائيل في مرحلته أو سيرورته الأخيرة التي عشناها خلال العام الماضي، والتي تضمنت وهم أن التقارب العربي مع الدولة العبرية سيشجعها على إبداء مزيد من المرونة وتحسين تعاملها مع فلسطين، والحقيقة أن العكس قد حصل حيث بدت أكثر عنصرية وتطرفاً بل وسعت لاستغلال التطبيع لتهميش وحتى إزاحة القضية الفلسطينية عن جدول الأعمال، والاستفراد بالفلسطينيين لفرض الوقائع على الأرض في القدس تحديداً عبر تهجير قسري وتغيير ديموغرافي عنصري موصوف، علماً أن المطبعين سعوا منذ اليوم الأول لزيارتها من بوابة الاحتلال الإسرائيلي عبر خط مباشر من أبو ظبي إلى القدس المحتلة.

نقضت الهبّات الشعبية في المدينة المقدسة ثم معركة سيفها الأسس التي قامت عليها فكرة التطبيع العربي مع إسرائيل، والتي تضمنت وهم أن التقارب العربي مع الدولة العبرية سيشجعها على إبداء مزيد من المرونة وتحسين تعاملها مع فلسطين

زعم المطبّعون كذلك أنهم قدموا خدمة للقضية الفلسطينية عبر إزالة خطة الضمّ الإسرائيلية لثلث الضفة الغربية عن جدول الأعمال ما مثل أكذوبة كبرى كون الخطة مستمرة ولو بشكل غير رسمي أو معلن في الضفة الغربية بشكل عام والقدس بشكل خاص، حيث تتولى الجماعات الاستيطانية المتطرفة مهمة التنفيذ بدعم من المؤسسة الإسرائيلية بمستوياتها المختلفة.

روّج المطبّعون أيضاً لفكرة أن سيرورة الهرولة باتجاه إسرائيل والتقارب معها ستؤدي إلى تهيئة ظروف مناسبة أمام استئناف عملية التسوية بين الاحتلال وقيادة السلطة الفلسطينية، بينما العكس تماماً قد حدث حيث بدا التطبيع وكأنه بديل عن التسوية نفسها على طريق تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي فيما بعد.

إضافة إلى ما سبق قالت الأنظمة العربية المطبّعة صراحة - الإمارات تحديداً - أن التقارب مع إسرائيل يستهدف الاستفادة من قوتها وقدراتها الهائلة "حسب أوهامهم" لحل مشكلات وأزمات تلك الأنظمة الداخلية أو الإقليمية على مستويات مختلفة سياسية وأمنية واقتصادية.

غير أن كل تلك الأسس انهارت مع هبّات القدس ثم معركة سيفها التي أكدت أن إسرائيل كيان عنصري هشّ منقسم قابل للهزيمة، بل محكوم بها، وهي غير قادرة على نجدة نفسها وإخراجها من أزماتها البنيوية العميقة، ناهيك عن فعل ذلك للغير حسب نبوءة ديسكين وجنرالات وفلاسفة آخرين، خاصة يشعياهو ليبوفيتش الذي تنبأ باكراً جداً ومنذ نهاية الستينيات بأن الاحتلال للشعب الفلسطيني سيدمر في النهاية المجتمع الإسرائيلي نفسه من الداخل.

لذلك لجأ المطبّعون خلال هبّات القدس ومعركتها إلى لغة سياسية وإعلامية خبيثة بدت ظاهرياً داعمة ومتضامنة مع الفلسطينيين، ولكنها تبنت جوهرياً الروايات والأكاذيب الإسرائيلية وبثّت السموم تجاه المقاومة والقضية الفلسطينية العادلة.

وعموماً، وبناء على المعطيات السابقة يمكن الاستنتاج أن سيرورة التطبيع ستتباطؤ خلال الفترة المقبلة خاصة مع انشغال إسرائيل بأزماتها البنيوية العميقة التي أججتها الهبّات الشعبية في القدس والمعركة العسكرية مع غزة.

أما المتنطعون أي إيران وحلفاؤها وعندما اندلعت هذه فعلاً في فلسطين بمدنها وقراها بلعوا ألسنتهم الطويلة ولم يحركوا ساكناً كما لم يستخدموا ترسانتهم التسليحية الهائلة التي تباهوا بها للتغطية على جرائمهم بحق الشعوب العربية

أما المتنطعون أي إيران وحلفاؤها فقد برروا جرائمهم في حواضرنا ومدننا العربية ومساعدة الطغاة في جرائم ضد الثورات العربية الأصيلة في سوريا ولبنان والعراق واليمن بالإعداد للمواجهة مع إسرائيل عبر بوصلة إجرامية دموية معدومة الضمير زعمت أن الطريق إلى القدس تمر أولاً باحتلال وتدمير بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، ورغم تعرضهم طوال الوقت لهجمات وضربات إسرائيلية – بسبب التموضع الاستراتيجي في سوريا والعراق لا دعم الطغاة بحد ذاته - إلا أنهم اعتمدوا ما وصفوه بالصبر الاستراتيجي تحضيراً للمعركة مع إسرائيل، وعندما اندلعت هذه فعلاً في فلسطين بمدنها وقراها بلعوا ألسنتهم الطويلة ولم يحركوا ساكناً كما لم يستخدموا ترسانتهم التسليحية الهائلة التي تباهوا بها للتغطية على جرائمهم بحق الشعوب العربية.

أما إعلامياً؛ فحضر النفاق والانتهازية في أداء الحشد الشعبي الإعلامي الإيراني الناطق بالعربية، حيث الصخب المصطنع لإخفاء جوهر ودلالات ما جرى في القدس وغزة بما في ذلك نزع الأقنعة عن المتنطعين مع سعي لسرقة الإنجاز الفلسطيني بإقحام إيران عنوة في الصورة وحتى نظام بشار الأسد نفسه، علماً أن بشار يشكل نموذجاً سلبياً وشاذاً كونه مطبّع مع إسرائيل وفي الوقت نفسه متنطع مع إيران وأذرعها الطائفية الموتورة.

عموماً وطوال حروب غزة الثلاث السابقة وهبّات القدس المتعاقبة منذ البوابات الإلكترونية إلى حواجز باب العامود والشيخ الجراح وصولاً إلى معركة سيف القدس، سقطت الأقنعة عن وجوه المطبّعين والمتنطعين بعدما تركوا الفلسطينيين وحدهم في الميدان، علماً أن هؤلاء واجهوا بشجاعة وثبات وصمود في انتظار الدعم والمدد الحقيقي من أهلهم الثائرين في الحواضر العربية التاريخية الكبرى التي تحالف فيها المطبّعون والمتنطعون دعماً للطغاة والغزاة سرّاً وعلانية.