مذكرة تفاهم روسية إسرائيلية في سوريا

2019.04.20 | 00:04 دمشق

+A
حجم الخط
-A

قالت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية الأحد الماضي - 14 نيسان/ أبريل إنه تم توقيع مذكرة تفاهم روسية إسرائيلية تتعلق بالتنسيق العسكري بين الاحتلالين في سوريا. الصحيفة العبرية قالت إن التوقيع جرى بناء على طلب، بل إلحاح روسي بعد مماطلة إسرائيلية معتادة - وأن هذا المستجد قد يفسر الصمت الروسي على الغارات الإسرائيلية المتزايدة أخيراً ضد أهداف ومواقع للاحتلال الإيراني في سوريا.

يمكن فهم واستيعاب الإصرار الروسي على توقيع مذكرة التفاهم مع الاحتلال الإسرائيلي، كون روسيا تريد إقرارا مكتوبا يقر بتحكمها بمقاليد السلطة الفعلية في سوريا، إضافة إلى ذلك فإن موسكو بدت محرجة من الانتهاكات الإسرائيلية لهيبتها، خاصة بعد عراضة نشر منظومة الـ إس 300 وفشلها في منع أو التصدي للغارات الإسرائيلية، رغم موافقتها المسبقة طبعاً على قاعدة حق الاحتلال الإسرائيلي في استهداف التموضع الإيراني ببعده الاستراتيجي في سوريا.

سبب ثالث؛ دفع باتجاه طلب التوقيع الرسمي على مذكرة التفاهم يتعلق طبعاً بحادثة إسقاط الطائرة الروسية في أيلول/ سبتمبر الماضي، والذي اعتبرته موسكو انتهاكاً لاتفاقاتها المبدئية الشفوية مع تل أبيب، ونكرانا للجميل، كما أنها دليل على عجز تلك التفاهمات نفسها عن حل المشاكل والأزمات الناجمة عن الاحتكاكات بين الاحتلالات الأجنبية فى سوريا.

التفاهمات المبدئية الشفوية بين البلدين - كما قالت يديعوت أحرونوت - كان قد تم التوصل إليها نهاية العام 2015 أثناء زيارة لرئيس الوزراء بنيامين نتن ياهو ورئيس أركانه آنذاك جادي أيزنغوت لموسكو

تمنّع إسرائيل طوال السنوات الماضية ورفضها للتوقيع على مذكرة تنسيق رسمية يبدو مفهوما أيضاً. كون تل أبيب كعادتها لا تريد إلزام نفسها بأي شيء، وتريد أن تحتفظ دائماً لنفسها بحرية الحركة، والعمل بما تجده متلائماً مع مصالحها؛ ووثيقة التفاهم قد تقيّدها، وتضع العراقيل اللوجستية أو حتى السياسية. أمام ما تعتبره – بغطرسة وعنجهية - حقاً مطلقاً لها في المنطقة، ودولة خارجة عن القانون، كما اعتادت وتصرفت خلال العقود الماضية منذ تأسيسها.

التفاهمات المبدئية الشفوية بين البلدين - كما قالت يديعوت أحرونوت - كان قد تم التوصل إليها نهاية العام 2015 أثناء زيارة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورئيس أركانه آنذاك جادي أيزنغوت لموسكو، أي مباشرة بعد بداية الاحتلال الروسي لسوريا وتضمنت موافقة إسرائيلية على بقاء نظام بشار الأسد، وعدم استهدافه أو إضعافه، وعدم التدخل الإسرائيلي في السياسات الروسية والتطورات السورية مقابل احتفاظها بحرية الحركة وحق استهداف أهداف ومواقع إيرانية تشكل خطراً على المصالح الإسرائيلية الأمر الذي تفهمته وأيدته موسكو أيضاً.

إسقاط الطائرة الروسية فى أيلول أدى لإحراج كبير لموسكو، خاصة مع عدم استخدام منظوماتها المضادة للطائرات بما فيها منظومة بانتسير الأكثر تقدماً، فجاء قرار تزويد النظام بمنظومة إس 300 سياسي إعلامي دعائي فقط، حيث ظلت موسكو وفية لمواقفها العامة، والتفاهمات الشفوية بإعطاء حرية حركة لتل أبيب لكن مع رغبة في توقيع تفاهمات ملزمة هدفت منها إلى تحسين بعض الشروط الفنية – وليس السياسية – المتعلقة بالمدى الزمني الذي يتم إبلاغها فيه قبل الغارات الإسرائيلية وتوسيعه لدقائق أكثر، كما إبلاغها بالمكان المستهدف لتلك الغارات بدلاً من العبارات التوصيفات الجغرافية العامة التي كانت مستخدمة مثل شرق أو شمال وغرب وجنوب سوريا.

أعتقد أن إصرار وإلحاح موسكو لتوقيع مذكرة التنسيق له علاقة بعدم جديتها في نشر وتشغيل منظومة إس 300، وعدم تسليمها فعلياً للنظام، كما لعدم الإحراج مع تطوير إسرائيل لصواريخ-رامبيج- قادرة على تجاوز تلك المنظومة كما أشارت مصادر إسرائيلية وروسية، وحتى منظومة بانتسير الأكثر تطوراً التي يستخدمها جيش الاحتلال الروسي لحماية منشآته في سوريا.

تسليم جثة زخاريا باومل يندرج بالتأكيد في هذا السياق، أي إغراء إسرائيل للتوقيع على مذكرة التنسيق، رغم أن البحث عن جثث الجنود المفقودين كان قد بدأ منذ زمن طويل كون الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية كان قد اعتبر إسقاط الطائرة في أيلول، نكرانا للجميل من قبل الإسرائيليين بعد شهور من التقصي وعمل جنود الاحتلال الروسي المضني في سياق بحثهم عن جثث الجنود الإسرائيلين.

الحديث المتواتر عن جثة الجاسوس إيلي كوهين وبقية الجنود المفقودين بما فيهم ملاح الجو رون أراد يمكن وضعه في سياق الإغراء أو الحوافز لإسرائيل للتوقيع على مذكرة التنسيق، بما في ذلك طبعاً التدخل الروسي الرسمي

الحديث المتواتر عن جثة الجاسوس إيلي كوهين وبقية الجنود المفقودين بما فيهم ملاح الجو رون أراد يمكن وضعه في سياق الإغراء أو الحوافز لإسرائيل للتوقيع على مذكرة التنسيق، بما في ذلك طبعاً التدخل الروسي الرسمي، وعلى مستوى عالٍ من قبل الرئيس بوتين لدعم نتنياهو وتسهيل فوزه في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، وتسليم جثة باومل قبل أيام منها كما قبول اعتذاره المفاجىء والمتأخر عن زيارة موسكو -الخميس 21 من آذار- لإنجاز التحالفات الداخلية وترتيب بيت اليمين المتطرف الداخلي.

كما قلنا سابقاً موسكو حريصة جداً على تفاهماتها مع تل أبيب شفوياً وكتابياً، لحماية منجزاتها ومكاسبها فى سوريا بما فى ذلك بقاء نظام الأسد ومنع سقوطه حتى الآن، إضافة لتحجيم وإضعاف الحضور الإيراني المنافس لها، الأهم ربما لإبقاء النافذة مفتوحة على واشنطن عبر تل أبيب ونفوذها الواسع في الإدارة والساحة السياسية بشكل عام.

 أما إسرائيل فتصرفت على طريقتها المتغطرسة والجشعة، ماطلت تمنعت لفترة طويلة عن التوقيع بعدما حصلت على ما تريده شفوياً، ثم نالت أثمان ومكافآت إضافية للتوقيع على تفاهم هو أصلاً يخدم مصالحها، ولا يضع قيوداً عليها بشكل فعّال وجدّي، وغير ضار بها أو حتى بتفسيرها المرن الواسع والجشع لمتطلبات وحاجات أمنها القومي.

في الأخير وباختصار، فإن التفاهم الجدّي والراسخ بين الغرباء والمحتلين سواء أكان شفوياً أو مكتوباً ، هو قائم على مصالح مشتركة جديّة أيضاً، أهمها تكريس الاحتلال الروسي بصفته لا يتناقض بل يعزز ويحمي أمن إسرائيل ومصالحها، وبقاء نظام بشار الأسد بعد تدمير سوريا ونهب خيراتها، وتشريد الشعب السوري لمنعه من فرض إرادته، وتقرير مصيره بنفسه حسب وعيه الجمعي التاريخي المعاد لإسرائيل وكل الغزاة.

كلمات مفتاحية