
"كنا نشعر كأننا في فرع مخابرات".. بهذه الكلمات عبّر يحيى بريدي، خريج كلية الإعلام في جامعة دمشق، عن معاناة طلاب الكلية الذين واجهوا التشبيح والفساد من شخصيات أكاديمية استمرت في مناصبها حتى بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع، بشار الأسد.
ومنذ تأسيسها، عانى طلاب كلية الإعلام في جامعة دمشق من تردي واقعها التعليمي، إذ كانت تفتقر إلى الكوادر المهنية والمعدات اللازمة لإجراء المحاضرات العملية المهمة لطلاب الإعلام، ومؤخراً، انتفض طلاب كلية الإعلام مطالبين بتحسين مستوى تعليمهم الأكاديمي، وتأمين مستقبل أكاديمي أفضل.
نشأة تعليم الإعلام في سوريا
بدأ تدريس الإعلام في سوريا من خلال معهد الإعداد الإعلامي، الذي تأسس عام 1969 في دمشق، قبل أن يتم افتتاح قسم الإعلام التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة دمشق عام 1987، وظل التدريس في القسم قائماً بإمكانيات محدودة لمدة 23 سنة.
في مطلع آذار 2011، تأسست كلية الإعلام ككيان مستقل تابع لجامعة دمشق، وأُضيفت إليها أربعة تخصصات، هي: الصحافة، الإذاعة والتلفزيون، الإعلام الإلكتروني، والعلاقات العامة، ما منح الطلاب فرصة اختيار التخصص الذي يناسب توجهاتهم المهنية.
طلاب الإعلام بلا سلاح
كان افتتاح مبنى جديد لكلية الإعلام عام 2011 حدثاً أثار حماسة الطلاب، خاصةً أنه كان يضم استديو تدريب عملي مجهزاً بمعدات حديثة، وهو ما افتقر إليه الطلاب في السابق، فقد كان طلاب السنوات الأخيرة من قسم الإعلام، قبل تحويله إلى كلية، يحصلون على تدريبات عملية في معهد الإعداد الإعلامي، لكنها لم تكن كافية.
وقال أنس بكور، الذي كان طالباً في قسم الإعلام قبل تحويله إلى كلية، إن "الجانب العملي في دراسة الإعلام يُعد بمثابة سلاح في يد الطالب، ولا يقل أهمية عن دروس التشريح والتحليل المخبري لطلاب الطب والصيدلة".
وأضاف لموقع "تلفزيون سوريا" أنه "للأسف، كنا محرومين من التدريب العملي بسبب عدم توفر المعدات التقنية اللازمة، وبالتالي، كانت دراستنا نظرية بحتة بلا أي فائدة".
ويعتبر أنس أن رسوبه في السنة الثالثة، عام 2010، "نعمة وليس نقمة"، مشيراً على افتتاح استديو للتدريب العملي ضمن الكلية عام 2011، ما أتاح له ولبقية الطلاب فرصة التدريب العملي بعد حرمانهم منه لسنوات.
لكن هذه الفرحة لم تدم طويلاً، إذ لم يمضِ أكثر من عام حتى قامت قناة "الإخبارية السورية"، التابعة لمخابرات النظام المخلوع، بالاستيلاء على استديو كلية الإعلام، ليصبح مقراً لها طوال سنوات الثورة السورية.
الاستديو حق للطلاب
وأكدت عميدة كلية الإعلام، بارعة شقير، أن إدارة الكلية تواصلت مع وزارة التعليم العالي، التي بدورها خاطبت وزارة الإعلام للمطالبة بإعادة الاستديو إلى طلاب الكلية.
وأضافت شقير، في حديث لموقع "تلفزيون سوريا"، أن حرمان الطلاب من الاستديو اضطر الأساتذة إلى تأمين أدوات بسيطة على نفقتهم الخاصة، مثل الكاميرات وأجهزة الإضاءة والتسجيل، بهدف تقديم المحاضرات بشكل عملي قدر الإمكان.
وشددت عميدة كلية الإعلام على أن الاستديو "مجهز بأفضل المعدات، وهو حق للطلاب، وسنعمل على تسخيره لمصلحتهم قريباً"، موضحة أن كلية الإعلام "بصدد تطوير خطتها الدراسية بما يتناسب مع المستجدات في مجال الإعلام، لضمان تخرج طلاب جاهزين للدخول في سوق العمل".
دكتورة برتبة ضابط مخابرات
لم تقتصر معاناة طلاب كلية الإعلام على ضعف الجانب العملي، بل امتدت إلى انتهاكات وفساد بعض المدرسين، وعلى رأسهم الدكتورة نهلة عيسى، التي درّست مواد نظرية وعملية ضمن الكلية.
تنحدر نهلة عيسى من قرية شين بريف حمص، وشغلت منصب نائبة عميد الكلية للشؤون الإدارية لنحو 12 عاماً، حتى أقيلت من منصبها في العام 2022.
يؤكد طلاب سابقون في كلية الإعلام أن الدكتورة نهلة عيسى لعبت دوراً أمنياً داخل الكلية، ووصفوها بأنها كانت بمنزلة "ضابط مخابرات" يمارس سلطته على الطلاب، كما تورطت في اعتقال العشرات منهم من كليتي الآداب والإعلام بجامعة دمشق.
الصحفي معتز عنتابي، وهو خريج كلية الإعلام، كان من بين هؤلاء الطلاب، إذ اعتُقل من داخل الحرم الجامعي مع عدد من زملائه في بداية الثورة السورية، وقال لموقع "تلفزيون سوريا" إن اعتقاله جاء بسبب "تقرير كيدي" من طلاب مقربين من الدكتورة عيسى، كانوا يعلمون بموقفه المؤيد للثورة.
وأضاف عنتابي لموقع "تلفزيون سوريا" أن نهلة عيسى "كانت متورطة بشكل مباشر في اعتقالي واعتقال زملائي، حيث كانت تملك السلطة التنفيذية داخل الكلية، كما أن علاقتها الوثيقة مع اتحاد طلبة سوريا وأفرع المخابرات مكنتها من تهديد الطلاب بالاعتقال وإهانتهم باستمرار، رغم ادعائها لاحقاً أنها تدخلت لإخراج بعضهم من المعتقلات".
أما يحيى بريدي، وهو خريج من كلية الإعلام، فكان أحد ضحايا نهلة عيسى أيضاً. فقد عرقلت تخرجه لمدة ثلاث سنوات بسبب اعتراضه على فسادها، حين منحَت طالبين من الساحل درجات عالية في مادة علم النفس الإعلامي رغم عدم حضورهما للدروس العملية، في حين منحته علامة متدنية رغم حضوره جميع المحاضرات وتقديمه فيلماً تطبيقياً للمادة.
وقال بريدي لموقع "تلفزيون سوريا" إنه "احتججتُ لدى إدارة الكلية على تصرفاتها بسبب تمييزها الطائفي بين الطلاب، فهددتني بالفصل من الكلية، وبعد تدخل بعض الأساتذة، تراجعت عن القرار، لكنها حقدت عليَّ، فتعمدت رسوبي في مادتها 11 مرة".
وأضاف أنه "لحسن حظي، تغيّرت الدكتورة المشرفة على المادة عندما انشغلت نهلة عيسى بمنصبها كنائبة للعميد، واستطعت اجتياز المادة والتخرج، وإلا لما حصلت على شهادتي أبداً."
وأشار بريدي إلى موقف آخر لنهلة عيسى، وقال إنه "مع بداية الثورة، كنتُ أطلق لحيتي، وحين شاهدتني في الكلية، صرخت طالبةً مني الحضور إلى مكتبها، حيث قامت بإهانتي أمام أربعة أساتذة، وقالت لي بلهجة عامية: (شوفوا هالمنظر! عامل متل هالمندسين والإرهابيين، ناقصنا هيك مناظر بالجامعة!)".
كانت سببا باعتقال عشرات الطلاب زمن النظام المخلوع
— تلفزيون سوريا (@syr_television) February 5, 2025
إقالة المدرسة في كلية الإعلام بجامعة #دمشق نهلة عيسى.. ماذا تعرف عنها؟#تلفزيون_سوريا #نيو_ميديا_سوريا pic.twitter.com/7621nt0Ayt
صرخة في وجه الفساد والتحرش
والثلاثاء الماضي، شهدت كلية الإعلام بدمشق وقفة احتجاجية أمام مبنى الكلية، نظمها عدد من الطلاب من مختلف التخصصات والمستويات الدراسية، للمطالبة بتحسين جودة التعليم ومحاسبة الشخصيات الأكاديمية والإدارية المتورطة في الفساد أو المعروفة بمواقفها المؤيدة للنظام المخلوع.
ووفق ما رصد موقع "تلفزيون سوريا"، رفع الطلاب لافتات تحمل عبارات احتجاجية، منها: "إعلامنا لا يصاغ بأيدٍ ملوثة بالفساد"، و"لن نسمح ببقاء المتحرش في كليتنا"، "نهلة عيسى يجب أن ترحل"، "لا لشبيحة الجامعة".
من تسليم طلاب إلى فروع الأمن إلى التحرش
— تلفزيون سوريا (@syr_television) February 5, 2025
وقفة احتجاجية لطلاب كلية الإعلام بجامعة #دمشق تطالب بإقالة أساتذة على صلة بالنظام المخلوع
إعداد: حنين عمران#تلفزيون_سوريا #نيو_ميديا_سوريا pic.twitter.com/j26AraN1fq
وقالت إناس الغوثاني، وهي طالبة في كلية الإعلام، إن الوقفة الاحتجاجية جاءت ضد الأساتذة الفاسدين، وعلى رأسهم نهلة عيسى، إلى جانب محمد الرفاعي، الذي ثبت بالأدلة تحرشه بعدد من الطالبات عبر المحادثات أو بشكل مباشر".
وأشارت الغوثاني، في حديثها لموقع "تلفزيون سوريا"، إلى أنه "رغم إحالة الرفاعي سابقاً إلى لجنة تأديبية، فوجئنا بعودته إلى التدريس بعد شهرين، ونحن الآن نطالب بإقالته ومحاسبته فوراً".
وزارة التعليم العالي توقف نهلة عيسى عن العمل
واستجابةً لاحتجاجات الطلاب، أوقفت وزارة التعليم العالي الدكتورة نهلة عيسى عن العمل في جامعة دمشق، وأحالتها إلى التحقيق.
وأكدت عميدة كلية الإعلام، الدكتورة بارعة شقير، أن وزارة التعليم العالي ورئاسة جامعة دمشق ستتابع مطالب الطلاب بجدية، مشددةً على أنه "لا أحد فوق المساءلة القانونية، وهناك قواعد ناظمة لضبط أي تجاوزات تصدر عن أعضاء الهيئة التدريسية".