icon
التغطية الحية

مخيم الركبان رمز لخلافات دولية.. من المسؤول عن مأساة آلاف النازحين؟

2022.04.22 | 15:17 دمشق

أهالي مخيم الركبان
أهالي مخيم الركبان
معهد الشرق الأوسط - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

طالب أعضاء الكونغرس الأميركي خلال الشهر الماضي إدارة بايدن بمعالجة الأزمة الإنسانية التي تعصف بمخيم الركبان منذ ثماني سنوات، ذلك المخيم التعيس غير الرسمي الذي أقيم للنازحين شرقي البادية السورية، على بعد بضعة كيلومترات من قاعدة التنف العسكرية التي تترأسها الولايات المتحدة. إذ منذ عام 2015، أحجم كل من الأردن والنظام السوري وروسيا والولايات المتحدة عن نسب مسؤولية هذا المخيم له، ما أدى إلى عدم اتخاذ أي إجراء حياله طوال فترة طويلة من الزمن، على الرغم من الظروف الإنسانية القاسية التي يعيشها ذلك المخيم.

فقد انهارت جميع الجهود الدولية الساعية للتخفيف من أزمة مخيم الركبان، ولهذا وقع كل العبء على الأردن الذي أصبح مسؤولاً عنه بالكامل، إلا أن الأردن ينكر ذلك، كونه يعتقد بأن فتح حدوده للقاطنين في ذلك المخيم لابد وأن يتسبب بخلق مشكلات سيترتب عليه أن يعالجها بمفرده في نهاية المطاف.

الجهود الإغاثية الأولية التي قدمها الأردن

في بداية الأمر، بذل الأردن جهوداً كبيرة لمعالجة الأزمة المتردية في مخيم الركبان، وذلك عبر تقديم المواد الإغاثية من خلال العديد من الجهات الوسيطة، إلى جانب السماح للمنظمات الإغاثية بدخول المخيم لفترة قصيرة وذلك خلال عام 2016. بيد أن تلك الخيارات كانت محدودة، لأن معبر الركبان ليس معبراً حدودياً رسمياً ورد ذكره في قرار الأمم المتحدة رقم 2449، ولهذا لن تتمكن الجهات الفاعلة الدولية من عبور الحدود إلى سوريا بطريقة قانونية بهدف معالجة أمور المقيمين في ذلك المخيم. وللتعويض عن ذلك، افتتحت اليونيسيف بالتعاون مع الأردن عيادة على الحدود الواقعة أقصى شمال البلاد وذلك لتقديم الخدمات الطبية العاجلة والرعاية الإنسانية. إلا أن ذلك تطلب من الأردن إبقاء حدوده مفتوحة وذلك للسماح بمرور المساعدات الطبية عبر الحدود، وهكذا سمح الأردن للسوريين في مخيم الركبان بالحصول على المعالجة الطبية العاجلة في العيادة التي أقيمت على حدود الأردن الشمالية لفترة قصيرة من الزمن.

ولكن مع تطور الحرب في سوريا، لم يعد لدى الأردن رغبة بمعالجة المخاطر الأمنية، وذلك عقب مقتل سبعة جنود أردنيين على يد تنظيم الدولة، فضلاً عن تعرض الأردن للعديد من محاولات الهجوم، ولهذا تكررت عمليات إغلاق الحدود بين الأردن وسوريا. ومنذ تفشي جائحة كوفيد-19، بقيت الحدود مغلقة أمام كل من يقطن في مخيم الركبان، باستثناء بعض الحالات النادرة عندما كان لابد من التعاون مع الأردن لإجلاء الحالات الطبية الطارئة.

تضاعف الأخطار في مخيم الركبان

يرجح الأردن بأن سماحه لسكان مخيم الركبان بدخول المملكة الأردنية سؤدي إلى إقامتهم بشكل دائم في البلاد، بما أن غالبية سكان هذا المخيم لا يستطيعون أو لا يرغبون بالعودة إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام في سوريا، خوفاً من الاعتقال أو الانتقام الذي يمكن للنظام أن يمارسه بحقهم.

ولهذا، سمحت الحكومة الأردنية في عام 2016 لعشرين ألف شخص مقيم في مخيم الركبان بأن يقيم في المملكة بصفة لاجئ، إلا أن الخوف من أي خطر محتمل نتيجة لذلك دفع المملكة لتوطين هؤلاء اللاجئين في مخيم أزرق للاجئين مع تقييد حركتهم إلى أن يتم إجراء دراسة أمنية كاملة عنهم.

إن تجربة مخيم أزرق عرضت الأردن لمشكلات إنسانية وسياسية وقانونية معقدة بقيت دون حل، ولهذا تم التغاضي عنها وتجاهلها. إذ بعد مرور خمس سنوات على ذلك، لم يفرغ الأردن بعد من إخلاء سكان مخيم الركبان سابقاً من مخيم أزرق بشكل كامل، ثم إن عدداً من سكان مخيم الركبان هربوا من المناطق التي سيطر عليها تنظيم الدولة في السابق، ولهذا يخشى الأردن من وجود أي صلات قديمة قد تربطهم بذلك التنظيم "الإرهابي". وفي الوقت ذاته، هنالك من ليست لديه أوراق ثبوتية رسمية من أهالي ذلك المخيم، وذلك لأنهم هربوا على عجل خوفاً من العنف في مجتمعاتهم الأصلية. ونتيجة لذلك، بقي معظم هؤلاء في ذلك المخيم أو جرت إعادتهم إلى سوريا، إما بشكل طوعي أو عبر الترحيل. كما لم يصدر حكم قضائي بعد بحق سكان مخيم الركبان الذين قد تفضي الدراسة الأمنية التي تجري بحقهم إلى معلومات تعتبر إشكالية بنظر السلطات الأمنية الأردنية.

أدرك الأردن بأن التجارب الإنسانية مثل تجربته مع مخيم أزرق قد نضجت بعد كل هذه التعقيدات، وذلك لأن الشركاء الدوليين الذين يدافعون عن سكان ذلك المخيم لن يقدموا على الأرجح موارد مخصصة له على المدى الطويل، كما لن يولي أي منهم اهتماماً بذلك المخيم لفترة طويلة من الزمان، ولا يعنيهم أمر إيجاد حل ناجع لأهالي المخيم، وهذا ما جعل عمان ذات الموارد المالية المحدودة التي يتم تقسيمها بين دعم الآلاف من اللاجئين السوريين ورفد اقتصاد البلاد، تدفع فاتورة باهظة، أي بمعنى أصح، كانت اللعبة خاسرة بالنسبة للأردن.

وأيضاً، يحتفظ الأردن بعناصر تنظيم الدولة داخل ذلك المخيم، ولهذا يخشى من تسربهم مما قد يتسبب بخلق مخاطر أمنية في الداخل الأردني. فقد أجبرت الحملة العسكرية التي شنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة في بدايات عام 2016 الكثير من عناصر تنظيم الدولة على الهروب من البادية السورية، حيث واصلت قوات التحالف عملياتها ضد فلول تنظيم الدولة، ولهذا تحول مخيم الركبان إلى خطر أمني، بوصفه مجتمعاً من المجتمعات القليلة الموجودة في البادية التي يرجح وصول عناصر تنظيم الدولة إليها للتزود بالإمدادات، وقد ساء وضع ذلك المخيم بصورة أكبر مع عدم اتخاذ أي إجراء بشأنه نتيجة عدم الاكتراث به.

رمز للخلافات التي لم تتم تسويتها

يحتاج أفق التعاون على معالجة أمور قاعدة التنف أو مخيم الركبان إلى مصالحة بين الأردن والنظام في سوريا بشأن تاريخهما المأزوم، إلا أن كلاً منهما لم يغفر للآخر زلاته. إذ يرى الأردن بأن النظام السوري أقحمه في أسوأ أزمة لجوء في العالم، إلى جانب مواصلة الجانب السوري لزعزعة الاستقرار في المناطق الحدودية بين البلدين. أما النظام السوري فيعتبر الأردن خائناً عندما دعم المعارضة وواصل دعمه لأحد الجيوش الأجنبية الموجودة شرقي البلاد. وذلك لأن وجود الجيش الأميركي في قاعدة التنف ما برح يذكر الأسد بدعم الأردن للعمليات الأميركية في سوريا، في الوقت الذي يعتبر فيه العالم مخيم الركبان بمثابة مظهر من مظاهر الضرر الذي لحق بالإنسان بسبب جرائم الأسد وفظائعه.

تكشفت العلاقة الباردة حد الصقيع بين الأردن والنظام في سوريا عن إرهاصات لبدء عملية ذوبان الثلوج، إلا أن تلك الخطوات المتزايدة لم تحل نكبة ذلك المخيم. ثم إنه من غير المتوقع لعمان أن تطبع العلاقات مع النظام بالمعنى الحقيقي للكلمة، ولكنها تتجه نحو التطبيع الناعم، في الوقت الذي يدرس فيه المزيد من قادة الدول العربية فكرة عودة سوريا إلى الجامعة العربية.

وفي الوقت الذي يرجح فيه للطرفين أن يقوما بعملية تنسيق ضمنية حول المشكلات الأمنية الرئيسية في المنطقة، مثل استقرار المناطق الحدودية، يحاول الأردن تجنب أي نشاط صريح ضمن المناطق السورية، ويشمل ذلك العمليات الإغاثية في مخيم الركبان، لأن هذا النشاط برأي الأردن قد يقوض حالة الجمود الهشة من قبل الطرف السوري والروسي والأميركي في المنطقة الشرقية بسوريا، كما يمكن أن يؤثر بشكل سلبي في حالة الردع المفروضة على الحدود بفعل سلطات الأمر الواقع والتي تؤمنها قاعدة التنف للأردن، أي أن عمان لن تفعل ذلك إلا إن تولت واشنطن زمام المبادرة في هذا المضمار.

وفي نهاية المطاف، ليس ثمة منصة أو خطة أو آلية لحل النزاع على المدى القريب ضمن منطقة خفض التصعيد في سوريا البالغ طولها 55 كلم، ما يعني عدم وجود حل قريب لمخيم الركبان بالضرورة. كما أن الغزو الروسي لأوكرانيا صرف الأذهان بصورة مؤقتة بعيداً عن سوريا، كما زاد التوتر بين روسيا والولايات المتحدة. إذ قد تمتد تلك الحرب خارج حدود أوكرانيا لتصل إلى المنطقة الشرقية في سوريا، تلك المنطقة التي ماتزال تشهد توتراً وحالات توغل وهجوم بين الفينة والأخرى. لذا يرجح لأزمة اللجوء الأوكرانية أن تستأثر باهتمام صناع السياسة في واشنطن، في الوقت الذي ينحدر فيه مخيم الركبان بصمت نحو أوغل نقطة من كابوسه الذي يهدد الإنسان.

من المسؤول عن مأساة مخيم الركبان؟

تتقاسم جميع الجهات الفاعلة التي تشمل الولايات المتحدة وروسيا والصين والنظام السوري والأردن المسؤولية القانونية المتمثلة بحماية المدنيين الذين يعانون في مخيم الركبان، إلا أن المحرك الأساسي لحل تلك المعضلة الإنسانية يكمن بيد الولايات المتحدة وليس الأردن، بعدما أبدت كل من روسيا والنظام السوري عدم استعدادهما للتخلي عن مطالبهما بشأن عودة الأهالي أو بخصوص رحيل القوات الأميركية من قاعدة التنف، مع مواصلتهما عرقلة أي برنامج فعال من برامج الأمم المتحدة الإنسانية. وفي هذا الوقت يواصل الأردن مقاومته، بيد أن هذه المقاومة ما هي إلا سلوك مكتسب، عززته تجارب إنسانية عاشها الأردن على مدار خمس سنوات، فضلاً عن فشل المفاوضات، والقيود المفروضة على اهتمام الداعمين بقضية المخيم، وهجرة التمويل التي تركت الأردن يدفع فاتورة باهظة وهو يحاول حل تلك الأزمة العويصة بمفردها.

ومع تعمق الأزمة الأوكرانية، وظهور هزات ارتدادية على مستوى العالم جراء ذلك، تمثلت بارتفاع أسعار النفط والمواد الغذائية، وظهور نقص حاد في السلع الأساسية، يمكن أن يتسبب كل ذلك بظهور حالة ندرة أكبر في الأغذية بسوريا، ولابد أن تنعكس آثار ذلك على مخيم الركبان بشكل خاص، لذا، إن لم تتحرك إدارة بايدن خارج إطار خطابها الأخلاقي، لتشمر عن ساعديها، وتقوم بالجزء الشاق من العمل المتمثل بحماية أهالي مخيم الركبان عبر تقديم المواد الإغاثية العاجلة لهم، عندها لن يتمكن الأردن من القيام بكل ذلك.

  المصدر: معهد الشرق الأوسط