مخيمات سوريا.. أطفال محظوظون وآخرون منبوذون

2022.08.10 | 07:24 دمشق

مخيمات سوريا.. أطفال محظوظون وآخرون منبوذون
+A
حجم الخط
-A

لا يحدث أن يمر يوم لا تكون فيه أخبار منظمة داعش التي سطع نجمها إبان انطلاق ثورات الربيع العربي، خبراً رئيسياً عالمياً وعربياً في الدول التي ذاقت الويلات بسبب وجودها تحت خط النار لكونها هدفاً استراتيجياً وعسكرياً لبسط نفوذهم، فقد كان تنظيم الدولة الإسلامية هو الحجة الرئيسية للقوى العالمية والإقليمية لتبرير التدخل في أدق الشؤون والتفاصيل الخاصة في الدول العربية التي ثار أبناؤها ضد أنظمتها الاستبدادية، وأصبحت الرقعة الجغرافية ما بين العراق وبلاد الشام ساحة حرب عالمية في حين خفت صوت الثورات وخبا بين أصوات الأسلحة الثقيلة والخفيفة وضجيج المعارك الوهمية التي اختلقوها كي يعتموا على حالة التمرد الشعبية القائمة.

في هذا السياق وعلى خلاف كثير من الدول الأوروبية التي أبدت تحفظاً على إعادة المقاتلين الذين يحملون جنسيتها أو أبنائهم وذويهم، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية مؤخراً أن باريس تمكنت من إعادة 35 قاصراً مع 16 من أمهاتهم، كانوا يعيشون في مخيمات مخصصة لاحتجاز الإرهابيين فى سوريا منذ اندحار تنظيم داعش هناك، ولم تكن تلك الخطوة فريدة من نوعها فقد حرصت فرنسا منذ الإعلان عن هزيمة داعش على إعادة ذوي المقاتلين ومحاولة دمجهم في المجتمعات الأوروبية.

ليست المرة الأولى التي تستعيد فيها دول أوروبية وعلى رأسها فرنسا أبناء المتورطين مع داعش من الموجودين في المخيمات على حدود سوريا والعراق من رعاياها، بدعوى رعاية الطفولة

فمن بعد مزاعم أميركا وحلفائها بأنها قضت على وجود الدولة الإسلامية وشتتت جموعها واعتقلت زعماءها، أصبح المواطنون المتضررون من تلك العمليات العسكرية منتشرين في المخيمات المحيطة والمنتشرة على حدود البلاد، فبدأت الدول الأوروبية بالبحث عن رعاياها وأبنائهم حتى غير المسجلين منهم لتأمين عودتهم الآمنة إلى بلادهم الأم، إذ ليست المرة الأولى التي تستعيد فيها دول أوروبية وعلى رأسها فرنسا أبناء المتورطين مع داعش من الموجودين في المخيمات على حدود سوريا والعراق من رعاياها، بدعوى رعاية الطفولة لمنحهم الفرصة للانخراط في مسار إنساني وفق مراحلهم العمرية بعيداً عن حالة الصراع ونتائجها.

كانت خطوة استعادتهم مخالفة للتشدد الفرنسي بخصوص المعتقلين الفرنسيين والتعنت في الإجراءات ضد المقاتلين المحتجزين هناك، إذ أبدت باريس استجابة لنداءات عائلات فرنسية ليونة في تنفيذ مطالبهم بخصوص إعادة بعض الأطفال الذين يحملون جنسيتها في الوقت الذي ترفض حتى الآن عودة المقاتلين الآخرين، تخوفاً من عودة تنامي الأفكار المتطرفة، ودعا محققون تابعون للأمم المتحدة إلى إعادة آلاف الأطفال من أبناء الإرهابيين إلى بلدان ذويهم لكونهم و"على وجه الخصوص" في "وضع خطر" على حد تعبيرهم.

استعادت فرنسا ضمن هذه الخطة في عام 2018 دفعة بلغ عددها 150 طفلاً من غير البالغين، وحرصت بعد وصولهم على تسليمهم إلى دور رعاية الأطفال في محاولة لتحقيق الدعم النفسي لتخفيف آثار ما عايشوه في أثناء وجودهم في الحرب، ومحاولة تحضيرهم للاندماج في المجتمع وإدخالهم في مسارات تعليمية وتسوية أوضاعهم القانونية.

وعلى الرغم من أن المنطقة العربية بنسيجها الاجتماعي وبنيتها التحتية كانت الأكثر تضرراً من وجود داعش وتنفيذ عملياتها العسكرية، إلا أن العالم غض النظر كاملاً عن هذه الحقيقة وأصر على التعامل مع أبناء المنطقة العربية على أنهم مجرمون لا ضحايا، وأنهم متهمون مثلهم تماماً بالتطرف والإجرام وممنوعون من العودة إلى ممارسة حياتهم الطبيعية بشبهات مختلفة، فعاقب أبناءهم وذويهم بالتهمة نفسها إذ يُمنع عنه وعن ذويه التأشيرات السياحية أو الدراسية أو أي فرصة للخروج من تلك البؤرة،   إذا اشتُبِه بقرابة لهم مع أحد المتورطين مع التنظيم.

يتفق المجتمع الدولي حول داعش وماهيتها الإجرامية وأنها تشكل خطراً على السلم العالمي وعلى المجتمعات التي تعد حاضنة لها أو تلك التي تنحدر منها، غير أن تلك الحقيقة يطبقونها بشكل خاص وحصري على العرب المنحدرين من أهل ينتمون إلى المنظمة الإرهابية، لكن ذلك لا يشمل أبناءهم ممن ينتمون إلى رعايا دول أجنبية فهم يتمتعون بحق الحماية وتضع الدول التي يحملون جنسيتها ثقلها لاستعادتهم وتأمين حياة كريمة ومحترمة لهم لوضعهم في مسار طبيعي يستطيعون الحياة والاستمرار فيه، في حين يحرم الأطفال من أقرانهم ممن ينحدورن من أصول عربية أو غيرها من الحقوق نفسها بل ويعدون خطراً على البنية المجتمعية الأوروبية التي تدعي المدنية والإيمان بالحقوق والمساواة والعدل.

المشكلة الحقيقية في ازدواجية المعايير المطبقة بما يخص الأطفال الذين يسكنون المخيمات والذي يستحقون فرص حياة أفضل بغض النظر عن وضع آبائهم القانوني

النقطة الفارقة أن دول حقوق الإنسان تتعامل بازدواجية بالنسبة لحقوق الإنسان وحقوق الطفل على وجه الخصوص، فهي من ناحية تقر بخطورة تنظيم الدولة على بنية المجتمع وترفض وصول من تصنفهم على أنهم خطر على السلم الدولي إلى أراضيها، سواء من أطفال أو نساء حتى وإن كانوا يحاولون الهروب من خطر البقاء في معقل الإرهاب ويبحثون عن شرط حياة أفضل بعيداً عن المعارك المحتدمة، لكنها تتجاهل الخطورة التي قد يشكلها الأطفال المنحدرون من أصول فرنسية بما تشربوه من قيم متطرفة قد تؤثر على قيم المجتمع الذي يسعون إلى حمايته ويدعون أن وجود اللاجئين قد يؤثر على بنيته وتركيبته.

ليست المشكلة في رعاية أوروبا لأطفالها ومحاولة تجنيبهم الخطر الذي يواجهونه والعمل على دعمهم نفسياً إنما تكمن المشكلة الحقيقية في ازدواجية المعايير المطبقة بما يخص الأطفال الذين يسكنون المخيمات والذي يستحقون فرص حياة أفضل بغض النظر عن وضع آبائهم القانوني، فإذا كانت حياة الأطفال في المخيمات في خطر حقيقي وتحتاج إلى النجدة فهي لا تقتصر على حياة الأطفال الأوروبيين فحسب وإنما حياة كل طفل هناك معرضة للخطر وعلى العالم المتحضر ألا يأخذهم بذنب آبائهم.