icon
التغطية الحية

محمد برو: ذاكرة السجين السجنية هي كل الذاكرة التي يحياها

2020.11.07 | 16:51 دمشق

183e6bd1-07c0-44c7-975e-dde57f2296f5.jpg
حاوره: أحمد طلب الناصر- إسطنبول
+A
حجم الخط
-A

بعد أن عرج على بضع تفاصيل من أحداثها المُرجِفة عبر مقالاته الكثيرة؛ يُطلق اليوم محمّد برّو سنوات اعتقاله الثمانية دفعة واحدة في نصّ سردي أدبي واحد أطلق عليه "ناجٍ من المقصلة.. ثمانية أعوام في سجن تدمر"، ليضعه بكل ما يحتويه من خوف وقهر وألم وحزن، وأمل أيضاً، أمام أعين السوريين على مختلف مواقفهم واصطفافاتهم ومداركهم، وأمام من يبحث عن تفسير منطقي لما يحصل في سوريا اليوم على يد عائلة الأسد، من مختلف شعوب وأنظمة العالم.

 

برو.jpg

 

في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، يكشف الكاتب/ الناجي من المقصلة، عن رغبة دفينة تدفعه، في المقام الأول، إلى تصدير فكرة دقيقة للقارئ، فحواها أن "البوح بصوت عالٍ للضحية أو المظلوم ضرباً من سيرورة التماثل للشفاء وهو مسعى وعرٌ وطويلٌ وقلَّما تصل الضحايا إلى منتهاه، فلابد للسجن الطويل مع ذلك الكم الهائل من التعذيب اليومي ولسنوات طويلة أن يترك ندبته العميقة كأخدود أسود في تلافيف الروح، بهذا يكون البوح وسرد الحكايات نوعاً من إعلان التسوية الذاتية وربما إعلان التماثل من عقابيل تلك الأيام".

اقرأ أيضاً: "ناج من المقصلة.. ثمانية أعوام في سجن تدمر" رواية من غاب ومن نجا

في المقام الثاني، تشكّل الرواية بقصصها الأليمة عند برّو "إدانةً بالغةً لا تحتاج لمزيد من التداول وتقليب وجوه الرأي، لهذا النظام الفاسد المأزوم الذي لا يجد حلاً لأزماته إلا بمزيد من القتل والتعذيب بوصفه حاكما بالقهر، الأمر الذي يحتاجه كثيرون من إخوتنا الرماديين أو الذين يبحثون عن أوهى العلل لتبرير خضوعهم وخنوعهم وانحيازهم للجلاد".

وفي مقامٍ ثالثٍ، فإن "هذه الحكايات، التي تشكل شبكة الألم وتربط الشطر الأكبر من العائلات السورية، تشكل بذات الوقت رد اعتبارٍ لآلاف الضحايا الذين نزفت أرواحهم على مذبح الحرية، والذين ما فتئ النظام القاتل يشوه صورتهم ويغذي في النفوس كرها لهم".   

أحداث حفرت في الذاكرة

رغم مرور نحو ثلاثة عقود على نجاته من سجن/ مقصلة تدمر، إلا أن تفاصيل "الحبس" لم تفارق برّو، الذي كلما نظر إلى داخل ذاته وإلى شركاء السجن الطويل الذين نجوا معه يعتقد أن "ذاكرة السجين السجنيّة، تصبح هي كل الذاكرة التي يحياها وكل ما عداها تنويعات على لحنها أو تفريعات لجذرها العميق، أو صداً لتلك الحكايات التي تستغرق الحياة برمتها".

اقرأ أيضاً: الأدب النسوي السوري.. انكفاء الشعر وسيطرة الرواية الوثائقية

ويقارن الكاتب باستمرار بين كل ما يعيشه وبين تفاصيل السجن حتى اللحظة، و"تتصاغر معظم التفاصيل التالية لها، حتى لتخاله كالعاشق المدنف الذي لا يرى في أي امرأة تعبر أمامه إلا صورةً يلحظ بها ذلك الفارق الشاسع بينها وبين محبوبته الساحرة".

لعلها التجربة الإنسانية الأكثر تجذرًا بلا نزاع، بحسب تعبيره.

تفجير السجن خيبة أمل!

قبل خروجه ورفاقه، كانوا يحلمون أن يتحول سجن تدمر بساحاته الدموية يوماً إلى متحفٍ شاهدٍ على فظاعة الإجرام الذي يهيمن على سوريا، و"نحلم أننا سنزوره يوماً ونحن أحرار نحكي لأهلنا وأصحابنا تلك الحكايات الأليمة وقصة رجال سيقوا إلى الموت ظلماً".

شاهد: عبد الرحمن منيف رائد أدب السجون في الرواية

ويعرب برّو عن "خيبة أمل" له وللعديد من أصدقائه حين تلقوا خبر تفجير السجن من قبل "تنظيم الدولة"، لأنه مثّل لهم "قدرة وحرص الجلاد على إخفاء جريمته".

لم أكتب كل شيء.. وهناك فصل آخر لصيدنايا

مئات القصص والتفاصيل غابت أو تم نسيانها خلال إعداد الكاتب لروايته، ولم يعد سبيل لحشرها. إلا أن برّو سيوردها "في بعض تفاصيل الكتاب القادم والذي سيتحدث عن مرحلة سجن صيدنايا "1988-1993" وما بعدها"،

اقرأ أيضاً: هل لعبت الرواية السورية دوراً في الثورة؟

ويصعب على الكاتب تحديد الوقت الذي استغرقه لكتابة "مذكراته" لأنه وبكل بساطة لم يتوقف عن سرد فصولها في أي يوم "خلال سبع وعشرين سنة مضت، فلا يكاد يمر يوم إلّا وأذكر شاهدًا من قصص تلك الأيام الصعبة".

ويروي برّو كيف عكف في شهر شباط المنصرم، على قراءة مذكرات السجين الإيراني "بهروز قمري" التي عنونها بـ "قافلة الإعدام"، وتحدث فيها عن ثلاث سنوات أمضاها في سجون "آيات الله" في إيران، فيقول: "مع كل ما فيها من ألم ومعاناة وحفلات إعدام، إلا أنها لا تعدو إذا ما قيست بسجن تدمر وفروع الأمن السوري عن حفلة لهوٍ صاخبة أو لعب أطفال".

شاهد: أدب السجون في الرواية والقصص المعاصرة

فكانت مذكرات "قمري" محفّزاً رئيساً كي يتمّ برّو سرد حَكاياه: "استفزتني المذكرات فشرعت وبغضب في إسالة ذاكرتي، وبشكل سريع على صفحات هذا الكتاب، وكان لصديقي حسن فضل في تلقي كل فصل فور إتمامه وإجراء ما يلزمه من تدقيق، الأمر الذي ساهم بقدر كبير في استمراري بالكتابة اليومية وأنهيته في أربعة أشهر على وجه التقريب، فقد كنت أغرف من ذاكرتي الحاضرة دائماً".

لم نرغب يوماً بالانتقام

خلال آلاف اللقاءات التي ما تزال تجري بين الكاتب ورفاقه الناجين من سجون النظام، يعلن برّو أنه لم يقف على "رغبةٍ واحدة لمعتقل سابق بالانتقام وأرجّح أن العلة تكمن في مستوى عالٍ من النضج عند من خرجوا من أقبية التعذيب تجعلهم يتفقون على أن الانتقام لا يرد مظلمة ولا يشفي جراح ولا يعيد أيامًا سلبت من حياتنا ربما تكون هي الأغلى".

ويستدرك: "لكن هناك ظمأ كبير للعدالة بأي شكلٍ من أشكالها، وكما كتب علي عزت بيكوفيتش في سجنه /لا يوجد حقد إنما هناك إحساس بالمرارة/".

سيرة

محمد برّو، كاتب وناشط سوري ومعتقل سابق في سجني تدمر وصيدنايا، ويدير حالياً مركز صدى لاستطلاع الرأي، له كثير من المقالات والدراسات والأبحاث المنشورة في الصحف والدوريات والمواقع الإلكترونية.

 اعتقل في الـ 17 من عمره، في شهر أيار 1980، بتهمة الانتماء إلى "الطليعة العسكرية" في جماعة "الإخوان المسلمين"، ونجا من حكم الإعدام لعدم بلوغه السن القانونية حينذاك، فحكم عشر سنوات، امتدت إلى 13 سنة، قضاها بين سجني تدمر وصيدنايا، وكان شاهدًا على أكثر الانتهاكات الوحشية لنظام حافظ الأسد داخل السجن.