محددات التصعيد على الساحة السورية

2022.03.22 | 05:29 دمشق

rwt_vsd_hgf.jpg
+A
حجم الخط
-A

من المؤكد أن روسيا التي تقود غزواً في أوكرانيا وتواجه صعوبات في عملية احتلالها المستمرة منذ أيام، في ظل مقاومة شرسة من قبل أوكرانيا ودفاع مستميت مدعوم غربيا، ستدفع بها للتصعيد على الجبهات الأخرى كجبهة سوريا في حال اختلطت الأوراق بشكل أكبر، ويتوقع جميع المراقبين أن تكون هناك ردود من قبل روسيا على الساحة السورية كما في ساحات أخرى، خاصة أن روسيا لا يعهد لها سياسة أخلاقية في تحويل المدنيين لأهداف عسكرية لمجرد الانتقام وحسب وممارسة الضغوط السياسية على الخصوم والدول الأخرى.

ومع حالة الجمود المستمرة والجارية في الملف السوري من جراء التطورات والمتغيرات الدولية المختلفة، من بينها الأزمات الاقتصادية وتحديات العودة للحياة الطبيعية إضافة للحرب في أوكرانيا، وفي ظل غياب الرؤية والإرادة الأميركية والغربية للوصول إلى حل سياسي في سوريا عبر فرض التوازنات المناسبة، فإن الأنظار ستبقى موجهة إلى الساحة السورية التي قد تشهد تصعيدا أو تطورا بشكل ما، وهو ما يخضع لتطورات الحرب في أوكرانيا، والمواقف الدولية والغربية منها، ومواقف الدول المعنية بالملف السوري، وأيضا تطورات مفاوضات الملف النووي الإيراني، ولكن المحدد الأساس الذي سيدفع إلى هذا التصعيد، هو حجم الخسائر المؤلمة التي قد تتلقاها روسيا في أوكرانيا، ويبدو أن الخسائر التي حددتها القيادة الروسية ما تزال حتى الآن ضمن الحدود المقبولة. ولكن من الواضح أيضا بنفس الوقت أن الرياح لا تسير كما تشتهي سفن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من بطء في التقدم، وحجم الخسائر الكبيرة التي تلقتها على الساحة الروسية، وتدمير عدد كبير من الآليات العسكرية والطائرات.

ويُظهر التوجه العام أن أميركا وأوروبا هما من حرضتا على الحرب بين روسيا وأوكرانيا من خلال التصعيد بالتصريحات والدفع بالحماس لأوكرانيا بالمواجهة وتركها وحيدة، ما دفع الروس للتقدم أكثر وهو ما يرى على أنه جر روسيا إلى مستنقع كبير وحرب استنزاف طويلة سينال منها على مدى أشهر وربما سنوات، وهو ما يجعل روسيا أيضاً تستعجل بنفس الوقت الوصول إلى توافقات مع أوكرانيا والحصول على ما تريده في طاولة الحوار لوقف إطلاق النار، وعودة القوات مجددا إلى ثكناتها.

المحدد الأساس لعملية التصعيد على الساحة السورية في حال حصولها، هو عدم تحقيق روسيا لما تريد سياسيا وعسكريا وتكبدها خسائر فادحة في أوكرانيا

 وفي حال فشلت المفاوضات ودفعت أميركا وأوروبا بمساعدات عسكرية نوعية لأوكرانيا لاستخدامها ضد روسيا وتكبيدها خسائر كبيرة، فإن هذا سينعكس في رد فعل روسي كبير على مختلف الجبهات المشتركة، وقد يكون في ليبيا أو سوريا أو أي مكان آخر، وما يهمنا هنا الساحة السورية التي قد تشهد بحسب التطورات في أوكرانيا تصعيدا عسكريا قد يستهدف المدنيين وقوى المعارضة.

إذا فالمحدد الأساس لعملية التصعيد على الساحة السورية في حال حصولها، هو عدم تحقيق روسيا لما تريد سياسيا وعسكريا وتكبدها خسائر فادحة، ولربما هذا ما دفع الجانب التركي مؤخرا إلى أن ينقل خشيته من انزلاق الوضع في سوريا إلى الجانب الأميركي وطلبه الدعم الدبلوماسي وموقفا قويا على الساحة السورية، لأن أنقرة تعتقد أن التطورات في أوكرانيا قد تؤدي إلى لجوء روسيا لردود فعل انتقامية على الساحة السورية، وهو ما دفعها لنقل مخاوفها إلى الجانب الأميركي، فيما طالب الأخير نظيره التركي بموافاته بأي معلومات أو معطيات ميدانية تشير إلى إمكانية بدء التصعيد على الساحة السورية، وإن كانت هناك أي حشودات عسكرية ميدانية أو تحركات للطائرات الحربية الروسية في المنطقة، وطالب الجانب التركي دعما من واشنطن على صعيد أن يشكل موقفها عامل توازن على الساحة السورية.

هذه المخاوف التركية من التصعيد الميداني واستهداف المدنيين ولعب روسيا المعتاد على ورقة النازحين، ربما تكون سبب التحركات العسكرية التركية الحاصلة مؤخرا في إدلب بحسب ما نقلت تقارير إعلامية، على الرغم من أن تركيا تحاول التوازن في علاقتها ومواقفها من الحرب الروسية الأوكرانية وتقود جهودا لوقف إطلاق النار، كما أنها تدفع باتجاه دعم مسار اللجنة الدستورية التي انطلقت الإثنين عبر حث المعارضة على الانخراط بها، وبالتالي فإن تركيا تحاول امتصاص ردود الفعل من أجل استمرار الهدوء على الساحة السورية وعلى بقية الجبهات وفي مختلف الملفات الأخرى، ومن هنا ربما يكون ملف اللجنة الدستورية واجتماعات الجولة السابعة محددا لمسار التصعيد الميداني في سوريا.

الجولة الجديدة للجنة الدستورية تعقد بعد انطلاق الحرب على أوكرانيا، وعلى عكس ما كان متوقعا أن يكون انعقاد أي اجتماع فيما يتعلق بسوريا مؤجلا لمرحلة طويلة بسبب الاضطرابات الروسية مع الغرب، إلا أن تحديد الجولة كان قد تبين أو تبلور قبل بدء الغزو الروسي، وهي محاولة أيضا من موسكو للأداء السياسي وتوجيه الأنظار إلى هذه المفاوضات ومحاولة إنجاز شيء ما فيه تقدمه على شكل إنجاز على الصعيد الدولي، ولكن رغم التوافق على عقد الجولة وموافقة النظام على تضمين ملاحظات الأطراف السورية الأخرى وخاصة المعارضة، للملاحظات المقدمة على مبادئه، وتحديد جولتين إضافيتين للجنة الدستورية في الأشهر المقبلة، لكن تبقى هذه الجهود مجرد ذر الرماد في العيون وقد تضطرب بآخر يوم، ومعروف عن النظام مراوغته في المفاوضات بتعليمات تصله من إيران وروسيا.

كما أن محاولات التشويش على الجولة الدستورية والتصعيد على الساحة السورية فيه محدد آخر يتعلق بإيران التي ترى من مصلحتها خلط الأوراق مع تعثرات ترافق مفاوضات الملف النووي، حيث إن المفاوضات علقت وعقب ذلك قصفت إيران أربيل ووجهت رسائل للغرب وأميركا، وهي مستعدة لتوجيه مزيد من الرسائل المماثلة على الساحة السورية، وربما تشهد الساحة السورية خلال الأيام المقبلة تصعيدا من قبل إيران عبر أطراف أخرى، تؤدي إلى جر روسيا إلى التصعيد من جهة، وضرب اجتماعات الجولة السابعة للدستورية من جهة ثانية، وتوجه رسائلها للغرب وأميركا من جهة ثالثة، وهذا ما يشير إلى أن الحرب في أوكرانيا ليست المحدد الوحيد حتى وإن طلبت روسيا من إيران التوقف عن التحركات الاستفزازية إلا أن إيران مستعدة لممارسة هذا الاستفزاز لتحقيق مصالحها، مستغلة الانشغال الروسي والدولي في أوكرانيا.

إذا من الخطأ فقط الحديث على أن الحرب الروسية في أوكرانيا هي العامل المحدد الوحيد لأي تصعيد قد يحصل على الساحة السورية، بل إيران أيضا لها كل المصلحة في ذلك، وبالأساس إيران ضد أي توافقات تحصل بين القوى الفاعلة في سوريا، وتطالب منذ مدة طويلة بانعقاد قمة زعماء الدول الضامنة لمسار أستانا في طهران، عبر استضافة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، ولكن حتى الآن لم تنضج ظروف هذه القمة، لغياب أجندة حقيقية لها، ولغياب أي توافقات يمكن أن تحسب لهذا المسار، خاصة أن الجولة الأخيرة لمسار أستانا السابعة عشرة، كانت فاشلة ولم تحقق أي تقدم، ولا أفق حاليا لانعقاد جولة جديدة لهذا المسار، بسبب المتغيرات الدولية.

ولهذا يمكن القول في خلاصة الكلام، إن الملف السياسي السوري يعاني من جمود كبير بسبب أجندات الدول المعنية المختلفة، والمتغيرات الدولية والحرب الروسية الأوكرانية وتوقف البرنامج النووي الإيراني، وعلى الصعيد السياسي تبقى فرص التصعيد قائمة وهناك أكثر من مصلحة للدول الفاعلة، وبالدرجة الأولى إيران وبالدرجة الثانية روسيا، وستكشف الأيام المقبلة حقيقة الأوضاع بشكل أكبر.