icon
التغطية الحية

مجلة أميركية: مجاعة سوريا سببها الأسد

2020.12.04 | 06:41 دمشق

gettyimages-1098103046.jpg
فورين بوليسي- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

هرب أيمن البالغ من العمر 30 عاماً من دمشق في سوريا، فوصل إلى بيروت مع بداية الحرب السورية، وخلال العام الماضي، انهار الاقتصاد اللبناني مما صعب عليه أمر إيجاد عمل، كما أن النزاع في بلده بدا له آخذاً بالانحسار، ولهذا اتصل بعدد من أصدقائه الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها النظام، ليستفسر منهم عن فكرة العودة للوطن وهل الوقت قد حان للقيام بذلك أم لا، فأوضح له الجميع الأمور بشكل لا لبس فيه: "لقد قالوا: ابق حيث أنت، إذ لا يوجد هنا ما يكفي لنأكل" هذا ما أخبرنا به أيمن نقلاً عن أصدقائه، واشترط علينا ألا نذكر اسمه الحقيقي لاعتبارات أمنية.

خلال الحرب التي عصفت بالبلاد طيلة تسع سنوات، دُمر قسم كبير من البنية التحتية في سوريا بسبب القصف العشوائي للنظام وللروس، بالإضافة للقتال الدائر على الجبهات. أما عمليات إنتاج الأغذية وتوليد الطاقة وغيرها من الصناعات فقد تراجعت إلى حد بعيد.

وهكذا تعثر الاقتصاد السوري المرتبط بالاقتصاد اللبناني لفترة من الزمن. ولكن في مطلع هذا العام، تفككت السياسة النقدية في لبنان ففُرضت قيود على رؤوس الأموال لتجنب إفلاس المصارف ونفاد المال منها، وبذلك تم حجز مليارات الدولارات التي أودعت باسم رجال أعمال سوريين.

اقرأ أيضا: الخبز فاسد ومعجون بالحشرات في مدينة حماة والمعتمدون يحتكرونه

وهذا ما دفع بشار الأسد للادعاء بأن المصارف اللبنانية تحتجز ما لا يقل عن 20 مليار دولار تعود لمصادر سورية، والتي يمكن في حال الوصول إليها أن تحل الأزمة الاقتصادية في سوريا على الفور. بيد أن العملة في الجارة لبنان هبطت بالتزامن من الارتفاع الصاروخي لأسعار السلع الأساسية، كما ارتفعت الأسعار في سوريا بنسبة تجاوزت 200%، وتماماً كما أصبحت الحياة أصعب بالنسبة للبنانيين، صارت أصعب بكثير بالنسبة للسوريين الذين دمرتهم الحرب.

إن صور مئات السوريين الذين يصطفون في طوابير أمام المخابز للحصول على الخبز الذي تدعمه الدولة، وصور سياراتهم المركونة لساعات بالقرب من محطات الوقود أغرقت وسائل التواصل الاجتماعي، إذ أصبح الأهالي يشتكون من أسوأ أزمة أغذية ووقود تعرضت لها البلاد، ولهذا يقول أحد أصدقاء أيمن وهو شاب يعيش في دمشق: "إن فترات انقطاع الكهرباء تجعل من فكرة العمل في مشروع تجاري شبه مستحيلة. كما أن أسعار الوقود الذي يستخدم لتشغيل المولدات مرتفعة للغاية".

اقرأ أيضا: قيصر.. 8 أشخاص و 9 كيانات جديدة تضاف لقائمة العقوبات

وبحسب ما أورده برنامج الغذاء العالمي، فإن 9.3 مليون سوري لا يعرفون كيف سيحصلون وجبتهم التالية، وهذا العدد يمثل زيادة تعادل 1.4 مليون نسمة خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام. كما أن المنطقة الشرقية في سوريا، التي تعتبر سلة قمح سوريا، قد أصبحت تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية الموالية للولايات المتحدة الأميركية، والتي من المفترض أن تدخل في اتفاق مع النظام بالنسبة لتوريد الحبوب.

وبذلك تحولت سوريا التي كانت تصدر القمح فيما مضى إلى دولة تعتمد على ما تورده لها روسيا من القمح، ولكن حتى تلك الكمية التي توردها روسيا من المساعدات لم تسد النقص عندما قامت موسكو بتقليص مبيعات الطحين للخارج لتحافظ على احتياطيها في الداخل خلال هذا الوقت العصيب من تفشي جائحة فيروس كورونا. ثم إن العقوبات الأميركية على النفط والغاز تستهدف فقط النفط الخام الإيراني الذي يصل إلى سوريا، لذا فإن غياب ذلك المصدر الأساسي كان له تبعاته وآثاره على قطاعي الزراعة والطاقة، كما أثر ذلك على المشاريع التجارية المحلية.

80 %من السوريين تحت خط الفقر

وبذلك أصبح أكثر من 80% من السوريين الآن يعيشون تحت خط الفقر، كما أن السعي الحثيث لتلبية الاحتياجات الأساسية بما هو متوفر من مال رافقه ارتفاع في نسبة الجرائم. حيث أصبحت العصابات تهرب البضائع والأسلحة والمخدرات بالإضافة إلى اختطاف الناس طلباً للفدية، وقد تفشت تلك الظاهرة في أنحاء مختلفة من تلك البلاد.

وفي الوقت الذي يتم ربط كل ذلك بالفساد وسوء الإدارة المستشريان منذ عقود، بالإضافة إلى السحق الوحشي الذي تتعرض له المناطق التي يسيطر عليها الثوار، يرى بعض المنتقدين بأن تلك الأزمات أتت نتيجة للعقوبات الأميركية التي استهدفت قطاعات معينة.

وعليه تم عقد مقارنة مثيرة للقلق تقوم على السؤال التالي: هل كانت هذه العقوبات قاسية ومدمرة لسوريا كتلك العقوبات التي فرضت على العراق قبل عقدين من الزمان؟ وتأتي الأرقام لتثير كثيرا من الجدل هنا، ولكن بحسب ما ورد في إحدى الدراسات فإن أكثر من نصف مليون طفل ماتوا في العراق جراء العقوبات الأميركية، وبالرغم من ذلك بقي صدام حسين ديكتاتوراً كما هو ديدنه، ثم أزيح من منصبه بعد سنوات من المعاناة المريرة، وذلك عندما نفذت الولايات المتحدة هجوماً عسكرياً ضده.

اقرأ أيضا: الخبز يغيب عن درعا لليوم السادس على التوالي

وهكذا فإن الهدف المرجو من العقوبات التي فرضت خلال هذه السنة، وهي عقوبات قيصر التي سميت باسم المنشق عن الشرطة العسكرية الذي هرب من سوريا حاملاً معه أدلة حول مقتل آلاف السوريين في سجون الدولة، هو إجبار النظام على تغيير سلوكه تجاه شعبه، وتحويله من نظام مجرم إلى نظام ملائم لهذا الزمن بشكل أكبر، أي أن الهدف منها يشبه الهدف من العقوبات الأميركية التي فرضت على العراق. وقد تحدث دبلوماسيون غربيون رفيعو المستوى لفورين بوليسي في عدة مناسبات حول العقوبات وذكروا بأنها آخر نفوذ يمكن أن يمارسه الغرب للضغط على الأسد حتى يقوم بإطلاق المعتقلين السياسيين وضمان العودة الآمنة للاجئين، والموافقة على قيام مصالحة سياسية، والتي في حال قامت حقاً، فإنها تعني رحيله عن السلطة في نهاية المطاف. وقد أصر هؤلاء على أن دفع الأموال لسوريا حتى تقوم بعملية إعادة الإعمار ويشمل ذلك البنية التحتية مثل معامل الطاقة ونظم الري والتي تعتبر ضرورية من أجل الأمن الغذائي في البلاد ولجعل الحياة اليومية تسير بشكلها الطبيعي في سوريا، كل ذلك سيزيد من قمع النظام. ولهذا أعرب هؤلاء الدبلوماسيون عن عدم رغبتهم بالسماح للأسد بتحقيق النجاح في هذا المضمار، ما لم يقم على الأقل بتقديم تنازلات كبيرة. والأهم من ذلك هو قلق الغرب حيال إمكانية قيام الأسد بسحب تلك الأموال لحسابه بكل بساطة، كما سبق أن فعل بقسم كبير من المساعدات الإنسانية التي أرسلت للمنكوبين بسبب الحرب.

"عقوبة للشعب السوري فقط"

فيما يرى آخرون بأن العقوبات لا يمكنها أن تصلح ديكتاتوراً أفسده الزمن، ولهذا فهي عقوبة للشعب السوري فقط، إذ يرى هؤلاء أن الشعب السوري -كما سبق  أن حدث للشعب العراقي- بات يتحمل تبعات تلك العقوبات، في الوقت الذي لا يعاني فيه الأسد وحاشيته من أي نقص في الغذاء أو الوقود، ويؤكد هؤلاء على أنه من السذاجة أن تتوقع الولايات المتحدة من الأسد محاسبة مجرمي الحرب، إذ لا يمكننا أن نتوقع منه أن يدين نفسه بنفسه. وبناء على هذا المنطق يتعين على الولايات المتحدة أن تغير مسار سياسة الضغوطات القصوى وأن تتخلى عن العقوبات تدريجياً إلى أن تصبح على استعداد لتقديم مقابل عند الاستجابة للمطالب الأكثر براغماتية وعملية.

اقرأ أيضا: القضاء الألماني يستخدم "صور قيصر" كأدلة في محاكمة "كوبلنز"

وترى بينتي شيلار وهي رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى مؤسسة هينريتش بول بأنه كان هنالك عدم اتفاق حول العقوبات الموجهة ضد حاشية الأسد والمقربين منه، إلا أن العقوبات الأميركية التي استهدفت قطاعات بعينها أثرت سلباً على الناس العاديين، إذ تقول: "تقوم العقوبات الأميركية على منطق: (الضغوطات القصوى)، ولهذا شملت عقوبات استهدفت قطاعات معينة، ثم قامت في المرحلة الثانية فقط بتصنيف أفراد ضمن قائمة العقوبات. في حين أن العقوبات الأوروبية استهدفت هؤلاء ضمن نطاق أوسع، فقد شملت منع السفر الذي فرض على مسؤولين في النظام وتابعيهم بناء على دورهم في انتهاكات حقوق الإنسان. وهنالك العقوبات التي تستهدف قطاعات معينة كتلك التي استهدفت القطاع المصرفي السوري للحد من قدرة النظام على شراء السلع من الخارج، مع إعفاء السلع الإنسانية والطبية بشكل كامل، غير أن المجتمع المدني السوري أشار إلى أن المبالغة في الالتزام بتلك العقوبات قد أضرت بهم".

فيما يرى الباحث آرون لوند وهو مختص بالشأن السوري لدى وكالة أبحاث الدفاع السويدية بأن كلاً من العقوبات الأميركية والأوروبية تحمل بين طياتها إعفاءات للأنشطة الإنسانية وللتجارة المدنية المشروعة. غير أن المشاريع التجارية أصبحت ميالة للخوف من التعامل مع دولة تخضع لعقوبات، ويعود ذلك فقط لصعوبة فهم القواعد ولعدم رغبتهم بالمخاطرة بأي شيء، وحول ذلك يعلق بالقول: "إن الشركات تتجنب حتى التجارة المسموح بها، وذلك لتبقى بكل بساطة بعيدة عن أي مخاطر أو مشكلات قانونية. وعندما تقرر المصارف الأجنبية وشركات الشحن أن البحث في نظام العقوبات لا يستحق منها أي عناء، فإن ذلك يصعب عملية الاستيراد ويجعله مكلفاً للغاية بالنسبة لكل المجالات".

زهراء الدولارات في العراق

زهراء مطر امرأة تبلغ من العمر 55 عاماً، وقد أطلق عليها الاسم الحركي: زهراء الدولارات في العراق، لأنها كانت تهرب الدولار إلى داخل البلاد وذلك في ذورة الفترة التي فرضت فيها العقوبات على صدام، وهي اليوم تتذكر تلك الأوقات العصيبة فتقول: "صار الأطفال يموتون بسبب نقص الأدوية واللوازم الطبية في المشافي خلال سنوات العقوبات. كما أخذ الناس يبيعون مملتكاتهم مثل الأثاث والأدوات المعدنية، وأي شيء يمكنهم بيعه فقط حتى يتمكنوا من العيش والبقاء".

أما في سوريا، فقد بدأ حتى السوريون المناهضون للنظام يقولون بأن العقوبات التي استهدفت قطاع النفط والغاز والإنشاءات أضرت بالشعب أكثر من النظام، ففي مدينة القنيطرة الواقعة جنوب سوريا، يخبرنا أبو مشعل وهو أب لثلاثة أولاد في التاسعة والعشرين من عمره أنه بالكاد يتحمل أسعار وقود التدفئة، ولهذا حتى يؤمن الدفء لأسرته خلال هذا الشتاء قام بحرق النفايات والبلاستيك والروث، ويعلق على ذلك بالقول: "إن العقوبات جعلت أسعار السلع أغلى بالنسبة لعامة السوريين، ولا أعتقد أن المسؤولين في النظام السوري أو عائلاتهم يأوون إلى فراشهم وهم يحسون بالجوع أو البرد. كما أرى بأن النظام والمافيا المرتبطة به قد استفادوا من العقوبات واستغلوها كمبرر لرفع الأسعار واستغلال الفقراء أكثر فأكثر".

اقرأ أيضا: بالأسماء.. عقوبات واشنطن تستهدف شبكة إنتاج النفط في سوريا

وبما أن الولايات المتحدة قد اصطدمت بالأسد العنيد صعب المراس، لذا فقد أصبحت تواجه معضلة مستحيلة، إذ بما أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لم يكرر حرباً على النمط العراقي يمكنها أن تطيح بالأسد، ثم تجعل الولايات المتحدة تلتزم بدولة أخرى خلال المستقبل المنظور، لذلك فقد بقيت المشكلة السورية بلا حل بالرغم من كل هذا. إذ بعد مرور تسع سنوات، يواجه نائب الرئيس أوباما، وهو الرئيس المنتخب جو بايدن تحدياً من نوع مختلف وهو كيف يمكن منع المجاعة في سوريا ومساعدة الناس على العودة لحياتهم الطبيعية دون أن يستفيد الأسد من كل ذلك؟ إن الإحساس بالذنب الذي يبديه زملاؤه السابقون في إدارة أوباما الذين رأوا الحرب السورية وهي تتحول إلى فوضى، لا بد أن يدفعه للاهتمام بشكل أكبر بهذه القضية، ولكن لا أحد يعرف إلى أي مدى سيقدم الرئيس الأميركي المقبل هذه القضية على سائر أولوياته، لأن تلك مسألة أخرى.  

المصدر: فورين بوليسي