متى ينتهي احتفال النظام السوري بالكارثة؟!

2023.03.03 | 05:46 دمشق

متى ينتهي احتفال النظام السوري بالكارثة؟!
+A
حجم الخط
-A

رغم أنها تعبير صارخ عن الجدب الأخلاقي، إلا أنه تبين فيما بعد أن ابتسامات رأس النظام السوري من فوق ركام المباني التي دمرها الزلزال لم تكن سوى تعبير عفوي عن السعادة بفرصة النجاة التي ساقها إليه اعتباط الطبيعة كما يعتقد، أو كما يظن، فالكثير من الآراء والأفكار - أحيانا - تتنكر على أنها حقيقة. وفيما يبدو وكأنه اعتباط سياسي؛ تتحول دمشق إلى قبلة لأفواج من المطبعين، لتتحول الكارثة التي بطشت بالشعب السوري إلى ما يشبه العرس الوطني، في مشهد يوحي بأن أحلام النظام السوري وآماله باتت واقعا ملموسا.

كعادته؛ استقبل النظام السوري ذلك الحراك السياسي بأهازيج النصر معتبرا أن كل ما يعرض من مبادرات وتسويات ليس أكثر من تهافت لجماعات من المبايعين للقائد المنتصر، بل هو رضوخ واعتراف بالهزيمة. في المقابل، يفسر المطبّعون سلوكهم - المستهجن من قبل السوريين – تحت مسمى: "الغاية تبرر الوسيلة"؛ بمعنى إن هذا الفعل الخاطئ يهدف للوصول إلى نتائج جيدة للسوريين، منها: إخراج إيران من سوريا، والحفاظ على وحدة البلد، ووضع حد لمعاناة السوريين جميعهم: نازحين ومهجرين ومقيمين. فما قصة ما يجري؟

الكارثة التي أحدثها الزلزال كانت مناسبة لكي تختلط أصوات المطبعين بأصوات المتعاطفين مع الشعب السوري

يقول "هنريش هوفمان": "الحجر ثقيل، والرمل باهظ، وسفاهة السفيه أثقل منهما". ومن هنا تبدأ القصة، فالنظام السوري بسفاهته وساديته المفرطتين أثخن الجسم السوري جراحا وجلس يتلذذ بصراخ الضحية وإنتان الجراح وتقيحها؛ مصدرا إلى الجوار وما بعد الجوار كل ما هو مزعج ومقلق ولسان حاله يقول: إما أن تفكوا عزلتي أو تنتظروا المزيد. وفي ظل اقتراب بعض الدول من تجاوز عتبة التحمل، وخاصة دول الجوار التي تستقبل أعدادا كبيرة من اللاجئين وكميات كبيرة من "الكبتاغون" بدأ الحراك باتجاه التطبيع مبكرا قبل الزلزال تقوده بعض الجهات الصديقة للنظام وبعض الجهات التي بدأت تستشعر الخطر، لكن الكارثة التي أحدثها الزلزال كانت مناسبة لكي تختلط أصوات المطبعين بأصوات المتعاطفين مع الشعب السوري واختلط الحابل بالنابل، وهي البيئة المناسبة ليستثمر النظام السوري مهاراته في التطبيل والتضليل.

لا شك أن النظام السوري – من خلال سلوكه غير المسؤول – استطاع أن يضيف إلى العدد المحدود من أصدقائه الأوفياء عددا آخر من الدول التي أصبحت في عداد الدول غير المعترضة على فكرة التطبيع، ويُعتقد أن هذه الدول فقدت صبرها على تحمل تبعات بقاء الملف السوري معلقا بقرار أميركي، فأميركا التي وصلت إلى مرحلة اليأس التام من فكرة إسقاط الأنظمة الاستبدادية بعد التجارب الفاشلة في كل من العراق وليبيا؛ لم تصل إلى استراتيجية واضحة للتعامل مع النظام السوري، رغم أنها أعلنت في غير مرة أنها تريد انتقالا للسلطة يحافظ على مؤسسات الدولة، وهي تتبع سياسات بهذا الصدد تتسم بطول النفس، وهو ما لم تعد الكثير من الدول تحتمله. من هنا، قد يكون للحراك التطبيعي الذي تقوده هذه الدول (الفاقدة للصبر) أحد أثرين: فإما أن تخلق بيئة ضاغطة على الولايات المتحدة من أجل القبول بتعويم النظام السوري، وإما أن تخلق بيئة ضاغطة للإسراع في حل القضية السورية وهو المرجح.

ما هو مرجح أيضا، أن أوهام بعض الأنظمة العربية الساعية إلى التطبيع سوف تتبخر في القريب العاجل، فبعض الأنظمة العربية التي تحاول إقناع البقية بأن إعادة تعويم النظام هو الحل الأمثل، تدعي بأن لديها المقدرة على انتزاع بعض التنازلات من النظام السوري؛ ستكتشف بعد وقت ليس بالطويل أن النظام السوري ليس لديه الاستعداد عن التنازل حتى عن فكرة تصوير ما يحصل على أنه نصر، وأن لديه مجالاً واحداً لتوقيع الاتفاقيات مع خصومه هو اتفاقيات الإذعان. والأهم أن هؤلاء سوف يصبحون على يقين بأن منظومة البنية والسلوك لدى النظام السوري هي استراتيجية تتسم بالاتساق، وأنها لديه بمنزلة إكسير الحياة.

الطرح الآخر الذي يروجه دعاة التطبيع، هو إخراج إيران من سوريا أو تحجيم نفوذها، وهو طرح يبدو مثيرا للضحك، فالسوريون يعتقدون أن من لا يعلم أن النظام السوري لا يمتلك المقدرة على إخراج إيران من سوريا، هو إما شخص ساذج، أو أنه شخص مصاب بالاضطراب الوهامي، ففي معادلة القوى على أرض الواقع أو معادلة من يستطيع إخراج من؛ تعد إيران الدولة الوحيدة القادرة على إخراج النظام السوري من سوريا، بينما يفتقد النظام السوري – في المدى المنظور – أية مقدرة على اتخاذ قرار بإخراج إيران أو تحجيم نفوذها.

ما الذي يستطيع النظام السوري أن يقدمه وهو الذي يحتاج لعشرات العكازات الاقتصادية والقانونية والسلطوية لكي يتمكن من الوقوف؟!

بمنظور آخر، يعلم المطبعون أن النظام السوري لن يقدم أي تنازل، وهم يحاولون ارتداء ثوب الفضيلة لتبرير فعل مشين، وهم يتقربون من النظام إتقاءً لشره. وبالتالي، فالنظام السوري يتقدم في مجال فك عزلته خطوة خطوة، وليس خطوة بخطوة، وهو يقترب رويدا رويدا من إجبار العالم على الرضوخ لمشيئته، فيوم بعد يوم يزداد عدد المؤمنين بأن اجتراح الحلول للمعضلة السورية لا بد أن يمر عبر بوابة النظام. ولكن، رغم ذلك؛ يبقى السؤال الأهم: ما الذي يستطيع النظام السوري أن يقدمه وهو الذي يحتاج لعشرات العكازات الاقتصادية والقانونية والسلطوية لكي يتمكن من الوقوف؟! فهو لن يستطيع تلبية الحد الأدنى من طموح بعض المطبعين بإتقاء الشر القادم من المناطق التي يقال إنها تحت سيطرته.

مهما كانت تفضيلاتها ونوازعها؛ ستنقلب أغلب الحكومات الداعية إلى التطبيع مع النظام السوري إلى حكومات تمارس وابلا من الضغوط على الإدارة الأميركية للإسراع بإغلاق الملف السوري، لأنها لم تعد تحتمل حماقاته من ناحية، ولأنها أصبحت على يقين بأن النظام السوري لا دواء له سوى الاجتثاث من ناحية أخرى. لذلك، أغلب الظن أن موعد انقلاب أفراح الزلزال إلى أتراح بات قريبا جدا.