متى ينتهون من ابتزاز العالم بـ "شماعة داعش"..؟!

2021.04.07 | 06:33 دمشق

6060d3d34c59b70eca31fa45.jpg
+A
حجم الخط
-A

حملات الاعتقال التي تقوم بها وحدات حماية الشعب في قوات سوريا الديمقراطية، وتطول النازحين في المخيمات، وسكان بعض القرى والبلدات، التي تتظاهر ضد ممارسات "قسد" العنصرية تجاه المكون العربي، وضد الفساد الذي تقترفه أذرعها الأمنية والمدنية، تطرح تساؤلات كثيرة عن الدوافع الحقيقية، التي تقف خلف هذه الحملات، بعيداً عن "البروباغندة" الإعلامية التي ترافقها، معلنة عن نجاحات، وعن اعتقال "دواعش"، والاستيلاء على مخازن أسلحة.

يعرف العارفون  بطبيعة شعبنا السوري في المناطق التي تحتلها "قسد"، في الرقة ودير الزور والحسكة، أن سكان هذه المناطق، يتسمون بتسامحهم، وهم أبعد الناس عن تبني الفكر التكفيري الداعشي، وأنهم لا يتعاملون مع الآخر على أساس انتمائه الإثني، أو الديني، أو الطائفي، بل إن تاريخهم يحكي عن صفحات مشرقة في حماية الأقليات، التي وفدت إلى المنطقة، طالبة الحماية، وليس أدل على ذلك من احتضانهم للأرمن، الذين دخلوا هذه المناطق في بدايات القرن الفائت، ومثلهم بعض "الأكراد"، وكلاهما - الأرمن والأكراد - وجدوا الأمان الذي يبحثون عنه، وعاشوا دون أن يشعروا بأي تمييز، وتوفرت لهم فرص العمل، التي كفلت لهم اندماجهم في مجتمعات المنطقة العربية، والمساهمة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

حولت هذه الأطراف المتصارعة، فكرة "محاربة هذا التنظيم الاجرامي" إلى "شماعة"، لخدمة أجنداتها السياسية

ومعروف أيضاً، أن وجود تنظيم "داعش" كان وجوداً استثنائياً، وأن من بقي منتمياً إلى التنظيم من أبناء تلك المناطق - بعد خروجه من معقله الأخير في "الباغوز" قبل عامين - ليس أكثر من عدد أقل بكثير من العدد الذي يسوقه إعلام الوحدات النشط، إذ أجبرتهم مصالحهم الخاصة، أو خوفهم من العقاب على الجرائم التي شاركوا في ارتكابها عندما احتل التنظيم المنطقة، وأسباب أخرى ليس المجال هنا للتفصيل فيها، أجبرت هؤلاء على البقاء في التنظيم، الذي تحول إلى مجموعة من الخلايا المتناثرة في أرجاء سوريا، يتحرك معظمها في مناطق صحراوية؛ بعد أن فقد القدرة على الحركة، التي تتيح له الاستقرار، وهذا يؤشر على أنه في حالة تلاشٍ تدريجي، لكنه في الوقت نفسه، أصبح هدفاً، و"شماعة" يجري تضخيم حضورها، وتوحد مختلف الأطراف المتصارعة في/على سوريا، لتبرير استمرار تدخلها في الشأن السوري، خدمة لمصالحها، وصراعاتها البينية، من جهة، ولتمكين قسد من تحقيق غاياتها في توطيد احتلالها للمنطقة، وتغيير الواقع الديمغرافي، حيث يشكل المكون العربي، أكثر من 80% من سكانها.

إن المتابع لما يجري في مناطق شرق نهر الفرات، التي تحتلها "قسد"، يمكنه أن يقف عند بعض الأسباب/ الدوافع من هذه المبالغة في تضخيم حضور "بقايا تنظيم داعش" وفاعليتها.

لقد حولت هذه الأطراف المتصارعة، فكرة "محاربة هذا التنظيم الإجرامي" إلى "شماعة"، لخدمة أجنداتها السياسية، التي يتعدى - معظمها - حدود سوريا، مما أدى لبقاء مناطق شرق الفرات، مناطق صراع دموي يومي، يدفع السكان المدنيون ثمنه الأكبر، وفرصة لتنظيم pyd التابع لحزب العمال الكردستاني، المصنف أميركياً كتنظيم إرهابي، ولبعض الأحزاب الانفصالية، كي تنفذ مشاريعها الانفصالية، مستغلة دعم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، والتصرف بالثروات التي تزخر بها المنطقة (البترول والحبوب خاصة)، فأصبحنا أمام عملية تهجير مدروس، وعلني يتم غض النظر عنه، وتغيير للبنية الديمغرافية، من خلال إفراغ المنطقة من المكون العربي، الشباب بشكل خاص، وجلب جماعات من خارج الحدود، وتهجير السكان الأصليين، والامتناع عن تنفيذ أي مشاريع وبنى تحتية، تخدم الاستقرار، واستمرار التفرد بالتحكم المالي وما تدره ثروات المنطقة، إضافة إلى عمليات الاعتقال، والمداهمات اليومية بحجة الانتماء إلى خلايا داعش، والتي يُكتشف زيفها من خلال إخراجهم، بعد فترة قصيرة، دون محاكمات، بحجة كفالات (وجهاء..؟!) المنطقة، ممن يتعاملون مع "قسد"، وكأن الكفالة هذه كافية للإفراج عنهم لو كانوا "داعشيين" بالفعل...!

 ترافق ذلك مع احتجاز سكان المنطقة من العرب في مخيمات، تفتقد أبسط الشروط الإنسانية، والمماطلة في تسليم الأجانب، مع تقصير في تقديم الخدمات، فعلى مدار السنوات الأربع من احتلال المنطقة، لم تعمل "قسد" والوحدات الكردية المتحكمة في القرارات، على تحسين مستوى معيشة السكان، ولا إيجاد حلول، ومشاريع خدمية استراتيجية، وساد الفساد والرشاوى، والسرقات، والمسيرات الاستعراضية، "مما أثقل كاهل السكان ودفعهم إلى النزوح، خاصة بعد فرض "قسد" التجنيد الإجباري"..

لا ننكر وجود بقايا لتنظيم "داعش" الإرهابي، إلا أننا نعرف تماما أنه بإمكان سكان المناطق التكفل بمهمة الخلاص منهم

من جانب آخر تقدم الجهات التي تحارب داعش أرقاماً، يبدو التباين بينها شاسعاً، حتى لدى الجهة الواحدة، فالجهات الإعلامية الكردية تتحدث تارة عن ستين ألف داعشي معتقل لديها، وتارة أخرى ينزل العدد إلى سبعة آلاف.. إنها عملية "بلف وابتزاز للعالم"...!

لا ننكر وجود بقايا لتنظيم "داعش" الإرهابي، إلا أننا نعرف تماما أنه بإمكان سكان المناطق التكفل بمهمة الخلاص منهم فـ "أهل مكة أدرى بشعابها"، وهذا يحتاج من القائمين على "تطهير" المنطقة من "داعش"، الالتفات إلى توفير بعض المتطلبات، وأهمها:

  • تشجيع عودة اللاجئين من سكان هذه المناطق، وتوفير الظروف الأمنية لعودتهم دون خوف من اعتقال، أو تسليم للجهاز الأمني التابع للنظام.
  • تسليمهم إدارة مناطقهم، والتصرف بثرواتها، بما يكفل تنفيذا جيدا للمشاريع التنموية، وإصلاح البنى التحتية الخدمية والزراعية.
  • إخراج جميع المحتجزين قسرا في المخيمات، وإعادتهم إلى مناطقهم التي هجروا منها، دفعة واحدة، ودون ابتزاز ورشاوى.
  • إخراج العناصر الأجنبية وتسليمهم لدولهم، وحل تشكيل "قوات سوريا الديمقراطية"، والفصائل الطائفية، والعشائرية المرتبطة بهم، وإتاحة الفرصة لمن يود الانضمام إلى الجيش الوطني، دون إكراه.
  • تولي السكان تنظيم المساعدات التي يقدمها المجتمع الدولي، وتوزيعها على المستحقين، بدل بيعها في المتاجر.

وهذا يحتاج إلى رعاية أميركية حيادية، بوصفها الداعم لقوات سوريا الديمقراطية، ونعتقد أن استمرار الولايات المتحدة في تفضيل طرف على آخر، وغض النظر عن ممارساته العنصرية، وسلبه حقوق الناس بحجة محاربة "داعش"، سينعكس سلبا ليس على المكون العربي فحسب، بل سيساعد على إنعاش فعلي لتنظيم "داعش" الإرهابي، وترك المنطقة في مواجهة عمليات "ثأرية" لا يعرف أحد منتهاها...!