متى يعلنون فشل "سوريا الأسد"؟ 

2019.02.27 | 23:02 دمشق

+A
حجم الخط
-A

دولة لم تعد قادرة على توفير "الأمن الغذائي" لثلث سكانها، ولا تأمين أبسط أدوات العيش، حتى الكلأ والنار والماء.. أدوات الإنسان الأول للعيش لم تعد متوفرة في "سوريا الأسد" التي يتعملق فيها محدثو النعمة وتجار الحرب والمتنفذون، بينما نصيب الفرد العادي من الحياة هو بمقدار ما يبذل من موتٍ في سبيل هؤلاء!.

على أطلال مدن وقرى دمّروها.. يقف "الكيماوي" وجنده على منابر من أجساد وعظام، يخطبون في الناس عن "الانتصارات وهزيمة المؤامرة الكونية"، مدعومين بجيش من الخوف والجوع قد نكّل بالجمهور الذي لم يغير مواقعه في الصفوف عندما خرَّ أحدٌ ما ميتاً وهو يقف في طابور الغاز، لا وقت لانتشال جثة أو إكرامها بالدفن، فثمة أحياءٌ/ أموات يعيشون على أمل الدفء المؤقت المنوط بـ"جرة الغاز"، ثم إن الجثث لم تعد منظراً طارئاً يستدعي الارتباك أو النجدة في بلد صار كله جثة وفقد أهله المهزمون خلق النجدة. 

في تلك البلد التي "هزمت الإرهاب والمؤامرة الكونية"، يقبع مواطنون مستقرون، محكومون بربطة الخبز وجرة الغاز، يجترون في ساعات النهار وأول الليل أحاديث "المقاومة" وأسطورية قائدها "بطل العالم العربي" كما وصفه "المرشد الأعلى"، حتى إذا خلوا إلى أنفسهم تجردوا من أقنعتهم المهترئة واستلهموا حلم اللجوء، اللجوء إلى أي جحيم أرحب وأرحم، حتى المخيمات يراها هؤلاء جنة ونعيما. 

ومن أجل حزمة البقاء على قيد الحياة المتمثلة بفتات خبز ودفء، صارت بعض أحياء دمشق داخل السور وخارجه تلطم وترطن بالفارسية، وفي حلب وحمص يُرسل الأولاد إلى "المفاقس" المُحدثة لتعلم الحقد الطائفي المقدس، كي يتخرجوا برتبة قتلة مؤدلجين، وليس مجرد قتلة عابرين.. 

وفي بلد بلا مؤسسات ولا اقتصاد ولا تعليم ولا قانون... تحاول أنظمة عربية تعويم الإخطبوط الأمني الجاثم على صدره تحت مسمى "دولة"، وها هو الأكاديمي وأستاذ العلوم السياسية الإماراتي، عبد الخالق عبد الله، يؤكد ضرورة استعادة نظام الأسد إلى حظيرة الجامعة العربية قبيل قمة تونس، مع أن الأمر يبدو وكأنه قد طُوي مع تصريح أمين عام الجامعة، أحمد أبو الغيط، بأنه لا توافق على إعادة النظام حالياً.. 

لولا تحذيرات ترامب لتوالى فتح السفارات العربية في "سوريا الأسد"

والأشد وقعاً على النفس، أن "ذوي القربى" هم من يسعون بها، ولولا تحذيرات ترامب لهم لتوالى فتح السفارات العربية في "سوريا الأسد"، إلا أن الموقف الأميركي والأوروبي أخمد ثورة الساعين إلى إلباس المجرم بزة الرئيس وتصديره بعد غسله من أدران الكيماوي وأشلاء الجثث.   

وبدل أن يعطي هؤلاء "القادة" الدروس لزعماء أوروبا في النخوة وإغاثة الملهوف ونصرة الشقيق... اضطرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لدعوتهم إلى نبذ مجرم الحرب "الأسد" وألا يعدّوه منتصراً في الحرب، داعية إلى تغيير سياسي، في حين يسعى هؤلاء إلى تكريس وحش دموي على عرش بلد جعله جثة وقعد على خرابه!. 

إلا أن استحواذ المحتلين الروسي والإيراني على الأرض والقرار والسيادة، جعل المساعي الدولية والإقليمية والعربية كلها تصير إلى سراب، ولعل العرب آمنوا مؤخراً بأن نزع "الأسد" من حضن "خامنئي" هو ضرب من ضروب الوهم، بعدما قلده الأخير وسام ولقب "بطل العرب"، لذا وجب عليهم وعلى الدول التي تداعت في "وارسو" قبل أسبوعين لمكافحة شر إيران أن يعلنوه مجرم حرب وأن يعلنوا "دولته" دولة فاشلة، وبهذا وحده يمكن للأمم المتحدة التدخل وإنهاء المأساة أو على الأقل الشروع في إنهاء المرحلة ورسم ملامح مرحلة قادمة عنوانها التخطيط لوطن جديد بعقد اجتماعي جديد. 

أما الاستمرار في المراوغة، كما تريد روسيا وإيران خصوصاً، من خلال لعبة الدستور ولجنته التي لن تُنجز، وإن أُنجزت فلن تأتي بجديد غير ما تمليه روسيا مجمَّلاً بإصلاحات شكلية تبدو وكأنها استجابة لمطالب السوريين الثائرين... فلن يجر على البلد والمنطقة سوى مزيد من المشكلات التي تنبثق عنها مشكلات، ما يستدعي تدخل قوى في المشهد وخروج أخرى أو انكفائها كما فعلت الولايات المتحدة، وكل هذا سيكون مقتلاً ليس لجيل أو جيلين من السوريين، بل سيكتب تاريخاً جديداً ويرسم جغرافيا، تاريخاً يشبه تاريخ ملوك الطوائف وأمراء الجماعات ومناديب المحتلين.. وجغرافيا ستكون نهباً لأمراء الحرب وقوّادي السياسة!.