متى سيعفو بشار الأسد لحيته ويحفُّ الشارب؟

2020.12.12 | 23:04 دمشق

bashar-assad-abdulsattar-sayyed.jpg
+A
حجم الخط
-A

 فوجئنا بمفتي بشار الأسد، أحمد حسون، وقد حفَّ شاربه، وذلك قبل سنة أو أزيد، ومن جدَّ وجد ومن سار هذه الأيام على درب السلفية المدخلية وصل، فهي إحدى الفرق الحزبية السياسية الفائزة بالوصول.

 لم يكن شيوخ السنّة ممن يكترثون بحفِّ الشارب ذلك الحفَّ الصفري، وشيوخ الأزهر لا يلتحون في الأعمّ الأغلب، تاركين هذه الفضيلة للسلفيين، فغدت مثل الرتبة الدينية الطبيعية، وكانت لحية البوطي وكذلك عبد الستار السيد، خفيفة.

 لابد للحاكم من علامات دينية، قد تكون مؤقتة تظهر في المناسبات وقد تكون دائمة.

سلك هذا الدرب المعبّد من الزعماء الغربيين ترامب الذي قصد كنيسة القديس جون المجاورة للبيت الأبيض واتخذ صورة تذكارية علّه يقتبس منها قبساً، وهو يرفع الكتاب المقدس.

أمّا الزعماء العرب، فالاحتماء بالدين شبه محتوم، ونذكر أمثلة، أولها مثال الرفيق القائد البعثي صدام حسين الذي نزعَ في أواخر أيامه إلى الدين بعد أن سلّم أسلحته الاستراتيجية للغرب فدمّرها تدميراً، وخاصم صدام الإخوة جميعاً، فلم يبقَ له منجى سوى الله، فلجأ إليه، وكان قد أمر بكتابة عبارة "الله أكبر" على العلم العراقي إبّان اجتياح العراق الكويت، ولم يجرؤ أحد على محوها بعده.

ونذكر جعفر النميري الذي حذف مادة الدين من الدستور سنة 1973، فثارت عليه الأحزاب الإسلامية والطرق الصوفية، ثم أعلن تطبيق الحدود الإسلامية بعد موجة التضخم والفساد قبل سنتين من انتهاء حكمه الذي طال 16 سنة، وسبحان من جمع الشتيتين. اقتصر إسلام النميري على الحدود، وذلك يشبه أن يقتصر التدين على اللحية والشارب، أمّا أنَّ مراكز بحث واستشارة تنصح حكامنا الأفاضل بالتمسّح بالدين، وأمّا أنهم لا يجدون مظلة غيرها بالغريزة والفطنة وحسن الختام. فتكون وبالاً على صورة الإسلام أيضا.

ويمكن أن نذكر عمر البشير، الضابط الذي تحالف مع جبهة الميثاق الإسلامي بزعامة حسن الترابي. قال البشير لصحيفة اليوم السابع في لقاء: إنه كفّ عن شرب المنكر، وخطب الجمعة خمس مرات، وتصنفه أدبيات الصحافة العربية من الإخوان المسلمين!

وجد حافظ الأسد نفسه أوائل حكمه مضطراً إلى إثبات إسلامه المشكوك به. عند ظهور مأزق الدستور سنة 1973 وثار عليه السوريون

 سيَرُ الزعماء العرب تدل على أنهم يبدؤون بالدين للترغيب أو ينتهون به للتطريب، وذلك لشدة تعلق العرب بدينهم.

وجد حافظ الأسد نفسه أوائل حكمه مضطراً إلى إثبات إسلامه المشكوك به. عند ظهور مأزق الدستور سنة 1973 وثار عليه السوريون، ما دفعه إلى الإقرار بمادة دين الدولة في الدستور، أعلن وقتها ثمانية من شيوخ العلويين أنهم فرقة من الشيعة، وكتابهم القرآن، وصدّق عليه رئيس المجلس التشريعي في لبنان موسى الصدر. اعتذر الأسد مرة واحدة في حياته السياسية عن إساءة الوحدات الخاصة لحجاب المسلمات الذي انتُزع من فوق رؤوسهن في الشوارع، وكان الأسد يحضر أيام الاحتفالات الدينية في ليلة القدر والمولد النبوي والعيدين.

 لابد من الدين. إن لم يكن كله فبعضه أو بعضُ بعضِ بعضه.

 لقّب القذافي نفسه بأمير المؤمنين، وكان يصلي إماماً، واضعاً يده اليسرى على اليمنى! وبدأ جمال عبد الناصر المولود في حارة اليهود، مع جماعة الإخوان المسلمين، وحجَّ، ومشهور قوله لأنيس منصور وهو يطوف:

 إيه لعب العيال اللي احنا بنهببو ده!

ولقّب السادات نفسه بالرئيس المؤمن، وكان حسني مبارك أقلَّ الزعماء تقرباً من المسلمين، لأنه لم يضطر إلى خوض معارك مثل السادات مع أحزاب المجتمع المصري، فلم يدخل في مغامرات سافرة مثل سلفيه، وقد يكون أشدّ المجاهرين بعداوته للإسلام الزعيم التونسي بورقيبة الذي أفطر علناً في رمضان حتى يزيد الإنتاج، فنقص إلى أن رأينا البوعزيزي يحرق نفسه احتجاجاً على الظلم، وغضباً لكرامته في عهد خلفه زين العابدين الذي طبع مصحفاً عليه صورته، مثل شقيق الأسد جميل الأسد.

الوريث الجمهوري بشار "الأسد"، ليس محاصراً مثل صدام حسين، فله أصدقاء كثيرون، بعضهم في الجهر وأصدقاء السرِّ أكثر، فمن أصدقائه دولة نووية هي روسيا، ودولة إقليمية كبيرة هي إيران، كما أنَّ الفاتيكان تمحضه ودّها، ولها سفارة في دمشق، وكذلك الإمارات العربية، لكنه محاصر بعد حرب طويلة أكلت الزرع والضرع، ويُدرك أنَّ حلفاءه الإيرانيين خطرون عليه، ويضايقونه، ويسرقون دولته، وملكه، وأنَّ التشيع سيعود عليه بالوبال. وشاع قبل أيام أن الأسد ظهرت عليه بوادر ممانعة في التشيع، لأنَّ ولاء الشيعة للفقيه الوليّ وليس لرئيس الدولة وإنه يصعب التحكم بالشيعة من غير آية الله.

ويدركُ أيضاً أنَّ الدين ضرورة للحكم، فلا بد لكل دولة من عقيدة، وأنَّ حكم السنّة أيسر من حكم الشيعة غالباً، وأنَّ عقيدة شعبه السنيّة أصيلة، وإن اضطربت كثيراً في عهده وعهده أبيه، لكن جذوتها لا تزال متّقدة في النفوس، وأنَّ حزب البعث قد ضعف خطابه القومي وهزل، وكان ينتفع بالقومية العربية، وقد هزلت كثيراً بسبب مقاطعة الدول العربية، ومصادقة إيران وروسيا، فأفرد الأسد للعروبة المخذولة في خطابه في جامع عثمان بعض الحديث بالانتقاص من السريانية، وهما لهجتان أختان، وكالعادة تباهى الأسد بثقافته وسعة اطلاعه، فهاجم الليبرالية الحديثة، وطالب بكتم الغضب حول الرسوم الكارتونية الفرنسية وتحويلها إلى عمل.

ذكر شيخ جامع المريجة الحمصي أنس سويد الذي قابل الأسد مرتين، أنَّ الأسد أخبره أن عبد الستار السيد وزير الأوقاف أهم عنده من أكبر رئيس فرع أمن في سوريا

يشكُّ أن تصلح الليبرالية التي  طفرت في خطب الأسد عدوّاً، فقد تجنب ذكر اسم أميركا، ولم يذكر إسرائيل أيضاً، وتحدّث عن الرموز، يقصد الأنبياء، والرموز مصطلح ليبرالي وحداثي وغير إسلامي، وقال للشيوخ والحاضرين ونصفهم هذه المرة من النساء القبيسيات، وقد كثرت النساء في سوريا بعد أن قلَّ الرجال: إنه لا يمكن للبشري أن ينتصر على الإلهي، ناسياً قوله تعالى: إن تنصروا الله ينصركم...، وذكّر بتقوية المؤسسة الدينية، والدين الصحيح وهو دين المؤسسة الدينية الوقفية التي أصدرت قانون الأحوال الشخصية، وهو قانون لبيع أيتام الحرب.

ذكر شيخ جامع المريجة الحمصي أنس سويد الذي قابل الأسد مرتين، أنَّ الأسد أخبره أن عبد الستار السيد وزير الأوقاف أهم عنده من أكبر رئيس فرع أمن في سوريا.

استغرب المراقبون أن يخرج الثعلب في ثياب الواعظينا، وقد استاء الموالون يوماً من عبارات وعظية وذكْرية على السيارات، وارتعبوا، فسنّ الثعلب قانوناً يجرّم الكتابة عليها. وإنْ فحص المراقبون الحالَ سيجدون أن المجتمع متجانس وثلاثة أرباعه من النساء والأطفال، والبقية من الشبيحة، وأنَّ قليلاً من الدين ضرورة لا تضرّ وكثيرٌ منها لا ينفع.

قد يكون عبد العزيز آل سعود مؤسس السعودية الثالثة أذكى زعيم عربي ركب الدين واستتر به، بمعونة المخابرات البريطانية. والمقطوع به أن جميع هؤلاء الزعماء يمشون في ظل عربة الإسلام، أحياناً أمامها وأحياناً خلفها وأحيانا تعلقا بها من جهل بطريقة قيادتها، ثم نجدهم تحت أقدام العربة أو تحت سنابك الغزاة.