متطلبات عودة المهجرين لحدود سوتشي

2020.09.12 | 00:04 دمشق

thumbs_b2_2f2325b6804603b2794ecf73923b3038.jpg
+A
حجم الخط
-A

منذ انعقاد الاتفاق التركي الروسي الأخير حول إدلب في الخامس من آذار الماضي، والذي جاء بعد انهيار حدود اتفاقية سوتشي ونزوح مئات الآلاف من المدنيين السوريين من قراهم وبلداتهم، بات مصير عودة المهجرين لهذه المناطق الموجودة ضمن حدود سوتشي، الشغل الشاغل للنازحين لإنهاء معاناتهم، في ظل تأكيد تركي رسمي مستمر بأن الاتفاقيات في حال تطبيقها ستشمل بندا يتضمن عودة النازحين، ومع كل لقاء تركي روسي حول سوريا، تنعقد آمال النازحين بالتوصل إلى أي اتفاق قد يشمل عودتهم، ويخرجهم من حالة الإحباط التي يعانون منها، لتصبح مسألة العودة الشغل الشاغل لهم، والسؤال الملح أمام أي حديث أو موضوع أو مقال يكتب عن إدلب والاتفاقيات الجارية فيها، إذ أنه من المؤكد أن هناك متطلبات ورغبات شعبية وآمال كبيرة، خاصة أن تركيا تدفع بهذا الاتجاه لتخفيف الضغوط على حدودها.

ولكن عودة النازحين إلى مناطقهم لا يمكن أن تتم بهذا الشكل، ولا يمكن تسجيل أي حالة عودة لهذه المناطق، بعد تقدم النظام في ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي، وريف حلب الغربي، وعلى العكس من ذلك تعتبر البلدات والقرى في المنطقة خالية تماما من أهلها ولا يمكن لأي نازح أن يقبل بالعودة لها، فيما قوات النظام ما زالت تسيطر عليها، وبالتالي هناك متطلبات شعبية عديدة أهمها خروج قوات النظام من هذه القرى والبلدات، ووجود قوات وأطراف حليفة موثوق بها، تعيد فرض الأمن وتسيطر على الأوضاع، وتدار عبر مجالس مشتركة على سبيل المثال، ولكن من غير الواقع والمقبول أن تكون قوات النظام هي الوحيدة في المنطقة، حتى لو كانت القوات الروسية وحدها في المنطقة فلا يمكن قبولها، خاصة أن الحالة السائدة في جنوب درعا من فلتان أمني، في القرى والبلدات المتصالحة مع النظام، والممارسات التي تقوم بها قوات النظام هناك تزيد من مخاوف المواطنين رغم حجم التعهدات الكبير المقدم لهم، في مقابل ترحيب كبير جدا بأي وجود تركي قوي يشبه الوجود في المناطق الآمنة كما في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون.

ولعل أبرز ما يؤثر على ملف النازحين وعودتهم، ومستقبل مصير إدلب، هو المتغيرات والظروف الدولية، حيث أنه هناك مستجدات وملفات ما زالت عالقة حاليا

المتطلبات الشعبية المحقة ترافقها أيضا متطلبات تركية في عودة النازحين، فتركيا تنظر للموضوع بشكل أوسع، وهي تنطلق بداية من أن أزمة النزوح ستقود بالضرورة إلى عودة موجة النزوح مجددا في حال تواصلت العمليات العسكرية، وهذا يحمل تهديدا لأمن تركيا وحدودها باستغلال الإرهابيين هذه الحركة بالتسلل إليها، كما أن تركيا بالأساس غير قادرة على استيعاب مزيد من موجات النزوح، ولم تعد قادرة داخليا على استيعاب أي لاجئ جديد إلى أراضيها لما يسبب ذلك من ضغوط شعبية واقتصادية، لذلك تولي اهتماما كبيرا لمسألة عودة النازحين لمناطقهم، كما أن تركيا تلتزم بذلك إنسانيا وتتلاقى أهدافها مع طموحات الشعب السوري في حل سياسي حقيقي يعيد الجميع لبيوتهم بما يضمن أمنهم وكرامتهم وحريتهم وصولا إلى تأسيس الانتخابات النزيهة الحرة لهم، وهذا العامل التركي يشكل نقطة أمل للسوريين مستقبلا من أجل توفير العودة، كما أن الجانب التركي طالب بوضع ضمانات حقيقية لحفظ أمن وكرامة العائدين، مستغلة ما يجري في درعا بالتفاوض مع الجانب الروسي.

المفاوضات التي جرت بعد الخامس من آذار بين روسيا وتركيا، شملت في جانب منها مسألة عودة النازحين لمناطقهم، ولكن تأخر تطبيق الاتفاق الأخير كان بسبب كورونا ومعيقات تسيير الدوريات، والمواقف الروسية المتذبذة وغير الموثوق بها، وبالتالي جمد ملف عودة النازحين، وبحسب الاتفاق بين أنقرة وموسكو الأولي في هذه المفاوضات التي جرت لتنفيذ اتفاق الخامس من آذار، فقد تم تحديد نقاط أريحا وأرناز وفريكة كمعابر لعودة النازحين إلى مناطق حدود سوتشي، وذلك للعودة إلى مناطق الريف الشمالي لحماة وريف إدلب الجنوبي وريف حلب الغربي، ولكن بقي موضوع الضمانات الحقيقية للعائدين، أي أن تركيا لا تقبل بالضمانات التي قدمت في مناطق المصالحات، وهو ما جعل المباحثات مستمرة بين الطرفين، قبيل أن تجمد بسبب كورونا ومعيقات تشكيل المنطقة الأمنية على أطراف الطريق إم4، ومصير مستقبل جنوب الطريق، وبذلك فإن ملف إدلب حاليا يعتبر مجمدا، خاصة أن تركيا وروسيا اتفقا على استمرار التهدئة في الفترة المقبلة، بسبب تواصل تهديد جائحة كورونا، ومنح فرص للعملية السياسية، ومراقبة التغيرات الدولية على مختلف الساحات والمناطق.

ولعل أبرز ما يؤثر على ملف النازحين وعودتهم، ومستقبل مصير إدلب، هو المتغيرات والظروف الدولية، حيث إنه هناك مستجدات وملفات ما زالت عالقة حاليا، وهي مؤثرة بهذا الملف، فتركيا لطالما تسلحت بالمواقف الأوروبية المؤيدة لها فيما يخص أزمة النزوح واللجوء، ولكن الاتحاد الأوروبي بحد ذاته يشتبك حاليا مع تركيا بملف شرق المتوسط، وهو ملف جيبوليتيكي مهم للطرفين، ويتم عبره رسم سياسيات المنطقة ومستقبلها للعقود المقبلة، وهذا يعني أن ظروف دعم العمليات العسكرية التركية في سوريا، والتي شكلت منطقة آمنة في درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام والتي كان من أهدافها منع النزوح، مختلفة حاليا من الناحية الأوروبية، وعلى العكس من ذلك وصلت الأوضاع بين الطرفين إلى المواجهة في مراحل متطورة، كما أن تطورات الملف الليبي تلعب دورا، والدور الروسي في شرق المتوسط والعلاقات الروسية الأميركية والأوروبية، كما أن الموقف الأميركي أيضا مهم، ولكن أميركا تترقب انتخابات مقبلة، وبناء عليها إما أن تستمر السياسة الحالية عبر الرئيس الحالي دونالد ترامب، أو أن يترقب العالم سياسات جديدة مع وصول المرشح الديمقراطي جون بايدن، وكل هذه العوامل بحاجة لتنضج من أجل توفير الشروط والمتطلبات المطلوبة لعودة النازحين.

وبسبب ما سبق فإن خطط تركيا في تشكيل منطقة آمنة في إدلب وتعزيز وجودها بالمنطقة ومن ثم إتمام ملف عودة النازحين وإعادة توزيع تموضع نقاط المراقبة المحاصرة بعدها، كلها ملفات ما زالت مجمدة وبحاجة لمراقبة ومعرفة الظروف والمتغيرات الدولية، في ظل سعي من جانب تركيا لاحتواء الوضع شرق المتوسط عبر الحفاظ على حقوقها والحوار مع أوروبا، وتعزيز الحوار بين الأطراف الليبية مع مواصلة دعم الحكومة الشرعية وصولا للحل السياسي، وتوازن علاقاتها مع روسيا وأميركا، ولحين ذلك يبقى ملف عودة المهجرين عالقا بانتظار أي تطورات مستقبلية تساهم فيها الأطراف المحلية والدولية في تأسيس عودة آمنة دائمة للنازحين السوريين.