مبدأ الحماية الدولية بين سوريا وأوكرانيا

2022.04.15 | 05:41 دمشق

alryys_albwlndy.jpg
+A
حجم الخط
-A

ربما أعادت روسيا بعد حربها على أوكرانيا أجواء الحرب الباردة، لكن بشكل متأخر جدا، فلا الاقتصاد الروسي اليوم قادر على القيام بما قام به الاقتصاد السوفيتي ولا الجيش الروسي الذي فشل في أوكرانيا هو الجيش السوفيتي الذي ضم عدة دول مع نهاية الحرب العالمية الثانية إلى فلكه وسيطر سياسيا عليها من خلال الحزب الشيوعي وفروعه التي تفرعت في دول المعسكر الاشتراكي.

ولذلك فطموح بوتين اليوم هو أشبه بمعركة طواحين الهواء لاسترجاع مجد سوفيتي سابق لا أمل بعودته، لكن الجرائم التي ارتكبها الجيش الروسي في سوريا وأوكرانيا يجب أن لا تمر بدون عقاب، فقصف المناطق المدنية ذات الكثافة السكانية العالية بالمدفعية، ونشر القناصة والقصف الجوي للمناطق السكنية بدون تمييزها عن المناطق العسكرية، تشكل كل هذه الأفعال جرائم ضد الإنسانية كما تم تعريفها من قبل نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية (ICC) في عام 2002.

بعد أن أخذت جرائم حرب مماثلة، وجرائم ضد الإنسانية مكانًا في يوغوسلافيا السابقة ورواندا، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة المبادرة المعروفة باسم "مسؤولية الحماية" أو"R2P" في عام 2005.

تغيرت المبادئ التقليدية لمبادرة R2P فيما يتعلق بحماية سيادة الدول، مشيرا إلى أن السيادة ليست حقًا -إنها مسؤولية. تشير المبادرة إلى أن الدولة تفقد سيادتها عندما تفشل في منع أعمال الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية التي تحدث في أراضيها. كعضو في الأمم المتحدة، سوريا ملتزمة بهذا الواجب في حماية مواطنيها من هذه الجرائم. عندما يطلق النظام السوري الهجمات العشوائية المستمرة ضد المدنيين العزل، فإنه فشل بوضوح في الامتثال لهذا المبدأ، وبالتالي نقل مسؤولية حماية المواطنين السوريين العزل مباشرة للمجتمع الدولي.

في تقرير للأمم المتحدة نشر عام 2009، وضح الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الركائز الثلاث التي يقوم عليها مبدأ R2P: أولا، كل دولة لديها مسؤولية دائمة لحماية سكانها من الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية، وعلى كل من يحرض على تلك الجرائم السابقة. الثاني، هو مسؤولية المجتمع الدولي بتقديم المساعدة إلى الدول التي امتثلت بالالتزامات الواردة في النقطة الأولى. ثالثا، في حال فشلت الدولة بشكل واضح في حماية شعبها، يجب على المجتمع الدولي أن يستجيب للوضع بحزم وفي الوقت المناسب، بناء على الفصلين السادس والسابع، والثامن من ميثاق الأمم المتحدة، وأن يتخذ التدابير المناسبة، سلمية كانت أو لا. كما يمكن في حالات الطوارئ، أن تنشأ تحالفات دولية لوقف الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، حتى من دون موافقة مسبقة من مجلس الأمن.

على الرغم من أن سوريا كانت مرشحا واضح المعالم لتطبيق R2P، إلا أن المجتمع الدولي قد تخلى أساسًا عن السوريين ليواجهوا الموت على يد حكومتهم

على الرغم من أن سوريا كانت مرشحا واضح المعالم لتطبيق R2P، إلا أن المجتمع الدولي قد تخلى أساسًا عن السوريين ليواجهوا الموت على يد حكومتهم، الولايات المتحدة، التي دعت إلى إزالة الرئيس بشار الأسد في عام 2011، فشلت حتى الآن في تحقيق كلماتها عبر اتخاذ إجراءات حاسمة.

ولأكثر من 11 عاما، أبقت الولايات المتحدة نفسها خارج حرب سوريا من خلال وصفها بأنها "معقدة" أو "لا توجد خيارات أفضل" وتكرار نفس الشعار أحيانا "الحل السياسي" الذي ليس له معنى على أرض الواقع في سوريا خصوصا بعد التدخل الروسي والهجوم المستمر من قبل حكومة الأسد ضد المدنيين.

مجموعة أصدقاء سوريا، التي أنشئت خصيصا من أجل خلق مكان خارج الأمم المتحدة، والتي يمكن أن تبدأ تحالفا دوليا يعمل على إجراءات من شأنها حماية أرواح المدنيين السوريين، عرضت فقط كلمات التعاطف والوعود الفارغة للشعب السوري. تعلم السوريون ألا يتوقعوا الكثير من المجتمع الدولي خاصة بعد أن خلصت العديد من المؤتمرات دون أن تتبنى أي قرارات ذات مغزى. ويعتبرون هذه اللقاءات مثل اجتماعات مجموعة أصدقاء سوريا ليست أكثر من فرص لإلقاء الخطب المتعاطفة.

في ظروف مثالية، التدخل الإنساني -استخدام القوة لأهداف إنسانية-  سيتم وضعه من خلال مجلس الأمن الدولي، للأسف حق النقض الروسي يقف في طريق هذا الخيار، لكن إجراء التدخل الإنساني خارج نطاق موافقة مجلس الأمن سبق حدوثه- الحلفاء الغربيون فرضوا سابقًا مناطق حظر الطيران فوق العراق دون موافقة صريحة من مجلس الأمن. بكل تأكيد يمكن أن توضع بعض من أشكال التدخل سواء تحت مظلة مجموعة أصدقاء سوريا أو أي ائتلاف دولي آخر.

اليوم تبدو الحالة الأوكرانية وكأنها تكرار للتجربة السورية، حيث يواجه الأوكرانيون المدنيون الجيش الروسي بكل تعداده وقواته بدون تمييز بين مدني وعسكري، وهو ما يضع مسؤولية أكبر على المجتمع الدولي لوقف طموح بوتين العسكري والأمني والسياسي والذي من المؤكد أنه سيصبح أكثر خطورة فيما لو نجح في أوكرانيا، مسؤولية الحماية ينطبق على أوكرانيا كما انطبق سابقا على سوريا لكن تجاهل المجتمع الدولي لهذه الحقائق يجعل التكلفة الإنسانية مرتفعة للغاية وربما يبشر بكارثة على المستوى الدولي قد تعيد تشكيل مجلس الأمن الدولي على أسس جديدة كليا.