مباراة مشتهاة بكرة القدم

2022.02.12 | 05:23 دمشق

201902050613561356.jpg
+A
حجم الخط
-A

هناك فيديو شهير، يقول فيه رئيس البرتغال مارسيلو ريبيلو دي سوزا لرئيس أميركا رونالد ترامب: إن البرتغال أنجبت أفضل لاعب في العالم هو كريستيانو رونالدو، فيرد عليه ترامب، وليس لديه فريق كرة قدم، فلأميركا كرة قدم مفلطحة فيها كثير من العنف والدحم، ويقال إنها الكرة الأرضية: إنه لو ترشح ضدك في الانتخابات لفاز عليك، فيرد عليه رئيس البرتغال، وهو صحفي قديم وسياسي محنّك: إن الأمور في البرتغال مختلفة عنها في أميركا.

جاء في كتاب "كرة القدم بين الشمس والظل" لإداوردو غاليانو: "في أوج كرنفال الفوز بمونديال 1970، كافأ الجنرال ميديشي دكتاتور البرازيل اللاعبين بالمال، وحمل الكأس بين يديه، وضرب الكرة برأسه عدة مرات. كرة القدم هي الوطن، والسلطة هي كرة القدم، وفي أثناء ذلك كان الجنرال بينوشيت الآمر الأعلى في تشيلي يعين نفسه رئيسًا لنادي كولو كولو أوسع أندية البلاد شعبية، والجنرال غارسيا ميزا الذي استولى على بوليفار صار رئيسًا لنادي ويلستيرمان، وهو ناد له جمهور واسع ومتحمس، كرة القدم هي الشعب، والسلطة هي كرة القدم. أنا الشعب هكذا تقول الدكتاتوريات العسكرية" وقد تسببت كرة القدم بحرب بين الهندوراس والسلفادور ذهب ضحيتها ثلاثة آلاف شخص، في سنة 1969، واستمرت أسبوعا، وأسبابها اقتصادية تحولت إلى سياسية واستغلها الطاغيتان فتسببت بكثير من الدماء، وحرص الفيفا على تنظيم القرعة حتى لا تجتمع روسيا وأوكرانيا في مجموعة بعد احتلال روسيا جزيرة القرم، وتسبب رسم شاكيري وتشاكا من منتخب سويسرا النسر الألباني بأيديهما بعد فوزهما على المنتخب الصربي، وغضب الاتحاد الألماني من صورة لثنائي "المانشافت" مسعود أوزيل وإلكاي جوندوجان مع أردوغان.

أحس النظام السوري بخطر الرياضة، فنزع بعض مخالبها، وعقم فرق المدن والمحافظات من عصبيتها سوى فريق واحد هو فريق جبلة

ليس جديدًا القول: إن كرة القدم هي دين جديد، والعلمانية الكروية مستحيلة، ووُصفَ حشيش ملعب كرة القدم في الأدبيات الرياضية كثيرًا بأنه مخدرات، والحكومات تدرك ذلك وتروّجه، والنظم الدكتاتورية العربية تستغل كرة القدم بخشونة وسفور، وقد رأينا حاكم مصر السيسي يدعو للفريق الوطني ويعزيه بخسارته أمام السنغال، ونخبة من ساسة مصر يتابعون الخسارة، ناكسي رؤوسهم، يبكون بصمت على خسارتهم أمام السنغال، والتي أبهجت كاتب هذا المقال. ولذلك أحس النظام السوري بخطر الرياضة، فنزع بعض مخالبها، وعقم فرق المدن والمحافظات من عصبيتها سوى فريق واحد هو فريق جبلة الذي دعي باسمه: فريق جبلة، بينما كانت فرق المحافظات لها أسماء معقمة بالكحول والنار، مثل الجهاد والفتوة وتشرين والاتحاد والمجد.

وشهدنا خلال السنوات الماضية توترًا بين الشقيقات العربية بسبب مباريات، وذلك في دور كأس الأمم الأفريقية، والتقى فيها فريق مصر والجزائر في أرض محايدة في أم درمان في السودان، بعد تساوي نقاطهما ذهابًا وإيابًا، فكان أن فازت الجزائر، وتصادمت جماهير الفريقين، وتعالت الشتائم في الإعلام المصري، وخُشي من حرب باردة بين شعبين شقيقين، وأن نشعل داحس والغبراء التي طالت أربعين سنة من جديد.

تقول واقعة إمام مسجد مطروح، بصدام بين الدينين، فقد عادت عبادة الكواكب، وكوكب كرة القدم هو أكثر العبادات انتشارًا، وكان إمام مسجد مطروح قد خرج بحثًا عن مصلين لصلاة العشاء، فلا جماعة من غير مأمومين، وقد أوقفت الأوقاف الإمام مدة ثلاثة أشهر عن العمل، لأنه أراد أن يفرّق الجماعة المصرية المعتصمة بدينها الجديد، ودعا إعلامي مصري مشهور أمام المسجد أن يذهب للناس، ويخبرهم أنه سيؤجل صلاة العشاء لبعد الماتش، ويتضرع أن تفوز مصر.

 لكن يظهر أن الوطنية الجديدة توشك أن تقتصر على حب الكرة ومناصرة الفريق الوطني، في مبارياتها التي توصف بأنها معارك، فلمَ لا تعارك الفرق العربية في الدول المطبعة مع إسرائيل، مثل مصر والإمارات فريق كرة قدم إسرائيل "الشقيقة" ولو بمباراة ودية؟

وإذا كان يمكن التحكم بالدين من خلال تعيين مفتي الديار ووزير الأوقاف، فإن المباراة بجمهورها في المدرجات يصعب التحكم بها، فهي تملأ عادة بشرطة مكافحة "الشعب"، وغالبًا ما تجري صفقات لبيع المباريات العربية لدول الخليج، وفرقها أحسن تدريبًا وأداء غالبًا، مع أنها أقل سكانًا، فلا يذكر أن سوريا بلغت كأس العالم، ربما لأنها مشغولة بالرد في المكان المناسب وفي الزمان المناسب على العدو.

لن نشهد مباراة بكرة القدم بين فريقين عربي وإسرائيلي لكرة القدم حتى لو كانت ودية، لأنها إذا وقعت ستوقظ الأميرة النائمة في العسل

نحن لا نسمع أخبارًا عن فريق إسرائيل لكرة القدم، وظهر في عام 1948 باسم المنتخب الوطني الإسرائيلي، كانت المباراة الأولى للمنتخب الإسرائيلي كدولة مستقلة في 26 من سبتمبر 1948، ضد الفريق الأولمبي الأميركي. وحصل على المركز الثاني في بطولة قدم آسيا 1956، وفي سنة 1960 على مركز الوصيف، وبالبطولة بعد أربع سنوات. وبالمركز الرابع في سنة 1968. انتقلت إسرائيل رياضيًا من آسيا إلى أوروبا عام 1994 بسبب رفض دول جوار إسرائيل اعترافها بها، فقامت دول الاتحاد الأوروبي باحتضانه.

لن نشهد مباراة بكرة القدم بين فريقين عربي وإسرائيلي لكرة القدم حتى لو كانت ودية، لأنها إذا وقعت ستوقظ الأميرة النائمة في العسل. ولا يراد لها أن تستيقظ، ولن يتقابل فريق عربي مع فريق إسرائيلي أبدا.  كرة القدم مليئة بالهواء ويمكنها أن تمتلئ بالنار، وإذا وقعت سنرى كرما عربيا لن نرى مثله قط.