مبادرة عربية ومناورة أسدية

2023.03.21 | 06:18 دمشق

 مبادرات التطبيع المستحيلة مع النظام السوري
+A
حجم الخط
-A

شكّل الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا، شباط الفائت، فرصة مواتية لنظام بشار الأسد، وبعض الأطراف العربية للتحرك وفق مسارات كان يجري العمل عليها قبل ذلك أصلاً، لكنها ظلت تتلكأ أو تتوارى بسبب القيود والروادع الأميركية والغربية من جهة، وعدم تلقي إشارات إيجابية كافية من جانب النظام في دمشق من جهة أخرى.

وسعى العاهل الأردني، منتصف العام 2021، إلى إطلاق مبادرة تجاه النظام السوري، وقابل الرئيس الأميركي لإقناعه بدوافع التحرّك الأردني، لكن تلك الجهود تجمّدت بسبب البرودة التي قوبلت بها من جانب النظام السوري، والذي زاد من معدلات تهريب المخدرات عبر الحدود مع الأردن، بدل توقفها كما كانت تقضي تلك المبادرة، برغم استفادته من مرونة الإدارة الأميركية الجديدة آنذاك، عبر عدم فرض عقوبات جديدة على النظام، والسماح بما سمي مشاريع التعافي المبكر.

غير أن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي عاد وكشف، في أيلول الماضي، عن مبادرة أردنية جديدة من أجل الشروع في عملية سياسية يقودها العرب تهدف إلى حل "الأزمة السورية" استناداً لقرار مجلس الأمن رقم 2254. وقال في مقابلة مع صحيفة "ناشيونال"، إنّ بلاده تحشد من أجل دعم دولي وإقليمي لعملية سياسية يقودها العرب لإنهاء الحرب في سوريا، ستشمل السعودية ودولاً عربية أخرى، وستكون بالتنسيق مع "أصدقائنا وشركائنا"، داعياً إلى اتباع نهج تدريجي لحل النزاع السوري، حيث لم يعد ممكناً التعايش مع سياسات الوضع الراهن.

وبدا الصفدي متفائلاً حيال التغلّب على تأثير العقوبات الأميركية المحتمل على هذه المبادرة قائلاً: إن "الجميع يريد أن يرى نهاية للأزمة السورية"، ولم يخف الدافع الأساسي للمبادرة بالنسبة للأردن والمتمثل في وقف تهريب المخدرات عبر الحدود والذي وصفه بأنه يشكل خطراً وتهديداً كبيرين على المملكة، فضلاً عن ضرورة عودة اللاجئين السوريين في الأردن الى بلادهم.

ومن هنا، لا يمكن فصل التحركات الحالية عن الجهود الأردنية السابقة، حيث تلتقي كل هذه التحركات حول نقاط محددة، تبدأ بمطالبة النظام السوري البدء أولاً بمكافحة عمليات تهريب المخدرات، وإظهار خطوات جدية وملموسة لمعالجة الوجود العسكري الإيراني في سوريا، مقابل انخراط عربي محدود في البداية بتقديم المساعدات المالية والإنسانية، على أن يبدأ بعد ذلك في تنفيذ خطوات بناء الثقة مع المعارضة، وعلى رأسها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والكشف عن مصير المفقودين، وتوفير ضمانات لعودة من يرغب من اللاجئين والنازحين إلى ديارهم، من أجل الشروع بمفاوضات جدية مع المعارضة للوصول إلى حل سياسي شامل على أساس القرار الدولي 2254.

كما أن العديد من دول الخليج العربي، بما فيها السعودية، ربما باتت ترى أن مواصلة ترك سوريا، ميدان تنافس وتقاسم نفوذ إيراني تركي لم يعد مقبولاً، خاصة أنه ليس في جعبة الولايات المتحدة أي حلول للوضع في سوريا، سوى مزيد من الانتظار، في ظل عقوبات فرضتها واشنطن، لم يكن لها تأثير فعلي على النظام السوري، سواء لإسقاطه أو دفعه لتغيير سلوكه.

والسؤال المطروح بداهة، هل سوف يستجيب النظام السوري لهذه الجهود، وهل تملك الأطراف التي تقودها أي وسائل ضغط على النظام، أو حتى على المعارضة السورية؟

وثمة عامل قلق لدى مجمل الأطراف العربية وهو الإفراغ المستمر لسكّان سوريا، والعرب السنة، وعلى وجه التحديد، حيث بات أكثر من ستة ملايين منهم يعيشون اليوم خارج بلادهم، ما يخل بشدة في المعادلة الديموغرافية، ومن المعتقد أن نسبة العرب السنة في سوريا لا تتجاوز اليوم 50%، بعد أن كانوا غالبية السكان قبل الحرب، مع ما يترتب على ذلك من تغيير هوية البلاد، وتسهيل الهيمنة عليها من جانب إيران، كما حدث في العراق.

والسؤال المطروح بداهة، هل سوف يستجيب النظام السوري لهذه الجهود، وهل تملك الأطراف التي تقودها أي وسائل ضغط على النظام، أو حتى على المعارضة السورية؟

قياساً على تجارب الماضي، فإن النظام يتعامل مع أي جهود من هذا القبيل في إطار المناورة، ويتبع تكتيكات مختلفة تتمحور حول تضييع الوقت، وإغراق الطرف الآخر بالتفاصيل والشروحات المطولة هو التعريفات والمفاهيم المطروحة، مع محاولة استغلال الظروف إلى أقصى حد من أجل الحصول على مكتسبات وقتية من أي نوع، سواء سياسية أم اقتصادية، من دون تقديم أي تنازلات جوهرية في نهاية المطاف.

ومن خلال استعراض البنود الأساسية في المبادرة العربية المطروحة اليوم، والتي لا تختلف كثيراً عمّا أفصح عنه وزير خارجية الأردن، منذ أيلول الماضي، فإنّ النظام لن يقبل بجوهر هذه المبادرة، وهو ما ألمح إليه بشار الأسد في تصريحاته الأخيرة لوسائل الإعلام الروسية، بقوله إن ما عرض عليها هي مجرد أفكار، وليس من بينها ابتعاد نظامه عن إيران، وأن هذه القضية غير مثارة، وفق تعبيره.

أما قضايا الانتقال السياسي المرتبطة بتنفيذ القرار الدولي 2254، فقد شهدنا خلال السنوات الماضية طريقة تعامل النظام معها وتفسيراته الشاذة لمضامين القرار، وهو ما أفضى إلى نتائج صفرية لتلك المفاوضات في أستانا وجنيف.

وحتى في قضية يفترض أنها لا تشكل مسّاً بجوهر النظام، مثل تهريب المخدرات عبر الحدود مع الأردن، ومنه إلى دول الخليج، لا يستطيع النظام التعامل الإيجابي معها، لأن القرار فيها يخص إيران وميليشياتها بالدرجة الأولى، حيث باتت هذه العمليات تشكل مصدراً معتبرا لتمويل الميليشيات الإيرانية، خاصة حزب الله، وتمويل النظام نفسه، فضلا عن مراكمة الثروات لكبار ضباطه ومسؤوليه.

أي حل سياسي يتضمن إجراء انتخابات وانتقال للسلطة، سيكون مرفوضاً لدى النظام السوري، وسوف يفسر من جانبه بأنه مجرد وسيلة لإزاحته عن السلطة سلما، بعد أن عجزوا عن ذلك حربا

وببساطة، فإنّ أي حل سياسي يتضمن إجراء انتخابات وانتقال للسلطة، سيكون مرفوضاً لدى النظام، وسوف يفسر من جانبه بأنه مجرد وسيلة لإزاحته عن السلطة سلما، بعد أن عجزوا عن ذلك حربا، وهو كذلك بالفعل، لأن انخراط النظام في أي حلول سياسية جدية، سيقود في نهاية المطاف إلى إنهاء النظام بشكله الحالي.

ومن هنا، يمكن التنبؤ بسهولة أن المبادرات العربية المطروحة اليوم تجاه النظام في دمشق لن يكتب لها النجاح على الأغلب، إلا إذا تم إفراغها من مضمونها بحي تتطابق أو تقترب من وجهة نظر النظام للحل والمتمثلة في إبقاء الوضع الراهن كما هو، مع تطعيم السلطة ببعض وجوه المعارضة المقبولة لدى النظام.