ما وراء الحكم بالسجن على رئيس بلدية إسطنبول؟

2022.12.25 | 07:32 دمشق

ما وراء الحكم بالسجن على رئيس بلدية إسطنبول؟
+A
حجم الخط
-A

تقترب تركيا من موعد انتخابات تشهد منافسة شرسة بين الحزب الحاكم ومعارضته التي لم تجتمع حتى الآن على مرشح رئاسي واحد، وفي خضم ذلك تعج الحياة السياسية يومياً بمفاجآت في بلد يمتاز بعنصر المفاجأة على الدوام، ولا شك أن حكم السجن الذي يواجهه رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو هو الأبرز على أجندة تركيا مؤخراً بين تلك المفاجآت.

لا يقتصر حكم المحكمة بإسطنبول الصادر في 14 كانون الأول/ديسمبر 2022، على السياق القضائي فحسب، فهو يعني حرمان إمام أوغلو من ممارسة عمله السياسي بما في ذلك مواصلة رئاسته لبلدية إسطنبول وكذلك الترشح لانتخابات 2023 الرئاسية؛ في حال صدّقت المحكمة العليا في تركيا على القرار دون استئناف أو نقض من قبل إمام أوغلو، بحسب حقوقيين أتراك.

خلاف "المرشح الرئاسي" حاضر

في الوقت ذاته، نجد أن ردات فعل بعض الفاعلين السياسيين أعطت رسائل ذات دلالات تخرج القضية عن السياق القضائي فحسب، سواء موقف زعيمة حزب الجيد ميرال أكشنار الحليف لحزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة والذي ينتمي إليه أكرم إمام أوغلو، وكذلك تعاطي كمال كليتشدار أوغلو زعيم الشعب الجمهوري من موقف أكشنار.

القصة تتعلق بمسألة المرشح الرئاسي الذي تبحث عنه المعارضة وأعني ما بات يعرف بالطاولة السداسية التي يقودها حزبا الشعب الجمهوري والجيد إلى جانب 4 أحزاب أخرى صغيرة، وهناك خلاف بات أكثر من واضح بين كليتشدار أوغلو وأكشنار، فالأول يرغب بقوة في تقديم نفسه ممثلاً عن المعارضة أمام الرئيس التركي أردوغان، بينما ترى أكشنار في إمام أوغلو شخصية أكثر حظوظاً لمواجهة زعيم قوي مثل أردوغان يلعب في ميدان السياسة منذ نصف قرن تقريباً.

لهذا الخلاف شواهد عديدة سابقة قبل صدور القرار القضائي بحق إمام أوغلو، لكن ما حدث مؤخراً كان أكثر أهمية لدرجة أن أردوغان نفسه علق على هذه المسألة التي اعتاد أن يتجنب الحديث عنها سابقاً، لكن مع قرب موعد الانتخابات فلا بد أن تنكشف جميع الأوراق.

قبيل ساعات قليلة من صدر قرار المحكمة، شعر إمام أوغلو عن طريق محاميه أن القرار سيصدر لا محالة، حيث -كما سرّب الإعلام التركي- رفضت المحكمة طلب محامي إمام أوغلو بتأجيل صدور الحكم، وبالمناسبة الحكم يتعلق بقضية "ازدراء" تعود لعام 2019 حينما هاجم إمام أوغلو أعضاء لجنة الانتخابات العليا بسبب قرار إعادة الانتخابات المحلية ووصفهم "بالحمقى".

ميرال أكشنار تتصدّر المشهد

حينما تيقن إمام أوغلو  أن القرار سيصدر، طلب من مناصريه توجيه دعم له ودعاهم للتجمع في ساحة بمنطقة سراج هانة في إسطنبول، وعلى الفور توجهت إليه ميرال أكشنار مغادرة العاصمة أنقرة، بينما كان زعيم حزبه كليتشدار أوغلو في ألمانيا ليقطع زيارته هو الآخر ويتوجه إلى تركيا، لكن التجمع الشعبي في سراج هانة قد تم بالفعل وكان بطلاه إمام أوغلو وأكشنار.

الأمر اللافت هنا، هو أن الدعوة للتجمع لم تصدر عن الشعب الجمهوري كحزب، ولم يكن كليتشدار أوغلو على علم بها إلا من الإعلام مثلنا، واللافت أيضاً هو أن أكشنار وحدها دون بقية زعماء الأحزاب الأخرى على "الطاولة السداسية" كانت بجانب إمام أوغلو وكأن الأمر يخص بحزبها.

وهنا يمكن الاستشهاد باتصال هاتفي أجراه أحمد داود أوغلو زعيم حزب المستقبل بكليتشدار أوغلو وسأله فيما لو عليه أن يتوجه لسراج هانة، ليجيبه الأخير "نتشرف بك"، وكأن دواد أوغلو الدبلوماسي المحنك يعلم أن تجمعاً كهذا يجب أن يكون حسب الأصول وبدعوة أو على الأقل بعلم رئيس الحزب ذاته.

نعم القضية ربما تكون مسألة دعم وإثبات التعاطف مع قضية إمام أوغلو التي عاشها أردوغان في وقت ما حينما كان رئيس بلدية وحُكم عليه بالسجن، لكن الصورة المرسومة لم تُقرأ بهذا الشكل في أروقة حزب الشعب الجمهوري.

كليتشدار أوغلو لم يبق صامتاً!

كان تصدير أكشنار إلى جانب إمام أوغلو ومشهد "العناق" مزعجاً على الأرجح بالنسبة للشعب الجمهوري، لا سيما أن أكشنار سبق أن صرحت بأنها لا تتفق مع فكرة ترشيح كليتشدار أوغلو للرئاسة، وهي داعمة لترشيح إمام أوغلو فهي تراه شخصية "توافقية" يمكن أن تجتمع عليه شرائح المعارضة على اختلاف أطيافها.

تعليقاً على الجدل الذي أثير بسبب هذا المشهد، كان كليتشدار أوغلو فطناً في الحقيقة وحاول وأن لا يدع المجال للحزب الحاكم باغتنام فرصة "الخلاف" الموجودة، ولذلك نظّم مسيرة لدعم إمام أوغلو لكن هذه المرة بحضور زعماء الطاولة السداسية في محاولة لوأد التجمع السابق الذي تم دون علمه ودعوة منه.

ثم لاحقاً التقى بإمام أوغلو ووجه رسائل دعم له، وكان من اللافت وصفه للعلاقة بينهما بأنها بين أب وابنه، وقال "إمام أوغلو ابني"، في محاولة للرد على ما يشاع من الخلاف، لا سيما بعد مواقف عدة أظهرت الجفاء الموجود بين الرجلين عبر تجنّب كليتشدار أوغلو مصافحته أو الحديث معه في لقاءات وفعاليات حزبية سابقة.

ومع ذلك، رأى أردوغان في ذلك فرصة لإثبات "فشل" الطاولة السداسية، وهو الذي يعد عدته ويحشد طاقته لانتخابات ستحدد مصيره ومصير حزبه، حيث علق على الموضوع بأن هذه الطاولة "تنهار وستنهار.. ليس لهم القدرة على مواصلة السير.."، كما اتهمهم بالكيد لبعضهم بعضاً في الكواليس.

الأهم من ذلك أن أردوغان علق كذلك على وصف كليتشدار أوغلو لرئيس بلدية إسطنبول إمام أوغلو بأنه "ابنه"، قائلاً: "اعتنِ بابنك، فهو يبحث عن أبوين!"، وهو يقصد بوضوح مسألة المرشح الرئاسي ودعم أكشنار لإمام أوغلو في هذا الصدد.

هل سيترشح إمام أوغلو للرئاسة؟

مسألة ترشح رئيس بلدية إسطنبول إمام أوغلو للرئاسة في 2023 لم يعد مقتصراً على رغبته الواضحة لذلك ودعم أكشنار له، بل بات مرتبطاً بالقرار القضائي الذي قد تصدّق عليه المحكمة العليا.

وهذا يعني أنه سيُحرم من حق الترشح وممارسة العمل السياسي، في حال أُقرت مدة الحبس وهي سنتان و7 أشهر، حيث ينص القانون التركي على أن يكون المرشح غير خاضع لأحكام بالسجن تتجاوز السنة.

لكن في حال تم نقض الحكم وعدم البت به إلى حين إعلان موعد الانتخابات الرئاسية بشكل رسمي، فهذا يعني أن إمام أوغلو سيكون ذا حظوظ كبيرة لخوض السباق الرئاسي، حيث يُعتقد أن قرار الحبس والدعم الذي حصل عليه من وراء ذلك أفاده أكثر من أن يضره.

لا سيما أن إمام أوغلو استحضر الذاكرة التاريخية بالموقف المشابه الذي تعرض له أردوغان حينما كان أيضاً رئيساً لبلدية إسطنبول في تسعينيات القرن الماضي بسبب أبيات شعر قرأها.

وفي هذه الحالة يبقى لإمام أوغلو عائق واحد أمام الترشح للانتخابات الرئاسية ألا وهو زعيم حزبه كليتشدار أوغلو، فهو المدرب الذي بإمكانه السماح للاعبه بالنزول إلى ساحة الملعب -بحسب وصف إمام أوغلو-، وإلى ذلك الحين سيشهد الشعب الجمهوري مناقشات جدية لحسم مسألة المرشح لا سيما أننا نتحدث عن أشهر قليلة أمام إعلان موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية رسمياً، وقد تكون مباغتة في شهر نيسان/أبريل المقبل بدلاً من حزيران/يونيو على الأرجح.