ما هو أهم من السياسية والبندقية

2019.09.10 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

من بين آلاف الشهادات التي نشرت حول وضع السوريين المقيمين في تركيا خلال الفترة الأخيرة الماضية، لفت انتباهي ما كتبه البعض عن تجارب شخصية استطاع أصحابها تغيير وجهة نظر مواطنين أتراك كان لديهم موقف سلبي تماماً من السوريين.

بالمقابل يوجد الكثير من التجارب الفاشلة لسوريين حاولوا التواصل مع مواطنين أتراك قبل الأزمة الأخيرة وخلالها، لكن النتيجة كانت سلبية، الأمر الذي يدفع لليأس، وبالتالي إلى الاستسلام للواقع الذي لن يزداد إلا تعاسة إذا ما استمر تضليل الرأي العام التركي فيما يتعلق بالقضية السورية على الشكل الذي ظهر عليه واقع حال في الأشهر الأخيرة، خاصة وأن أكبر أحزاب المعارضة التركية بصدد عقد مؤتمر لبحث عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، بالتشارك مع النظام.

قبل أيام كتب ناشط سوري معروف أن "كل شخص في هذا العالم لا يعتبر النظام السوري مجرماً هو شخص مجرم مثله"، سواء أكان هذا الشخص يعيش في دمشق أو أمريكا أو جنوب إفريقيا أو شرق آسيا..

حكم ديموغوجي يعتمد المبدأ فقط، وينطلق من تصور ذاتي سليم طبعاً، لكنه يغفل الظروف ويغلق الباب على أي بحث في الأسباب التي يمكن أن تجعل الآخرين يعتقدون شيئاً مختلفاً عن الحقيقة.

في حوار مع مسافر عراقي التقيت به في أحد المطارات الأسبوع الماضي، اكتشفت كم المعلومات المغلوطة التي يمتلكها هذا الشخص عن حقيقة ما يجري في بلدنا، على الرغم من أنه يعيش في بلد مجاور لسوريا، ولديه موقف سلبي من إيران، إلا أنه كان علي شرح الكثير من التفاصيل كي تصل له الحقيقة التي كانت مختصرة بالنسبة له في "أن النظام حاول بشتى السبل إقناع المعارضين من أجل الحوار والتعاون في سبيل الإصلاح، إلا أن هيمنة الدول والحكومات العدوة لسوريا على المعارضة، أفشل محاولات حل القضية السورية، وأطلق العنان للقتل المتبادل بين السوريين إلى اليوم" !

في أوروبا، التي باتت موطناً حالياً لآلاف اللاجئين السوريين، يحدث أيضاً وبشكل يومي تقريباً أن تقابل مواطنين عرباً من جنسيات مختلفة، يعتقد أكثرهم بأن سوريا هي ضحية مؤامرة خارجية صرفة استهدفت تدميرها على هذا الشكل، وأن النظام هو أحد ضحايا هذه المؤامرة ويناضل ضدها !

والحق، أنه إذا كنا كسوريين عاجزين إلى اليوم عن شرح قضيتنا لجارنا التركي، وإذا ما زلنا حتى اليوم نكتشف أن الكثير من أشقائنا العرب ما زالوا رغم ذلك عاجزين عن فهم حقيقة الصراع في سوريا، باعتبارها صراعاً بين الحق والباطل..بين الضحية والجلاد..بين نظام قاتل وشعب ثار من أجل كرامته وحريته .. إذا كان المواطن العربي أو جارنا التركي ليس لديه إلى اليوم التصور الحقيقي والكامل لهذه القضية، فكيف يمكن الحكم على المواطن الأمريكي أو الأوروبي أو الشرق آسيوي أو الجنوب إفريقي .. الخ بالسوء إذا كان موقفه من النظام إيجابياً ؟!

علينا أن نعترف اليوم وقبل أن نطلق على الآخر أي حكم، أننا كثوار ومعارضين، أخفقنا أيضاً في إيصال رسالتنا وشرح قضيتنا للشعوب كما يجب

علينا أن نعترف اليوم وقبل أن نطلق على الآخر أي حكم، أننا كثوار ومعارضين، أخفقنا أيضاً في إيصال رسالتنا وشرح قضيتنا للشعوب كما يجب، خاصة بعد ظهور داعش وسيطرتها على اهتمام الحكومات ووسائل الإعلام، ولا يعفينا من المسؤولية القول أن صور ومشاهد مأساتنا الكارثية ملأت محطات ووسائل إعلام العالم، فهذه الصور وتلك المشاهد كان الجمهور وما يزال يتلقاها بخلفيات وتصورات مختلفة ومتباينة.

وبالمقابل فإن هذا لا يعني أننا لم نقم بأي جهد، أو أننا أهملنا العمل على إيصال رسالتنا وشرح قضيتنا وإبراز مأساتنا، وكناشطين أو حتى كسوريين عاديين، يجب علينا عدم الوقوع في فخ جلد الذات جراء مواجهة هذه الحقيقة، لكن علينا أن نفهم أن ما يجري في سوريا، بالنسبة للآخرين، كان وما يزال أكثر تعقيداً من مجرد صراع بين نظام ديكتاتوري وشعب مظلوم.

لقد تعرضت شعوب كثيرة للقتل والتنكيل على يد حكامها، ومع ذلك لم نكن كسوريين نعبأ بمآسي هذه الشعوب، بل وبسبب التضليل أو نقص المعلومات، وقفنا أحياناً مع الجلاد ضد الضحية، على الرغم من كل محاولات الضحايا الصراخ وقتها، فهل يعتبر هذا كافياً للحكم علينا بأننا "سيئون" ؟!

قبل أن نطلق أحكاماً قطعية على الآخر، علينا أن نقر بأننا نفشل إلى اليوم في التواصل حتى مع بعضنا البعض كثوار ومعارضين، وأننا عجزنا عن استيعاب تبايناتنا واختلافاتنا لصالح وحدة القضية والمصير، وأن نعترف أن استعدادنا الدائم لإطلاق الأحكام أو تبنيها دون أي نقاش أو حوار، أدى كله إلى خسارتنا في ميدان لم يكن أقل أهمية عن الميدان السياسي والعسكري، وهو ميدان التواصل والإقناع، الذي أثبتت التطورات الأخيرة أنه لا يقل أهمية وخطورة، ولا تقل حاجة الثورة إليه عن السياسة والبندقية.