icon
التغطية الحية

ما مستقبل قوات سوريا الديمقراطية بعد سقوط النظام السوري؟

2024.12.11 | 12:01 دمشق

الدير
رتل عسكري أميركي يتجه إلى مناطق سيطرة قسد بدير الزور، 13 آب 2023 ـ AFP
تلفزيون سوريا ـ باسل المحمد
+A
حجم الخط
-A
إظهار الملخص
- بعد سقوط نظام بشار الأسد، تواجه سوريا تحديات كبيرة، منها التعامل مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي تسعى لإنشاء كيان مستقل بدعم التحالف الدولي، مما أدى إلى إطلاق عملية "فجر الحرية" من المعارضة للسيطرة على مناطق شمالي حلب ومنبج.

- دعت "الإدارة الذاتية" التابعة لـ"قسد" إلى الحوار مع الأطراف السورية لبناء سوريا ديمقراطية، وسط انتفاضة شعبية ضدها، لكن المراقبين يرون أن هذه الدعوات تهدف لتحقيق مكتسبات في ظل العلاقات المعقدة مع تركيا.

- مع تغير الأوضاع الجيوسياسية وتراجع الدعم الروسي والإيراني، تجد "قسد" نفسها مضطرة للتفاوض مع السلطة الجديدة في دمشق لضمان بعض المشاركة في السلطة، وسط ضغوط من تركيا وسلطة دمشق الجديدة.

تحديات كبيرة تنتظر الحكم الجديد في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر الجاري، قد يكون من أبرزها ملف قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي تسيطر على شمال شرقي سوريا منذ العام 2016، إثر هزيمتها لتنظيم الدولة "داعش" بدعم من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.

ومنذ ذلك الوقت سعت "الإدارة الذاتية" التابعة لـ"قسد" إلى خلق كيان مستقل عن نظام الحكم البائد في دمشق، ليكون أقرب إلى الحكم اللامركزي، يتمتع بعلاقات سياسية ودبلوماسية خاصة مع دول إقليمية وغربية، هذا إلى جانب سعي الإدارة إلى تثيبت هذا الواقع من خلال إطلاق "عقد اجتماعي" خاص بها، وقانون تقسيمات إدارية للمناطق التي تسيطر عليها، إضافة إلى شروعها مؤخراً بإجراء انتخابات محلية، في بعض المناطق كدير الزور والرقة.

وبالتوازي مع إطلاق فصائل المعارضة لعملية "ردع العدوان"، والتي سيطرت خلالها على كبرى المدن السورية خلال أيام، إثر انهيار النظام وسيطرة هذه القوات على العاصمة دمشق، أطلق الجيش الوطني عملية "فجر الحرية" ضد قوات "قسد" استطاع من خلالها السيطرة على مدينة "تل رفعت" وباقي المناطق الخاضعة لـ"قسد" في شمالي حلب، إضافة إلى إعلانه السيطرة على منبج في نفس يوم سقوط النظام.

في هذه المادة نتساءل عن السيناريوهات المحتملة لمستقبل قوات "قسد" في سوريا في ظل انتفاضة السكان ضدها في مناطق شمال شرقي سوريا، ومطالبتهم بدخول قوات "ردع العدوان" إلى مناطقهم.

"قسد" تدعو إلى الحوار

بعد ساعات من إعلان سقوط نظام بشار الأسد، أعلنت "الإدارة الذاتية التابعة" استعدادها للحوار مع جميع الأطراف السورية، وأضافت الإدارة في بيانها أن النظام السوري "رفض على مدار السنوات الماضية كل الجهود المحلية والدولية الرامية إلى إيجاد حلول سلمية للأزمة، متمسكاً بسياسات إقصائية وعازفاً عن الحوار البنّاء، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع والمآسي التي تعاني منها سوريا اليوم".

وشددت على أهمية الحوار السلمي لبناء سوريا ديمقراطية تعددية، تضمن حقوق جميع السوريين من دون أي شكل من أشكال التمييز. ودعت كافة القوى السياسية إلى التعاون وفتح صفحة جديدة تخدم مصالح الجميع، مؤكدة استعدادها للحوار ومد يدها لكافة الأطراف لرسم مستقبل أفضل للبلاد، على حد قولها.

دعوات الحوار هذه يراها كثير من المراقبين محاولة من "قسد"، للتعامل مع سلطة الأمر الواقع لتحقيق أكبر قدر من المكتسبات، خاصة وأن "قسد" ذاتها كانت توجه دعوات الحوار ذاتها للنظام السوري البائد، وآخرها كان في شهر تموز من العام الجاري، والتي جاءت على لسان نائب الرئاسة المشتركة لما يُسمى بمجلس سوريا الديمقراطية (مسد) المدعو ”حسن كوجر” الذي ذكر أن "قسد" منفتحة على الحوار مع النظام السوري السابق، وهي مستعدة للاتفاق معها وتحرير ما أسماها بالأراضي المحتلة في إشارة للشمال السوري.

وأمام هذا الواقع الجديد في سوريا يرى الباحث المختص في تطورات الشرق السوري سامر الأحمد أن الخيار الحقيقي أمام "قسد" هو فتح حوار مستعجل مع دمشق وإرسال وفود ومحاولة أخذ ما يمكن تحصيله من مكاسب في ضوء الواقع الجديد.

إلا أن الأحمد يرى في حديثه مع موقع تلفزيون سوريا أن التواصل بين "قسد" والسلطة الحالية في دمشق يبدو صعباً، إذ لا يستطيع أحمد الشرع (الجولاني) إعطاء أي تعهدات أو وعود لـ"قسد" مقابل علاقته مع تركيا، التي كانت الداعم الرئيس له.

يشار إلى أن المتابع لسلوك أنقرة يعرف أنها لا تتهاون بأي شكل مع مسألة التقارب أو التواصل بين الفصائل التي كانت تخضع لإدارتها في الشمال السوري ومع "قسد" والتي تعتبرها خطرا يهدد أمنها القومي بعد أن كلفها ثلاث عمليات عسكرية واسعة النطاق.

انتفاضة شعبية ضد "قسد" بعد سقوط النظام

بعد سيطرة المعارضة السورية على دمشق، وإسقاط نظام بشار الأسد شهدت مناطق سيطرة قوات "قسد" احتجاجات شعبية واسعة تطالب بطرد هذه الميليشيا، ودخول قوات "ردع العدوان" بدلاً منها.

من ناحيتها واجهت قوات "قسد" هذه الاحتجاجات بالعنف وإطلاق الرصاص على المدنيين، فقد ذكرت شبكات إخبارية محلية أن عناصر من "قسد" أطلقوا النار على أهالي مسكنة في أثناء محاولتهم منع العناصر من سرقة محطة المياه والفرن الآلي، مما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص.

من ناحيتها أكدت مصادر محلية في مدينة مسكنة لموقع "تلفزيون سوريا" أن عناصر "قسد" سرقوا محطات كهربائية من عدة قرى في ريف مسكنة، إضافة إلى سرقة أفران ومحطات مياه، وذلك قبل أن يتمكن الأهالي من السيطرة على النقاط العسكرية بعد انسحاب "قسد" منها.

إلى جانب ذلك شهدت محافظتي الرقة ودير الزور عدداً من المظاهرات خلال اليومين الماضيين، إذ أفادت مواقع إخبارية محلية بمقتل 3 مدنيين وجرح آخرين برصاص قناصين في مدينة، في أثناء تفريق "قسد" لمظاهرة كانت تطالب قوات "ردع العدوان" بالدخول إلى المدينة.

وفي هذا السياق يؤكد علي تمي الباحث في الشأن الكردي أن "قسد" خسرت حاضنتها داخل المجتمع بسبب دفع الناس للتهجير وتنفيذ الاعتقالات والتضييق على الناس كل هذا شكل احتقان غير طبيعي جاهز للانفجار بأي لحظة.

ويشير تمي في حديثه مع موقع تلفزيون سوريا أن "قسد" عليها أن تغادر قبل فوات الأوان، وهي لا تمتلك في دير الزور والحسكة والرقة قاعدة شعبية ولا حاضنات اجتماعية، وبات واضحاً أن السكان في تلك المناطق باتوا ينتظرون قدوم قوات "ردع العدوان" لعلها تتخلص من منظومة "قسد" الفاسدة.

 ودخلت "قسد" إلى دير الزور، يوم الجمعة الماضي، بعد انسحاب جيش النظام السوري من مناطق واقعة تحت سيطرته هناك، لتسيطر تلك القوات المدعومة من الولايات المتحدة على معظم مساحة المحافظة الحدودية مع العراق ومعبر البوكمال الحدودي.

هل تخضع "قسد" للسلطة الجديدة في سوريا

بعد دخول فصائل المعارضة المسلحة إلى منطقة الساحل السوري إثر عملية "ردع العدوان"، وهي المنطقة التي كانت تحفها كثير من المحاذير الطائفية والعسكرية، كونها تمثل مسقط رأس الرئيس المخلوع، ومركز حاضنته الشعبية، بدا واضحاً أن المعارضة المسلحة تصر على فرض سيطرتها على كل الجغرافيا السورية، وهنا تأتي معضلة وجود "قسد" التي تسيطر على مساحات واسعة في الشرق السوري، تمثل الخزان الغذائي والعصب الاقتصادي لسوريا بما تحويه من ثروات باطنية.

وأمام رغبة المعارضة هذه تبدو خيارات "قسد" محدودة جداً، وهذا يبرر العنف الذي لجأت إليه خلال الساعات الماضية، ويبرر حملات التجنيد والتعبئة الكبيرة أيضاً التي تمارسها في الجزيرة السورية، وذلك بحسب الباحث سامر الأحمد.

وعن احتمالية أن تلجأ "قسد" إلى المواجهة يقول الأحمد إن محاولة قوات "قسد" وتلويحها بفتح معركة سيكون مكلفا للمنطقة ولـ"قسد" أكثر؛ لأن هذه المرة ستشهد زحف عشرات آلاف المقاتلين السوريين من مناطق سيطرة الدولة السورية الجديدة بدعم وغطاء جوي تركي، ضد "ميليشيا" محاصرة لا تمتلك خطوط إمداد أو دعم وهذا كله يضعها في موقف حرج.

 وكانت إدارة العمليات العسكرية أعلنت مساء الثلاثاء، سيطرتها الكاملة على مدينة دير الزور بما في ذلك المطار العسكري، وذلك بعد انسحاب قوات النظام والميليشيات الإيرانية من المنطقة.

وفي تصريح للمقدم حسن عبد الغني، أوضح أن "القوات تمكنت من تحرير ريف دير الزور الشرقي والغربي بعد انسحاب "قسد" وقوات النظام"، مضيفا أن "المدينة ومطارها العسكري أصبحا محررين بشكل كامل".

خيارات محدودة لـ"قسد"

مع سقوط النظام، وانكفاء الدور الروسي والإيراني، وسيطرة المعارضة السورية على دمشق، وتأكيدها على وحدة سوريا، من خلال توجيه خطاب وطني جامع، قدّمت فيه تطمينات إلى كل الطوائف والأعراق في سوريا، أمام هذا كله يرى مراقبون أن خيارات "قسد" باتت ضيقة في سوريا.

ويزيد الأمر تعقيداً أيضاً فوز الرئيس ترمب بالانتخابات الأميركية، وهو الذي هدد بسحب قوات بلاده من شرقي الفرات خلال فترة رئاسته الأولى، وهذا ما ترغب به أنقرة، التي عبرت عن تفاؤلها بأن يقوم ترمب بهذه الخطوة بعد وصوله إلى البيت الأبيض.

وتقوم استراتيجية "قسد" بحسب الباحث سامر الأحمد على تضارب المصالح وتعدد أطراف الصراع، فسابقا كانت تنحاز إلى روسيا عندما ترى برودا أميركيا، أو إلى أميركا عندما يكون هناك ضغط من النظام وروسيا.

ويتابع الباحث الأحمد أما الآن فالوضع مختلف، إذ لا يوجد روسيا ولا إيران، ومن غير المتوقع أن تبقى إدارة ترمب في سوريا بعد هذه التغييرات، وخاصة بعد التخلص من التمدد الإيراني، والسلطة الجديدة في دمشق يبدو أنها ستكون قادرة على مكافحة تنظيم داعش، لذلك موقف "قسد" محرج، ويتمثل بالتفاوض مع السلطة الجديدة في سوريا، وتتوصل لاتفاق قد يضمن لها شيئا من المشاركة في السلطة.

من ناحيته يرى الباحث بالشأن الكردي علي تمي أن الواقع الجغرافي والسياسي اختلف بالنسبة لـ"قسد" بعد عملية "ردع العدوان"، فبالإضافة إلى تركيا التي تحدها من الغرب، وإقليم كردستان الذي تُظهر "قسد" عداءها له من الشرق، باتت تحدها من الجنوب والغرب سلطة جديدة في دمشق مدعومة أيضا من تركيا.

 وينوه تمي أن مهمة قيادات "قسد" وعلى رأسهم مظلوم عبدي الذي هو جزء من منظومة حزب "العمال الكردستاني" المدعومة من إيران، المتمثلة بضرب خاصرة الثورة السورية قد انتهت، ولا مخرج أمام هذه القيادات إلا الرحيل إلى جبال قنديل قبل فوات الأوان.