icon
التغطية الحية

ما غاية هيئة تحرير الشام من التصعيد الإعلامي ضد جيش الإسلام؟

2022.05.09 | 07:30 دمشق

80076190-721f-45d7-b240-5a53c5813bdd.jpg
إدلب - ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

بدأت "هيئة تحرير الشام" مطلع شهر أيار الجاري حملة إعلامية منظّمة ضد "جيش الإسلام" العامل ضمن الفيلق الثالث في الجيش الوطني السوري، بذريعة أن الجيش استغل زيارة بعض عناصر الهيئة إلى منطقة "غصن الزيتون" شمالي حلب في فترة عيد الفطر، لبدء حملة أمنية بهدف اعتقال أفراد الهيئة قبل عودتهم إلى إدلب.

واشتهر الصراع بين "تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) وجيش الإسلام، منذ أن كانا في منطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق، حيث اندلعت مواجهات دامية بين الطرفين استمرت لسنوات، حتى اتفاق التسوية والتهجير في المنطقة عام 2018، وخروج جيش الإسلام وما تبقى من الهيئة إلى الشمال السوري.

ومنذ ذلك الوقت يخشى سكان شمال غربي سوريا من تجدد المواجهات بين الجانبين في المنطقة، في محاولة من الهيئة للانتقام لخسائرها في الغوطة الشرقية على يد جيش الإسلام، وعادت هذه المخاوف إلى الواجهة مجدداً في ضوء حملة إعلامية مكثفة بدأها الإعلام غير الرسمي للهيئة ضد جيش الإسلام، مشابهة لتلك الحملات التي كانت تُطلق ضد فصائل تريد تحرير الشام القضاء عليها، مثلما حصل مع فصيل "حركة نور الدين زنكي" عام 2019 غربي حلب.

أجواء متوترة وهجمات إعلامية متبادلة

تسود أجواء من التوتر بين الفصيلين في الشمال السوري منذ عام 2018 دون تسجيل اشتباكات مسلحة نظراً لعدم تشارك الطرفين للسيطرة في أي منطقة، إذ تسيطر الهيئة على محافظة إدلب، في حين يتركز وجود جيش الإسلام في ريف حلب الشمالي والشرقي، وتحديداً في مدينتي عفرين والباب.

وخلال تهجير سكان الغوطة الشرقية، توجه فصيل جيش الإسلام إلى منطقة ريف حلب الشمالي بشكل مباشر، وقال الجيش حينذاك إن الإجراء يهدف إلى تجنب الدخول إلى إدلب، والاحتكاك مع "جبهة النصرة"، والتي كانت بدورها تحرّض في ذلك الوقت على الجيش، وتتوعد بالانتقام منه، بسبب قتاله لفرع الجبهة في الغوطة.

وتجدد التوتر في عام 2019، بعد اتهام جيش الإسلام للهيئة بمنع دخوله إلى إدلب للمشاركة في صد الهجمات الروسية ضد المحافظة، إذ قال المتحدث باسم الجيش حمزة بيرقدار: "أهلنا في إدلب وحماة، يا من تتعرضون لحملة بربرية من ميليشيات الأسد وحليفه الروسي، ما تركنا سبيلاً للوصول إليكم والذود عنكم (..) إن هناك قوماً من أبناء جلدتنا جنَّدتهم المخابرات العالمية حالوا دون وصولنا مع إخواننا من فصائل الجيش الحر إليكم ونصرتكم"، في إشارة منه إلى هيئة تحرير الشام.

تشكيل الفيلق الثالث يزعج "تحرير الشام"

أعلنت 6 فصائل في الجيش الوطني السوري، تشرين الأول العام الماضي، عن الاندماج تحت اسم الفيلق الثالث، وكانت الجبهة الشامية وجيش الإسلام من أبرز الفصائل الموجودة ضمن التشكيل، حيث تم تعيين قائد "الشامية" أبو أحمد نور قائداً للفيلق، بينما عُيّن عصام بويضاني (قائد جيش الإسلام) نائباً له.

وقبل تشكيل الفيلق الثالث، بدت الهيئة منفتحة على التعاون العسكري والأمني والاقتصادي مع الجيش الوطني، وسرعان ما تطورت العلاقة، إذ أبدى قائد تحرير الشام أبو محمد الجولاني في آب/أغسطس الماضي استعدادهم للاندماج مع الجيش الوطني، وتشكيل إدارة موحدة لمنطقتي السيطرة.

خلال هذه الفترة، حاولت هيئة تحرير الشام التعويل على "الجبهة الشامية" ولاحقاً غرفة القيادة الموحدة "عزم" للتوسع في شمالي حلب، وبعثت برسائل إيجابية تدل على رغبتها "الصادقة" بالتعاون مع الجيش الوطني، لكن قادة "عزم" أكدوا في شهر أيلول/سبتمبر الماضي خلال لقاء مع عدد من الصحفيين، عدم وجود أي تواصل مع تحرير الشام.

وأصبح قادة تحرير الشام أكثر دبلوماسية خلال حديثهم عن الجيش الوطني، وفي 11 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وجه القيادي في الهيئة أبو ماريا القحطاني، نصيحة لقيادة عزم، ووصفهم بـ "الإخوة"، لإسكات الشرعي في جيش الإسلام أبو عبد الرحمن كعكة، بعد أن نشر تغريدة على تويتر "لعن فيها الجولاني وكل من عاونه ولو بكلمة أو فتوى أو دعمه أو صحح مذهبه أو طبل له أو رقع له".

بعد أسبوع واحد من نصيحة "القحطاني"، أعلنت غرفة "عزم" اندماج "الجبهة الشامية"، و"جيش الإسلام"، و"فيلق المجد"، و"الفرقة 51"، و"فرقة ملكشاه"، و"لواء السلام"، تحت مسمى "الفيلق الثالث".

وأعرب عدد من الشرعيين المناهضين لـ "هيئة تحرير الشام" عن فرحتهم بالاندماج، معتبرين أنه قطع الطريق على الهيئة في التوغل ضمن مناطق سيطرة الجيش الوطني، لكون ذلك يعتبر مرفوضاً من جيش الإسلام، لما يشكل عليه من مخاطر مستقبلاً.

وأوضح الباحث عبد الوهاب عاصي حينذاك أن الاندماج ضمن الفيلق الثالث، شكل مخاوف جدّية لدى هيئة تحرير الشام، من تماسك أكبر للفصائل والحالة العسكرية في شمالي حلب، مضيفاً خلال مشاركته في برنامج "سوريا اليوم" على تلفزيون سوريا، أن هيئة تحرير الشام تشعر أن المشهد العسكري في شمالي حلب بدأ يشكل خطراً حقيقياً لها، لا سيما أن حركة أحرار الشام التي تعرضت لانقسام، ذهب جزء منها نحو غرفة القيادة الموحدة عزم.

اتهامات لجيش الإسلام وربط اسمه بمجزرة التضامن

اتبعت وسائل الإعلام الرديفة التابعة لهيئة تحرير الشام عدة مسارات ضمن حملتها الإعلامية ضد جيش الإسلام مع بدء الشهر الجاري، حيث اتهمته بالتخطيط لتنفيذ عمليات اغتيال واعتقال بحق عناصر يتعاملون مع الهيئة في ريف حلب، واتهمته بحماية عنصرين كانا من المشاركين في مجزرة التضامن في دمشق عام 2013.

واتهم إعلام الهيئة، جيش الإسلام بحشد أمنييه لشن حملة اعتقال بحق كل من له صلة مع تحرير الشام في غصن الزيتون أو درع الفرات بريف حلب، مضيفاً: "اليوم يبدأ مشروع جيش الإسلام ضد المجاهدين في مناطق سيطرته ليمتلك زمام المنطقة بشكل كامل ويبدأ مشروع تسليمه لمناطق درع الفرات وغصن الزيتون كما فعل بالغوطة بعد قتاله الفصائل وتسليم المنطقة والسلاح للمحتل الروسي"، حسب وصفه.

وعممت الهيئة رسالة على مجموعاتها، مضمونها: "حياكم الله يا إخوة، غدا كل الإخوة بالشمال يجب أن يعودوا إلى المحرر (إدلب)، بشكل مدني، هناك حملة من جيش الإسلام على المنطقة لاعتقال الإخوة، يجب التبليغ والمغادرة".

وسبق أن قال القيادي في الهيئة، أبو ماريا القحطاني، على قناته في تطبيق تليغرام: "الخبيث كعكة (شرعي في جيش الإسلام) يحرض بالليل والنهار على قتال الهيئة، وليستحي هذا المجرم عندما عرض جيشه أن يكون مخفر شرطة مع الروس والنصيرية ولكنهم رفضوهم ولم يقبلوا بهم، وليته يبين مصير إخواننا من المهاجرين والأنصار الذين أسرهم عنده فهل قتلهم أم سلمهم للنظام النصيري كي يقبله بمخفر شرطة في دوما؟" وفق قوله.

ورداً على اتهامات الهيئة، قال القيادي في الجيش الوطني الفاروق أبو بكر: "ذباب النصرة الإلكتروني وإعلامها الرديف يأزون أز الشياطين بالتحريض على فصائل الشمال ويختلقون الذرائع ويمهدون لصناعة رأي عام يبرر لهم دخولهم للشمال، والذريعة اليوم جيش الإسلام.. فهل ستتعظ فصائل الشمال وتقف وقفة واحدة بخندق واحد في وجه مشروعهم الإجرامي وخطتهم الخبيثة أم سيكون مصيرهم مصير الفصائل السابقة؟".

لماذا جيش الإسلام دون غيره؟

في السابق كانت هيئة تحرير الشام تتذرع بـ "الفساد" لمهاجمة أي فصيل في إدلب والقضاء عليه، إلا أن الهيئة ركزت في حملتها الإعلامية تجاه جيش الإسلام على دعوى التخطيط لأعمال "عدائية" ضدها، دون التطرق لفصائل أخرى كانت الهيئة قد قاتلتها وأجبرتها على الخروج من إدلب.

وقال نائب مدير المكتب الإعلامي في الفيلق الثالث، حمزة بيرقدار، إنه "بعد التقدم بخطوات ناجحة في اندماج عدة فصائل ضمن الفيلق الثالث والذي أصبح قوة كبيرة على مستوى المحرر، لم يَرُق لهيئة تحرير الشام ذلك، وتعمل جاهدة على إفشال هذا الاندماج والطعن بمكوناته ومحاولة تشويه تضحياتهم وجهودهم".

وأضاف في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن "جبهة النصرة ما زالت تتبع نفس السياسة بالترويج الإعلامي لأكاذيب واتهامات باطلة وأخبار مضللة لتحريض الحاضنة ضد الفيلق الثالث أو محاولة منها لصرف النظر عن نوايا خبيثة تعمل على تنفيذها".

وأشار إلى أن الفيلق الثالث لم يعتقل أحداً من عناصر هيئة تحرير الشام، موضحاً أن ما يتم نشره بهذا الخصوص "محض كذب وافتراء، الهدف منه إحداث توتر داخلي".

من جهته، رأى مصدر مطلع على حوادث التوتر بين الطرفين، أن "الأمر غير متعلق بجيش الإسلام أبداً، بل إن هيئة تحرير الشام تهدف لإنهاء وجود أو قوة الشامية وجيش الإسلام، وفرض سطوتها على منطقة شمال غربي سوريا بالكامل"، وتحاول من خلال "شيطنة جيش الإسلام إيجاد المبرر الأخلاقي والشرعي لبدء أي هجوم".

ورجح المصدر أن تتبع الهيئة وسائل محددة ومكررة، في التعامل مع جيش الإسلام، مثل حشد صفوفها، وشيطنة الخصم وإبراز عيوبه، وإعداد الخطة العسكرية والأمنية وتخريج المعسكرات، وتفكيك الخصم، وتحييد الكثير من الفصائل، واستغلال الخوف والأحقاد بينهم، والاعتماد على ضعف الطرف المقابل وغفلته.

ويعتقد المصدر أن التصعيد الإعلامي ضد جيش الإسلام له أكثر من سبب، فمن ناحية يُعتبر تحالف جيش الإسلام والجبهة الشامية ضربة لتغلغل الهيئة في ريف حلب الشمالي، ومن ناحية أخرى ترى الهيئة أن جيش الإسلام هدف سهل يمكن الهجوم عليه نظراً لما ينسب إليه من تجاوزات وأخطاء سابقة، واستغلال رفض شرائح من أبناء الغوطة الشرقية المقيمين في غصن الزيتون، للجيش.

الغرض من الحملة الإعلامية

ذكر الباحث في مركز الحوار السوري، أحمد قربي، أن هيئة تحرير الشام تحاول توظيف أي حدث من أجل استهداف سمعة جيش الإسلام، بسبب الخلاف المنهجي بينهما، مضيفاً أن لدى الهيئة أطماع سلطوية لمد نفوذها إلى ريف حلب، لكنه استبعد حدوث شيء من هذا القبيل قريباً، لأن الدخول إلى هذه المنطقة لا يخضع لاعتبارات الفصائل، بقدر ما يخضع لتوافقات دولية وإقليمية.

من جهته أفاد الباحث السوري فراس فحام، بأن منطقة شمالي حلب تعد هدفاً استراتيجياً بالنسبة لهيئة تحرير الشام، للاستفادة من الموارد الاقتصادية والمعابر، ولما للمنطقة من أهمية سياسية لكونها خاضعة لتفاهمات دولية، بالتالي إيجاد بديل عن إدلب في حال تعرضها لأي تهديد.

وأضاف فحام في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن هيئة تحرير الشام تسعى بشكل دائم لحشد أنصارها حول فكرة معينة في ظل هدوء المعارك، تجنباً لأي تفكك داخلي، وأن يكون كوادر الهيئة في حالة انشغال وعمل دائمة.

هل يتطور الأمر لاقتتال؟

لم يستبعد حمزة بيرقدار تحضير هيئة تحرير الشام لعمل عسكري للتوسع شمالاً، قائلاً: "لو رجعنا بالذاكرة قليلاً نجد أن كل الفصائل التي بغت عليها جبهة النصرة والتي زادت عن 20 فصيلاً قاتلتهم ونهبت سلاحهم وعتادهم ومقارهم وقتلت قادتهم وعناصرهم، في كل مرة يسبق ذلك البغي أو الاعتداء حملة إعلامية تختلق فيها الأكاذيب وتلفق التهم وتحرض وتجيش، لجعل ذلك مبرراً لقتال تلك الفصائل".

وأما الباحث أحمد قربي، فقد أشار في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، إلى عدم وجود مؤشرات على اندلاع قتال بين الفصائل بمنطقتي إدلب وريف حلب، ما يعني أن الحملات الإعلامية تبقى في سياق توظيف الأحداث من قبل الهيئة ضد جيش الإسلام، والعكس، لكون كل طرف منهما، يرى الآخر بمثابة التهديد والعدو له.

وكان القيادي في الفيلق الثالث "أبو عمر الهاشمي"، قد دعا على تويتر المتنفذين في "هيئة تحرير الشام" إلى "الكف عن افتعال المشكلات وتأجيج العداوات والافتراء على الآخرين وسوق الذرائع المضللة التي من شأنها زيادة التوتر ودفع المنطقة نحو عدم الاستقرار"، محذراً من أن أي "اعتداء جديد قد يدخل المنطقة المحررة كلها في أتون اقتتال لن يستفيد منه سوى العدو".

ولم تعلق هيئة تحرير الشام رسمياً على حملة التصعيد الإعلامية ضد جيش الإسلام، لكن القيادي فيها أبو ماريا القحطاني، ذكر في منشور له أن "مد الجسور والتواصل مع أبناء الأمة الواحدة واجب على العقلاء، وأنه لا بد من نبذ الفرقة وطي صفحات الماضي، فالمرحلة هي مرحلة تلاحم وتراحم".
يذكر أن مصادر إعلامية مقربة من هيئة تحرير الشام، أوردت أنباء عن عقد جلسة بين هيئة تحرير الشام والجبهة الشامية، يوم الأحد، بحضور قادة من جيش الإسلام، والتوصل إلى اتفاق ينص على وقف "التراشق الإعلامي"، إلا أن حمزة بيرقدار أكد أن الأنباء هذه لا أساس لها من الصحة.