icon
التغطية الحية

ما حقيقة التخطيط لافتتاح مكاتب للأمم المتحدة في الشمال السوري وما أبعاد الخطوة؟

2023.03.19 | 18:57 دمشق

سيارات تابعة للأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري (أرشيفية/AP)
سيارات تابعة للأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري (أرشيفية/AP)
إسطنبول - ديانا رحيمة
+A
حجم الخط
-A

بعد مضي اثني عشر عاماً على اندلاع الثورة السورية ونزوح وتهجير ملايين السوريين من عدة محافظات سوريّة إلى شمال غربي سوريا، وبعد أعوام من استغلال وتسييس النظام لعبور قوافل الأمم المتحدة من المناطق الواقعة تحت سيطرته إلى مناطق المعارضة حيث يعيش أكثر من أربعة ملايين سوري في أوضاع إنسانية وصفتها تقارير أممية بـ "المزرية"، تخطط الأمم المتحدة لفتح مكاتب لها في الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام.

ولم يتم الإعلان عن نوايا الأمم المتحدة في إنشاء مكاتب لها في الشمال ببيان أو تصريح رسمي من قبل أحد مسؤوليها، وعليه تواصل موقع تلفزيون سوريا، مع مكتب الأمم المتحدة عبر المراسلة الإلكترونية لمعرفة التفاصيل حول عدم الإعلان عن هذه الخطط والاجتماعات غير المعلنة دون الحصول على رد حتى ساعة كتابة التقرير.

كما تواصل موقع تلفزيون سوريا مع كل من الحكومة المؤقتة والمنظمات التي قابلها وفد الأمم المتحدة في مدينة غازي عنتاب للتشاور في إمكانية تنفيذ هذه الخطوة.

الحكومة المؤقتة تؤكد التشاور دون إرسال طلب رسمي

حول افتتاح مكاتب تتبع للأمم المتحدة في الشمال السوري، رئيس الحكومة المؤقتة، عبد الرحمن مصطفى، قال في حديث لـ موقع تلفزيون سوريا، لم نتلق حتى الآن أي طلب رسمي، واقتصر الأمر على مجرد نقاش دار منذ أسابيع خلال الاجتماعات بعد التحديات والخلل الحاصل في عملية إدخال المساعدات إلى مناطق الشمال السوري، حيث كان هناك بحث حول ضرورة وجود جهة مركزية في الشمال السوري لتنسيق عملية تسليم المساعدات، ولكن حتى الآن لم يصلنا أي طلب رسمي بذلك من الأمم المتحدة".

وحول احتمالية تقديم ضمانات من قبل الوفد بخصوص اتفاق مع النظام على ضمان إبقاء المعابر الداخلية والحدودية وفتح المزيد من المعابر الحدودية، أوضح مصطفى أن عملية إدخال المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري عن طريق المعابر الحدودية، هي واجب في الأساس على المجتمع الدولي.

وتابع أن كارثة الزلزال جاءت كمثال واقعي جديد ومؤلم لتكشف عن ضرورة افتتاح جميع المعابر الحدودية لتسهيل عملية إدخال المساعدات دون قيد أو شرط، فلا يجوز أن تقف المصالح السياسية عائقاً أمام هذه المهمة الإنسانية، وتعزيز إيصال المساعدات عبرها للمناطق السورية بشكل مباشر.

وأكد مصطفى أنه ليس لدى الحكومة المؤقتة أية ثقة بالنظام لأنه ومن دون أدنى شك لا يأبه لمعاناة الشعب السوري وهو المسؤول عن كل ما حصل في البلاد من موت ودمار حتى وصلت الأحوال إلى هذه الدرجة من المأساوية.

ولفت إلى أن النظام يحاول استغلال عملية إدخال المساعدات عن طريقه سعياً منه لإعادة تأهيله وشرعنة دوره من جهة وليتاح له المزيد من وسائل السيطرة على المساعدات المقدمة للشعب السوري وتحويلها لدعم إلى آلة الحرب مستعيناً بواجهات مدنية كـ "الهلال الأحمر السوري" و"الأمانة السورية للتنمية". 

وشدد على ضرورة إيجاد آلية دولية تضع حداً لنهب "نظام الأسد وميليشياته للمساعدات الإنسانية المقدمة للشعب السوري ووقف مهزلة تمويله من خلال المليارات المقدمة"، والذي اعتبر أنه ليس "ادعاء من قبل قوى الثورة بل حقيقة شاخصة تم الكشف عنها عبر مراكز ودراسات وتحقيقيات محايدة وموثوقة" بحسب قوله.

وحول احتمالية مشاركة منظمة "الهلال الأحمر السوري" في مكاتب الأمم المتحدة التي يحتمل أن تفتتح في الشمال السوري، وموقف المؤقتة من ذلك، قال مصطفى إن منظمة الهلال لم تعد مجرد منظمة مسيطر عليها من النظام السوري، بل أصبحت في نظر السوريين أحد الأجهزة الأمنية له تؤدي دوراً ذا طبيعة مختلفة لكنه يتضمن على سبيل المثال كتابة التقارير الأمنية وتأمين الأموال والخدمات والمواد لعناصر النظام في مقابل معاقبة باقي السوريين، وأصبحت بذلك منظمة مخابراتية يتعاون موظفوها مع ضباط المخابرات لسرقة المساعدات الإنسانية، وهو ما جرى توثيقه لمرات عديدة"، وبالتالي فهي "ليست محلاً للثقة بالنسبة لنا ولا نعتبرها تمارس دوراً إنسانياً محايداً.

وكانت صحيفة "فايننشال تايمز" تحدثت في تقرير لها عن تورط الأمم المتحدة بتوظيف ابنة مدير إدارة المخابرات العامة في حكومة النظام السوري، حسام لوقا، المعاقب دولياً بتهمة ارتكابه انتهاكات لحقوق الإنسان.

وبحسب ما قاله أربعة أشخاص يعملون في المجال الإغاثي لـ "فايننشال تايمز"، فإن ابنة لوقا تعمل لدى مكتب الصندوق المركزي للاستجابة للطوارئ التابع للأمم المتحدة في دمشق، وهذه الوكالة الأممية هي عبارة عن صندوق للطوارئ يقدم الاستجابة العاجلة عند وقوع كوارث طبيعية ونزاعات مسلحة.

ويتوجب على هيئات الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية أن تعمل بالشراكة مع وكالات وهيئات تابعة لحكومة النظام بحسب ما قاله عاملون في مجال الإغاثة وخبراء متخصصون للصحيفة.

ومن أهم تلك المنظمات المرتبطة بالنظام، منظمة "الهلال الأحمر"، بإدارة خالد حبوباتي، وهو شخصية مقربة من الأسد، ويليه منظمة "الأمانة السورية للتنمية"، والتي تديرها زوجة رئيس النظام السوري أسماء الأسد.

ويرى مصطفى أنه يمكن للوكالات الأممية أن تلعب دوراً أساسياً في الملف الإنساني بالتنسيق مع المؤسسات الموجودة في الشمال السوري لإدخال المساعدات الإنسانية وتوزيعها وأردف "نحن منفتحون للتعاون مع المؤسسات الأممية ونقوم بواجبنا بتذليل كل الصعوبات إن وجدت يداً بيد مع القوى المدنية والمجتمعية المعنية الأخرى".

مخاوف المنظمات من تسييس المساعدات لصالح النظام

مديرة المناصرة في منظمة "حراس" المعنية بحماية الطفل السوري، ليلى حسو، قالت لموقع تلفزيون سوريا، إن وفداً من الأمم المتحدة التقى بعدد من المنظمات الموجودة في مدينة غازي عنتاب بعد مضي ما يقارب الأسبوعين من الزلزال، حيث بدأ مكتب الأمم المتحدة (الأوبشا) بعقد عدة اجتماعات مع عدد من المنظمات السورية.

وكان فحوى الاجتماعات هو عن دخول الأمم المتحدة لسوريا، وكان هنالك ترحيب بالفكرة من قبل المنظمات المشاركة بشرط الإجابة عن تساؤلاتهم بسبب توقيت فتح المكاتب الآن والتبعية القانونية لها، ولكن لم يتم الإجابة عن تساؤلات المنظمات من قبل "الأوتشا" والمتعلقة تحديداً بالتبعية القانونية لهذه المكاتب فيما إذا كانت ستشارك المعلومات مع دمشق أم لا.

وتساءلت حسو أنه في حال انتهاء فترة الأشهر الثلاثة المحددة بين الأمم المتحدة والنظام السوري وبعدها قرر النظام عدم تجديد الموافقة بدخول الأمم المتحدة فماذا سيكون مصير تلك المكاتب؟ 

ولفتت إلى أن جميع المنظمات ترحب بفتح المكاتب في الشمال إذا ما كانت تبعيتها لا ترجع إلى النظام السوري، وإذا وافقت الأمم المتحدة على فتح المكاتب وتسيير أعمالها عبر الخطوط فسيضغط النظام لإغلاق المعابر الحدودية بشكل مؤكد.

وكان للنظام تجارب سابقة من السرقات عبر الخطوط كما حصل سابقاً في الغوطة الشرقية، بحسب حسو.

وتابعت أن كل الدعم المقدم لبناء المنظمات والمجتمع المدني وبناء قدراتهم كمنظمات عمل إنساني سيذهب هباءً لأن النظام إذا قرر العمل عبر الخطوط لن يوافق على التعاون مع أي منظمة سورية كانت تعمل في المناطق الخارجة عن سيطرته، وسيكون اعتماده على المنظمات التابعة له والتي لا تتمتع بالاستقلالية عنه.

ومن جانبه، يرى المدير التنفيذي لمؤسسة "بوصلة للتنمية والإبداع"، حسان جنيدي، أن المخاوف تتعلق بأنها خطوة لإنهاء عمليات عبر الحدود، وتحويل التنسيق بين دمشق والداخل السوري، بحيث تصبح كل عمليات الأمم المتحدة تحت رحمة "الأسد"، وفي هذه الحالة فإن عملية إغلاق المعابر تصبح مسألة وقت، "كما يحصل الآن في مكاتب الأمم المتحدة في القامشلي، والتي تحصر كل عملها بما تسمح له مكاتب دمشق".

وإن أكبر خطر بعد فتح المكاتب في الداخل السوري، بحسب جنيدي، هو أن تدعي روسيا أنه لا داعي لقرار تمديد إيصال المساعدات عبر الحدود، وبالتالي إنهاء تجديد القرار.

أبعاد الخطوة

الطبيب والناشط في المجال الإنساني، محمد كتوب، أوضح أن المشكلة الرئيسية هي انعدام الشفافية من قبل الأمم المتحدة، وبالتالي فإن خطوة الأمم المتحدة في فتح مكاتب لها في الشمال السوري في حال حافظت على إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود ولم تعتمد على طلب الإذن من النظام السوري للعمليات فستكون خطوة إيجابية وستعزز الاستجابة محلياً.

 ولكن إن كانت خطوة باتجاه تعزيز سلطة النظام على المساعدات وتعتمد على الموافقة من النظام فستكون سلبية جداً لأنها ستعني سيطرة النظام على الاستجابة في مناطق شمال غربي سوريا. 

وضرب كتوب مثلاً بذلك مكاتب الأمم المتحدة في مدينة القامشلي ووصفها بالـ الضعيفة وبالكاد يصل شيء منها لشمال شرقي سوريا، فإذا تبعت هذه المكاتب دمشق في المستقبل فستؤدي إلى النتيجة نفسها.

وتسبب الزلزال المدمر الذي ضرب في 6 من شباط الماضي، جنوبي تركيا وشمالي سوريا، بمقتل عشرات الآلاف وتشريد الملايين، وخلال الأسبوع الأول للكارثة عانى شمال غربي سوريا من تباطؤ في الاستجابة الدولية لإغاثة المتضررين ما تسبب بتفاقم الأزمة. 

وكان النظام السوري وافق على فتح معبرين إضافيين بين تركيا وشمال غربي سوريا، لإدخال المساعدات الإنسانية إلى المتضررين من الزلزال شمالي البلاد، بعد مضي أكثر من أسبوع على الكارثة التي تسببت بخسائر بشرية ومادية هائلة.

وفي 13 من شباط الماضي، كان منسق الأمم المتحدة للمساعدات، مارتن غريفيث، أبلغ أعضاء مجلس الأمن بموافقة النظام السوري على فتح معبري باب السلامة والراعي الحدوديين بين تركيا وشمال غربي سوريا، لمدة 3 أشهر فقط، من أجل إيصال المساعدات.

وفي 6 من آذار الحالي، قال خبراء قانونيون لـ "BBC"، إن "تأخُّر الأمم المتحدة في توصيل مواد إغاثية إلى الضحايا السوريين جراء الزلزال المدمر الذي ضرب شمالي بلادهم وجنوبي تركيا الشهر الماضي، لم يكن مبرراً".

وأضاف الخبراء أن الأمم المتحدة لم تكن بحاجة إلى انتظار إذن بالدخول من حكومة النظام السوري ولا إلى قرار من مجلس الأمن، وأنه كان أولى بها الاحتكام للقانون الدولي عبر تفسير أكثر رحابة لنصوصه.