ما بين فشل جنيف وأستانا

2021.02.20 | 00:01 دمشق

420157193359.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم يعد السوريون يكترثون كثيرا بالمؤتمرات التي تعقد من أجل قضيتهم، ربما لأنهم أدركوا نفاقها وكذبها، أو ربما لأنهم يعرفون أنها لم تعقد من أجلهم وأنها لن تغير من طبيعة حياتهم شيئا، فهي لن تؤمن سقفا للملايين الذين هجرهم الأسد من بيوتهم ولن تؤمن طعاما للملايين الذين يرفض الأسد الاعتراف بوجودهم.

أشار تقرير برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في تقريره الأخير أن 12 مليونا و400 ألف شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي

يشعر السوريون أنهم في قاع حضيض لا أحد يكترث لألمهم ولا بواكي لموتاهم، يشعرون أنهم يعيشون خارج هذا العالم الذي من حولهم، ومنذ اعتراف العالم بالدولة كوحدة سياسية وحيدة فإن دولتهم كما الشعب الفلسطيني تماما لا وجود لها أو بالأحرى هم يخافون من الذهاب إليها أو الانتساب لهاـ لأنها تسبب لهم كثيرا من الوجع والألم.

أشار تقرير برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في تقريره الأخير أن 12 مليونا و400 ألف شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، هذا يمثل زيادة عن تقرير الصادر في أيار الماضي الذي قدر العدد بـ 9 ملايين و300 ألف وهو ما يعني زيادة 3 ملايين شخص في أقل من عام، وهو ما يضع السوريين على حافة مجاعة حقيقة إذا ما استمرت الحرب واستمر عناد بشار الأسد في رفضه لأي انتقال سياسي يسمح للسوريين بتقرير مصيرهم، يمكن القول إن السوريين اليوم يشتركون في انعدام الأمن الغذائي والفقر والفاقة بغض النظر عن وجودهم في المناطق الثلاث التي تشكل انقسام سوريا اليوم بشكل واقعي.

  • المناطق التي ما زال يسيطر عليها النظام ويقطن فيها ما يفوق عن 12 مليون سوري تقريبا وتشكل طوابير الخبز والغاز وانعدام خدمات الدولة الأساسية من كهرباء ومياه صالحة للشرب حقيقة يعيش عليها السوريون في تلك المناطق، ومع انهيار سعر الليرة السورية حيث تجاوز الدولار الثلاثة آلاف ليرة سورية وهو ما يعنيه من انهيار للقدرة الشرائية وارتفاع التضخم بشكل جنوني مما زاد من الفقر وحول السوريين إلى مدمنين للمساعدات الغذائية التي تقدمها الأمم المتحدة.
  • أما المناطق التي تسيطر عليها قسد التي تدعمها الولايات المتحدة وتتركز هذه المناطق في شمال شرقي سوريا والحسكة ومناطق ريف دير الزور فإنها ليست بأحسن حال، وإن كان التبادل التجاري المحدود للبضائع يجعل الأسعار فضلا عن الخدمات الأساسية أكثر توفراً.
  • تبقى مناطق الشمال السوري حيث يعيش أكثر من 3 ملايين سوري في مخيمات للنازحين عبارة عن خيم مؤقتة فإنهم يعيشون أسوأ ظروف يمكن أن يتخيلها إنسان خاصة مع فصل الشتاء حيث عصفت العواصف المطرية والثلجية بكثير من الخيم وحولت المخيمات إلى بحيرات من الطين لا إمكانية للحياة فيها.

يعشش اليأس داخل السوريين وهم محقون في ذلك فما عاشوه ويعيشونه كل يوم لم يمر به أي من المجتمعات المعاصرة

لكن تبقى الحقيقة الأسوأ هو انعدام الأمل بالنسبة للسوريين من إمكانية التوصل إلى حل ينهي هذه المأساة المستمرة على مدى السنوات العشر الماضية. وهو ما يشكل الحقيقة المؤلمة اليوم أن الانهيار الاقتصادي والاجتماعي لسوريا غير قابل للعودة، وإذا ما خسرت سوريا عقودا من التنمية بسبب سنوات الحرب فإن استمرار الاستعصاء السياسي في رفض الوصول إلى حل ينهي المعاناة الدائمة للسوريين يجعل من المستحيل توقع مستقبل أفضل في السنوات القليلة القادمة.

يعشش اليأس داخل السوريين وهم محقون في ذلك فما عاشوه ويعيشونه كل يوم لم يمر به أي من المجتمعات المعاصرة، إنها قصص تروى بعد الحرب العالمية الأولى أو الثانية لكنها تجري اليوم في القرن الحادي والعشرين وأمام أعيننا التي نحاول إغلاقها كي لا نشعر بالألم أو الحرج أو حتى وخزة الضمير، فمعاناة الشتاء القارس في الخيم مع الوحل والثلج ربما تشعرنا أن كل مسارات جنيف وأستانا وغيرها تنتهي كلها من حيث بدأت، وأن الجميع يتفرج علينا للاستمتاع بدل أن ينهي معاناة استمرت أكثر من عشر سنوات ولا يوجد ضوء في نهاية النفق يبشر بنهايتها.