ما بقي من عملاء سوريا

2022.02.12 | 05:22 دمشق

whatsapp_image_2022-02-11_at_12.46.23_pm.jpeg
+A
حجم الخط
-A

أخرجت بثينة شعبان ما في داخلها من قيح مقيم في وجه السوريين الذين قرروا التظاهر احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية المزرية التي وصلت إليها البلاد، وكعادتها لم تجد عناء في وصف من خرجوا بأنهم عملاء وخونة، وبالضبط قالت: (العملاء الذين لم يتم اكتشافهم أكبر عدداً بكثير من الذين تم اكتشافهم) وبهذه المعادلة البسيطة من الدرجة الأولى نصل إلى النتيجة التالية أن شرفاء هذه البلاد هم النظام وموالوه المقربون جداً حتى أولئك الذين يوالون بلسانهم ليسوا سوى خونة مؤجلين.

انتفضت السويداء منذ أيام لتقول لنظام البعث كفى ضحكاً على عقولنا نحن الذين يأسنا من الصبر على وعود ما بعد النصر، وعلى تخويفنا من الجيران المجرمين، ومن الإسلاميين الذين ينتظرون الفرصة للانقضاض على بناتنا ونسائنا، ويحلمون بأكل أكبادنا التي ضمرت من التجويع والفقر، وكرد متوقع من النظام تنتشر اليوم الدبابات والمسلحون والشبيحة في شوارع السويداء بانتظار تعليمات إطلاق النار المباشر على الناس لكن ذلك يحتاج كالعادة إلى تصريحات اعتادت عليها المستشارة الرئاسية قبل كل مذبحة.

تأتي الصور القادمة من شوارع السويداء منذ أيام كما لو أنها الأيام الأولى لانتفاضة السوريين قبل أكثر من عشر سنوات

لذلك ليس مفاجئاً التصريح الأخير لشعبان عن الخونة الذين لم يتم اكتشافهم بعد، وهؤلاء الآن هم أهالي السويداء، وربما بعد حين هم أهالي اللاذقية وجبلة وطرطوس الذين خرجوا عن الهمس إلى فسحة الصراخ ليس من الجوع فقط بل من التنكيل بأبنائهم الذين يتحدثون عن المخابرات والشبيحة والميليشيات، وباتت حياتهم مرتهنة إما للإيراني الحليف أو الروسي الصديق، واستنفد البعث كل وسائل الترويض والتخويف والتجييش معهم، ولذلك هم مرشحون لقائمة الخيانة والعمالة التي ستشمل كل السوريين دون استثناء بعد وقت ليس بالبعيد.

تأتي الصور القادمة من شوارع السويداء منذ أيام كما لو أنها الأيام الأولى لانتفاضة السوريين قبل أكثر من عشر سنوات، وسيقول كثير من شرفاء البلاد أنها لعملاء تم شراؤهم بمال الخليج وكبتاغون الجزيرة، وهنا في وطن الكبتاغون ربما يحذف معدّ نشرة التخوين تلك الرواية، ويستبدلها على سبيل المثال بمازوت التدفئة والخبز فهي منتوجات الرفاهية في سوريا الجائعة، وعندما تصيح البطون الجائعة تشترى الضمائر، ويتكاثر العملاء الذين قد يندفعون إلى حماقة الوقوف في وجه السلطات المختصة التي ستدافع عن المراكز الحكومية وفروع المخابرات بالرصاص كما أول مرة.

في شمال سوريا مظاهرات ضد هيئة تحرير الشام والجولاني بعد مقتل امرأة برصاص عناصر الهيئة لأنها حسب الهيئة كانت تهرّب المازوت، وهذا ما دفع بفرض خطبة جمعة موحدة في مناطق سيطرة الجولاني تدعو إلى: (وأد الفتنة، وتوحيد الصف في وجه العدو الحقيقي، وعدم السماح بالطعن بالمجاهدين)، ووعود كاذبة مكررة بمحاسبة من أخطأ وبأن الشرع فوق الجميع، وهذا الأمر يتكرر منذ أن وصل هؤلاء إلى الشمال السوري مسلحين بشعارات الدين وذقون مشايخ السلاح فتحول أهالي المناطق (المحررة) والمهجرّون إلى رهائن وجوعى يستهدفهم الموت من تحت ومن فوق.

في البلاد الغارقة في عجزها سوف تتسع قائمة العملاء حتى آخر سوري يخرج منها زاحفاً إلى جنته خارج الحدود، أو ميتاً في سبيل استمرار اللعنة إلى الأبد الذي تتمناه بثينة شعبان

في شرق سوريا أيضاً ثمة خونة وعملاء يؤمنون بأنها أرض واحدة مهما افترق اللسان والهوى والعرق، وهؤلاء يكيدون لهم كيداً أهلهم الذين يرون أنهم دولة مغايرة لها تاريخها ولغتها وأحلامها، ومن أجل هذا لا صوت يعلو فوق صوت القومجيين إخوة قومجيي العروبة الذين أغرقوها بالذل.

في الخارج حيث اللاجئون والنازحون وغرقى المتوسط وموتى الشريط الحدودي وأسلاك الدول الشائكة ومحاصرو ثلوج بيلاروسيا ثمة عملاء مفترضون، وخونة يبحثون عن بلاد أخرى ترى فيهم بشراً دون انتماء، ودون أوصاف بعثية تراهم إما عملاء أو خونة.

في البلاد الغارقة في عجزها سوف تتسع قائمة العملاء حتى آخر سوري يخرج منها زاحفاً إلى جنته خارج الحدود، أو ميتاً في سبيل استمرار اللعنة إلى الأبد الذي تتمناه بثينة شعبان.