ما العلاقة بين العراق والتظاهرات القائمة في إيران؟

2019.11.18 | 15:44 دمشق

alanhyar.jpg
+A
حجم الخط
-A

عندما اندلعت التظاهرات في العراق الشهر الماضي، شنّ النظام الإيراني حملة انتقاد واسعة لهذه التظاهرات، معتبراً إيّاها مؤامرة صهيو-أميركية تتم بتمويل سعودي وتهدف إلى عزل العراق عن إيران. المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي ذهب أبعد من ذلك ليقول إنّ على المتظاهرين أن يحققوا ما يريدون من خلال الأنظمة القائمة وليس من خلال الإطاحة بها، وهو ما حمل رسالة واضحة إزاء ما تعتبره طهران خطّاً أحمر لا يجوز لهذه الانتفاضات أن تمس به.

لكن في المقابل، فإنّ التهجّم الإيراني على المنتفضين في العراق ومحاولة نزع الشرعية عنهم وتبرير قمعهم واستباحة دمائهم من خلال اتهامهم بالعمالة يخفي خلفه مخاوف متزايدة لدى نظام الملالي من عدّة تطوّرات لعل أهمّها إمكانية انهيار نفوذه في العراق، وتالياً احتمال امتداد الاحتجاجات إلى الداخل الإيراني وذلك على اعتبار أنّ الحالتين الإيرانية والعراقية تحمل كثيراً من أوجه التشابه بينهما لناحية التدهور الاقتصادي، وانخفاض متوسط دخل الفرد، وارتفاع البطالة، وحجم الفساد والنهب المنظّم لثروة البلاد.

إيران كما العراق دولة غنيّة بموارد النفط والغاز فضلاً عن الثورات الأخرى، وهي تعتبر واحدة من بين أكثر ١٥ دولة في العالم تمتعاً بالموارد الطبيعية، ومع ذلك فإنّ الإحصاءات تشير إلى أنّ الايرانيين اليوم أشدّ فقراً مما كانوا عليه قبل أربعة عقود من الزمن بنسبة 30%. ووفقاً لتصريحات رسمية إيرانية، فقد ارتفع معدل الفقر المدقع في إيران من 17% في عام 2017 إلى 34% في عام 2018، وهو ما يعني أنّ الإيرانيين الذين يتلقون أقل من دولارين في اليوم أصبحوا أكثر من ثلث السكان اليوم.

من المتوقع أن يتقلص الاقتصاد الإيراني أكثر 8.7% في 2019-2020، هذا يعني أنّ الوضع الاقتصادي في إيران آخذ بالتراجع بشكل مهول بخلاف ما ينشره النظام بين الحين والآخر

تُظهر تقارير صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد الإيراني تقلص في عام 2018 على نحو كبير، ووفقًا لآخر تقرير للبنك الدولي، من المتوقع أن يتقلص الاقتصاد الإيراني أكثر 8.7% في 2019-2020. هذا يعني أنّ الوضع الاقتصادي في إيران آخذ بالتراجع بشكل مهول بخلاف ما ينشره النظام بين الحين والآخر عن تحسن الأحوال المعيشية والاقتصادية بين الناس. ولعل قرار السلطات الايرانية تقنين استخدام المحروقات ورفع أسعارها ثلاثة أضعاف السعر المعتاد مرّة واحدة يعبّر عن الأزمة الداخلية التي يعيشها النظام الإيراني. لقد أطلق القرار سلسلة احتجاجات في عدد من المدن الإيرانية، وبالرغم من أنّ البعض يبالغ ربما الآن في استباق التوقعات، فإنّ مناصري النظام الإيراني داخل وخارج إيران يقلّلون من قيمة المشهد الحاصل.

عادة ما يلقي المسؤولون في إيران باللوم على الولايات المتّحدة والضغط الخارجي في تدهور الوضع الاقتصادي للبلاد. لكنّ الحقيقة أنّ العامل الأبرز في إيران كما هو الحال في العراق الإدارة الرديئة والفساد العميق والمستشري في أركان الدولة والنظام، ناهيك عن الأجندة التوسّعية الإقليمية للحرس الثوري الإيراني الذي يسيطر على أكثر من ثلث النشاط الاقتصاد في البلاد، والذي يقوم في نفس الوقت بتخصيص المليارات من الدولارات التي تعود للشعب الإيراني لتمويل افتعال المشكلات الإقليمية وإنشاء ونشر الميليشيات الشيعية الطائفية المسلّحة في عدّة بلدان إضافة إلى دعم الديكتاتوريين الموالين للنظام الإيراني في المنطقة كنظام الأسد.

الفساد في النظام الإيراني مستشاري بين كبار المسؤولين في البلاد. وبالرغم من الوضع السيئ، فإنهم لا يتوانون حتى عن نهب أموال مخصصة لشراء أدوية للشعب الإيراني في ظل العقوبات القاسية

الفساد في النظام الإيراني مستشاري بين كبار المسؤولين في البلاد. وبالرغم من الوضع السيئ، فإنهم لا يتوانون حتى عن نهب أموال مخصصة لشراء أدوية للشعب الإيراني في ظل العقوبات القاسية التي تخضع لها البلاد. في شهر يوليو، على سبيل المثال، قال محمود فايزي، مدير مكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني، في رسالة رسمية وجّهها إلى عدة وزراء إيرانيين أن مليار يورو -بالعملة الصعبة- مخصصة لاستيراد الأدوية والسلع الأساسية للإيرانيين تبخّرت ولم يعرف مصيرها.

تضع منظمة الشفافية الدولية إيران بين أكثر الدول فسادًا في العالم. تحتل إيران المرتبة 42 من أصل 180. بين الحين والآخر، يعلن النظام الإيراني أنه سيتخذ إجراءات صارمة ضد الفساد، لكن الخبراء يعتقدون أن هذه مجرد محاولة لشراء الشرعية من الناس لا أكثر، أو لمهاجمة المنافسين والخصوم السياسيين.

الرئيس الإيراني نفسه كان قد ألمح إلى هذا الأمر منذ بضعة أيام فقط عندما أشار إلى أنّ منافسه السياسي في الانتخابات القادمة ورئيس السلطة قضائية إبراهيم رئيسي يستخدم القضاء لأغراض سياسية قائلاً "لا يمكن خداع الناس بإحالة عدد للمحكمة وإثارة الضجيج".

خلاصة القول إنّ إيران ما تزال تحاول تصدير ثورتها البائسة إلى دول المنطقة منذ ما يزيد عن أربعة عقود، لكن يبدو أنّ العراق الذي لم تتجاوز عمر ثورته الشهرين بعد قادر على قلب المعادلة إذا ما نجحت انتفاضته ضد السلطة السياسية التابعة للنظام الإيراني في تحقيق المطالب التي يسعى إليها الشعب.

كلمات مفتاحية