ما الذي يريده رعاة مسار أستانة؟

2021.02.15 | 00:04 دمشق

astana.jpg
+A
حجم الخط
-A

كان لافتاً أن تحدد الدول الثلاث الضامنة لمسار أستانة (روسيا تركيا إيران) موعد انعقاد الجولة الخامسة عشرة من اجتماعاتها حول سوريا، يومي 16 و17 شباط الجاري، على وقع فشل الجولة الخامسة من اجتماعات اللجنة الدستورية التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف، حيث أصدر ممثلوها بياناً ذكّروا فيه أن اللجنة "أنشئت في جنيف نتيجة مساهمة حاسمة من قبل ضامني أستانة، وتنفيذ قرارات مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي"، لكنهم اعتبروا، ربما من باب السخرية والتعمية، أنها "لعبت دوراً هاماً في دفع العملية السياسية التي تدار وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، بتيسير من الأمم المتحدة، وبقيادة السوريين". وكأنهم أرادوا الثناء في بيانهم على ما قام به وفد النظام، بدءاً من الاستهزاء باللجنة وبالرعاية الأممية لها، مروراً بالمماطلة والتسويف والاستفزاز، ووصولاً إلى رفضه الانخراط في مناقشة المضامين والمواد الدستورية، واعتبروه على ما يبدو نجاحاً لها.

في ضوء إفشال عمل اللجنة السورية من طرف نظام الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين، يتبادر السؤال عن الغاية من إنشاء اللجنة من قبل الساسة الروس

ولعله من السخرية بمكان مطالبة رعاة مسار أستانة بأن يكون "عمل اللجنة الدستورية على أساس التفاهم والمشاركة البناءة، دون تدخلات خارجية، ودون فرض مواعيد نهائية من الخارج"، بينما يمثلون دولاً تتدخل بشكل سافر في القضية السورية، لذلك لا يقرّون بجدول أو سقف زمني لعمل اللجنة، لأنهم ينظرون إليها بوصفها لعبة تدار من طرفهم، وخاصة من طرف الساسة الروس، الأمر الذي شجع نظام الأسد على عدم إقامة أي اعتبار لها، وراح يتعامل معها بوصفها لعبة سياسية، ومضيعة للوقت.

وفي ضوء إفشال عمل اللجنة السورية من طرف نظام الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين، يتبادر السؤال عن الغاية من إنشاء اللجنة من قبل الساسة الروس، وماذا كانوا يريدون منها؟

وهل سيقرر رعاة أستانة في اجتماعهم المقبل معزوفتهم المتكررة عن دعمهم للجنة الدستورية وللحل السياسي ووحدة الأرض والسيادة السورية، ومحاربة الإرهاب، أم أنهم سيفكرون في رعاية اجتماعات اللجنة بالطريقة ذاتها التي يرعون فيها اجتماعات أستانة، حيث يجلبون وفداً للنظام وآخر للمعارضة إلى اجتماعاتهم دون أن يكون لهم أي دور سوى الموافقة على مخرجات الاجتماعات، وربما سيتحدثون عن توسيع قائمة وفود الدول المشاركة في اجتماعات مسار أستانة بصفة مراقب، من أجل الظهور بمظهر الراعي الحصري للقضية السورية في ترحالها ما بين فنادق سوتشي وأستانة وجنيف وسواها؟

وتظهر تطورات وتغيرات موازين القوى الدولية أن القضية السورية أُخرجت من أيدي السوريين جميعاً، وخاصة بعد التدخل العسكري الروسي المباشر إلى جانب نظام الأسد، وباتت سوريا ملعباً لتدخلات أكثر من خمس قوى دولية وإقليمية، بعد أن حولتها إلى ساحة صراع مصالح وتقاسم نفوذ بينها، وراحت تديرها وتدورها وفقاً لمشاريعها وأجنداتها المختلفة، وتتعامل معها بوصفها أزمة صعبة ومعقدة، تتطلّب الخوض في تسويتها عقد قمم ومؤتمرات واجتماعات عديدة ما بين جنيف وفيينا وأستانة مروراً بالرياض ووصولاً إلى سوتشي وسواها.

وكانت الغاية الأساسية للساسة الروس، بوصفهم اللاعب الأقوى على الساحة السورية، هي تمييع وتهميش المعارضة والقرارات الأممية، والاستفادة من الاجتماعات الصورية والفارغة لتمرير محاولتهم إعادة تأهيل نظام الأسد، ووعود زائفة بإمكانية الانتقال في سوريا نحو دولةٍ يتحكّم فيها السوريون، وهو ما يكرّره المحتلون الروس والإيرانيون بوقاحة، لأن النظام استقدمهم للاستواء على السوريين، وبالتالي باتت غايتهم هي إعادة تثبيته وبث الحياة فيه، مقابل إجراء إصلاحات هامشية، وتمرير انتخاباته الرئاسية الهزلية المزمع إجراؤها في منتصف العام الجاري.

روسيا لا يمكنها أن تقدم حلاً للقضية السورية سوى القيام بكل ما يمكنها من أجل إعادة إنتاج النظام وبقائها قوة احتلال للأرض السورية

وتمكن الروس، بالفعل، من إنهاء مفاوضات جنيف التي كانت ترعاها الأمم المتحدة، بعد تسع جولات فاشلة، واستبدلوها بتواطؤ من الأمم المتحدة باللجنة الدستورية المسخ، التي كانت من مخرجات ما سمي بمؤتمر الحوار السوري، الذي اجترحته روسيا وليس له أي صفة شرعية أممية أو دولية، في ظل انكفاء الولايات المتحدة ومعها الدول الغربية وعدم اكتراث ساستها بالقضية السورية، وعدم سعيهم إلى تنفيذ القرارات الأممية المتعلقة بالقضية السورية، وخاصة القرارين 2118 و2254، الأمر الذي يثبت أنها لم تكن ذات قيمة أو أهمية، ويمكن التخلي عنها بسهولة لصالح المسارات التي اخترعتها روسيا في  أستانة وسوتشي بديلاً عنها، والأنكى من ذلك هو قبول جهات في المعارضة الدخول في اللعبة السورية كشهود زور، ومن أجل شرعنة المسارات الروسية، تحت مختلف الحجج والذرائع، التي لا تحجب حقيقة أن روسيا لا يمكنها أن تقدم حلاً للقضية السورية سوى القيام بكل ما يمكنها من أجل إعادة إنتاج النظام وبقائها قوة احتلال للأرض السورية.

وأراد الساسة الروس من مسار أستانة، في بداية انطلاقته، الفصل بين المسارين العسكري والسياسي، حيث تمكنوا من تبريد جبهات القتال، وجعلها مناطق "منخفضة التصعيد"، ثم تمكنوا من الاستفراد بالمناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة، ومن قضمها واحدة تلو الأخرى، وبقيت منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب وما حولها، بعد قضم مناطق واسعة منها، وعقدوا اتفاقيات مع تركيا بشأنها، بما يعني اكتمال المسار العسكري، لذلك يحاولون الحفاظ على ما جنوه عسكرياً في سوريا، من خلال هندسة تسوية للوضع السوري على مقاسهم، يستثمرون فيها ما صرفوه عبر بوابات متعددة، ويضمنون فيها نفوذ بلادهم ومصالحهم قبل كل شيء، شريطة أن لا تفضي إلى تغيير نظام الأسد.

وتمتد التساؤلات، عشية ذهاب رعاة أستانة إلى اجتماعهم المقبل في سوتشي، إلى ما يتجاوز المخرجات المنتظرة منه والمعدة سلفاً، كونه قد لا يتعدى مجرد اجتماع عابر، لإظهار تحكم الروس وحلفائهم بمختلف الملفات السياسية المرتبطة بآليات دفع التسوية، من دون القيام بأي مراجعة لتحركاتهم وتفاهماتهم على خلفية فشل اللجنة الدستورية، لذا سيخرج بيانهم الختامي بكلام معسول حول الملف الإنساني وآليات إيصال المساعدات وتوزيعها، وإعادة طرح ملف اللاجئين السوريين، فيما الأهم بالنسبة اليهم هو استعراض أوضاع قواتهم في المناطق السورية، للعمل على تكريس التنسيق والتفاهمات فيما بينهم، من أجل تقاسم النفوذ والسيطرة، على حساب الشعب السوري بوصفه الضحية الكبرى في كل ذلك.