ما الذي يجري بين جيش الإسلام وجنرالات بوتين؟

2018.04.03 | 10:04 دمشق

+A
حجم الخط
-A

ما إن انتهت حكومة بوتين من الإجهاز على الغوطة الشرقية وإجبار فصيلي أحرار الشام وفيلق الرحمن على مغادرتها،حتى بدأ سباق ماراثوني على (التأكيد والنفي)بين الجانب الروسي وجيش اللإسلام،ففي الوقت الذي تتحدث فيه وسائل الإعلام الروسية عن جملة من التفاهمات مع اللجنة المدنية المفوّضة من سكان دوما تفضي إلى خروج مقاتلي جيش الإسلام نحو الشمال السوري، وكذلك خروج من يرغب من المدنيين، يسارع – من جهة أخرى – إعلاميو جيش الإسلام وساسته لنفي ما جاء في الإعلام الروسي مؤكدين في الوقت ذاته استمرار المفاوضات،ومؤكدين أيضاً إصرارهم على بقاء مقاتليهم في دوما، وأن رحيل جيش الإسلام خارج الغوطة ليس بوارد تفكيرهم.

وفي موازاة ذلك يقوم نظام الأسد وحلفاؤه الإيرانيون بحشد كبير لقواتهم حول دوما مهددين باقتحام المدينة إن لم يستجب جيش الإسلام للمغادرة. ولعل السؤال الذي يشغل معظم المتابعين للشأن الميداني السوري هو: ما الذي يجعل الروس يميلون إلى التهدئة وطول النفس في عملية التفاوض مع جيش الإسلام،علماً بأنهم استطاعوا حسم المعركة نتيجة تقطيعهم لأوصال الغوطة والاستفراد بخصومهم فصيلاً فصيلاً، ولماذا لا يستثمرون – كعادتهم – منجزهم العسكري في فرض رؤيتهم على طاولة المفاوضات؟ولماذا – أيضاً – يحاول الروس كبح جماح حاكم دمشق وإيران عن الهجوم على دوما وتدميرها كما فعلوا بمعظم بلدات الغوطة؟

لا يبدو دقيقاً ما يقدمه الساسة الرسميون السوريون(أعضاء الائتلاف وهيئته السياسية) من إجابات وتفسيرات لهذه الأسئلة، ذلك أن المواطن السوري اعتاد – خلال سبع سنوات مضت - أن يرى هؤلاء الساسة المشار إليهم على شاشات التلفزة وهم يبالغون بماكياجاتهم وكأن أحدهم لا يتخيل نفسه إلا نجماً سينمائياً، وربما من أواخر اهتماماته أن يقارب ما يجري بصدق وإحساس كبير بالمسؤولية، فغالباً ما تتحدث كل فئة منهم عن وجهة نظر الدولة الداعمة لها والتي تتبناها وتدافع عنها بالطريقة التشبيحية ذاتها التي يتحدث بها شريف شحادة، ونادراً ما يتحدث أو تتحدث فئة منهم انطلاقاً من المصلحة الوطنية السورية التي هي جوهر القضية، ولعلنا في أحيان أخرى نجد طائفة من نجوم إعلام المعارضة يتماهون بالمطلق مع ما يريده قادة الفصائل العسكرية، حتى ولو ارتكب هؤلاء القادة أخطاء أدّت إلى كوارث بحق السوريين، وذلك وفاءً لذهنية التشبيح التي اعتادوا عليها وشربوا من معينها حتى الثمالة.

فالقول: (إن روسيا تخوض مع جيش الإسلام مفاوضات جدّية مغايرة للمفاوضات التي أجرتها مع الفصائل الأخرى (فيلق الرحمن وأحرار الشام) بسبب مشاركة جيش الإسلام في مسار أستانا، ولهذا السبب ذاته لا تتيح لجيش النظام اقتحام الغوطة)، يبدو هذا التفسير منقوضاً فضلاً عن أنه يستخف كثيرا بعقول السوريين، لأن الجميع يعلم أنه لولا الدعم الجوي الروسي الذي أحرق الغوطة الشرقية لما استطاعت قوات النظام حصار دوما، والجميع يعلم – أيضاً – أن الطائرات الروسية لم تكن تميز بين جيش الإسلام وسواه، بل كان هدف بوتين واضحاً حين تحدث المندوب الروسي في مجلس الأمن ليلة(24 – 2 – 2018 )حين أشار إلى وجود (200000 )إرهابي في الغوطة الشرقية.

ولئن كان صحيحاً أن ثمة بالفعل مفاوضات قائمة بين روسيا وجيش الإسلام، إلّا أن هذه المفاوضات قد حصد الروس نتائجها قبل أن تنتهي، أما ما تبقى من وقت قبل استثمار هذه النتائج فتتركه لنجوم ساسة الائتلاف ليمارسوا مهاراتهم في التبرير لكياناتهم المرتهنة والسخط على المجتمع الدولي الذي خذلهم وفقاً لما يعتقدون.

القضاء على المقاومة المسلحة واستئصال البندقية المناهضة لنظام الأسد كان الهدف الأساسي لروسيا منذ 30 من أيلول 2015 ، وما لا يحتاج إلى تأكيد أن الثالوث الفصائلي في الغوطة(الفيلق وجيش الإسلام وأحرار الشام) هو القوة الضاربة، بل الرقم الصعب في الريف الدمشقي، وقدرة الروس على تفكيك هذا الرقم وبعثرته، ثم الإجهاز على ما تبقى منه(دوما)هو المنجز الجوهري لدى بوتين الذي بات على يقين من أن جيش الإسلام وإن بقي قسم منه داخل مدينة دوما فلن تكون من مهامه مقاومة نظام الأسد، بل ربما – في أحسن الأحوال – يتحول إلى قوات شرطة. ولكن على الرغم من اطمئنان الروس إلى احتواء المقاومة المسلحة فإن ما يدفعها للمضي في عملية التفاوض مع جيش الإسلام أمور ثلاثة:

الأول: ثمة لقاء مرتقب الأربعاء (4 – 4 – 2018 ) بين الدول الراعية لأستانا(روسيا – تركيا – إيران)، وثمة – أيضاً – ما يمكن التفاوض عليه بين هذه الأطراف، وبقاء دوما محاصرة غير مدمّرة هو ما تعدّه روسيا ورقة قوية بيديها.

الثاني: إدراك الروس أنهم على أبواب جولة جديدة من مفاوضات جنيف، يدفعهم إلى استبدال مؤقت للوجه الإجرامي بخطاب مهادن لإيهام المجتمع الدولي أن روسيا ليست هي من أحرق الغوطة الشرقية ودفع ب (150000 )من مواطنيها للنزوح، وقد تزامن ذلك مع تصريحات لافروف المتكررة التي تشير إلى حرصه على بقاء سكان دوما في بيوتهم وأن الحكومة الروسية ستقدم لهم الضمانات المناسبة التي تحول دون تنكيل النظام بهم، وكأنه يريد التبرؤ مما حل بالغوطة وإلقائه على نظام الأسد وإيران.

الثالث:تزامن بدء المفاوضات بين روسيا وجيش الإسلام مع وجود المبعوث الدولي(ديمستورا) في موسكو على مدار يومين(28 – 29 – 3 – 2018 )، وكان محور البحث بين المبعوث الدولي والخارجية الروسية حول تشكيل(اللجنة الدستورية)واستكمال التفاهم الأولي بين الطرفين خلال لقاء سوتشي الماضي، والذي أفضى إلى تفويض روسيا لديمستورا بتشكيل اللجنة الدستورية، مقابل قبول ديمستورا للطرح الروسي المتمثل بترقيع دستور(2012 )وعدم إنشاء أو صياغة دستور جديد. ولعل هذه المقايضة بين الطرفين تدفع الروس إلى المهادنة العسكرية –ولو مؤقتاً- لإعطاء ديمستورا فرصة تتيح له الظهور كوسيط دولي مؤثر على الأطراف المتنازعة.

لا شك – على الإطلاق – أن ما حلّ بالغوطة وبباقي مدن وبلدات الريف الدمشقي، وقبلها حلب الشرقية، والقصير وحي الوعر، يدمي قلوب السوريين، ولكن ما يجعل الوجع أكثر إيغالاً في قلوبهم هو الخطاب الإعلامي التشبيحي تارةً، والتبريري تارةً أخرى، الذي يمارسه نجوم المعارضة السينمائيون، لأنهم إذْ يمارسون ذلك، فإنهم يؤكدون انفصامهم عن السوريين الذين كانوا ينتظرون منهم الكثير.