ما الذي أزعج روسيا في تقرير حظر الأسلحة الكيميائية عن اللطامنة؟

2020.04.13 | 00:32 دمشق

ap-17094360456050.jpg
+A
حجم الخط
-A

في 27/ حزيران/ 2018 توسعت ولاية منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وأصبح من ضمن صلاحياتها تحديد المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيميائية، في الحقيقية هذا إنجاز قانوني وحقوقي مهم، ويعود الفضل الأكبر فيه للضحايا الذين قتلوا أو أصيبوا عندما استخدم النظام السوري الأسلحة الكيميائية ضدهم، وذلك بعد أن أنهت روسيا عمل آلية التحقيق الدولية المشتركة التي أنشأها قرار مجلس الأمن 2235 في آب/ 2015 من أجل تحديد مرتكبي جريمة استخدام الأسلحة الكيميائية، بعد استخدامها حق النقض في مجلس الأمن في تشرين الثاني/ 2017 ولمرتين متتالتين في غضون 24 ساعة.

وبعد بضعة أشهر، عاد النظام السوري في 7/ نيسان/ 2018 لاستخدام الأسلحة الكيميائية ضد أهالي مدينة دوما في ريف دمشق، ولما لم يكن هناك لجنة كيميائية مختصة في تحديد مرتكبي الجريمة (هناك لجنة مختصة في تحديد مرتكبي الجريمة وهي لجنة التحقيق الدولية المستقلة، التي تشمل ولايتها كافة الانتهاكات المرتكبة في سوريا، بما فيها الأسلحة الكيميائية، ولكنها غير مختصة في الأسلحة الكيميائية تحديداً)، قدمت الولايات المتحدة الأمريكية في 10/ نيسان/ 2018 مشروع قرار إلى مجلس الأمن لإنشاء لجنة تحقيق يكون من صلاحياتها تحديد مرتكب جريمة استخدام الأسلحة الكيميائية، لكنه قوبل مجدداً بحق النقض الروسي، ولهذا لجأت معظم دول العالم إلى توسيع ولاية لجنة حظر الأسلحة الكيميائية، وبكل تأكيد فقد عارضت دول معادية لإعطاء صلاحيات أشمل للقانون الدولي توسيع صلاحية لجنة حظر الأسلحة الكيميائية، ومن نافلة القول الإشارة إلى مثل هذه الدول مثل: روسيا، الصين، إيران، لبنان، فنزويلا، كوبا، كوريا الشمالية، ومن على شاكلتها من سلطات مستبدة متحكمة بشعوبها وتسعى إلى التصويت لصالح بعضها البعض في المحافل الدولية كتكتل معادٍ للديمقراطية وحقوق الإنسان.

بدأ فريق التحقيق وتحديد المسؤولية في لجنة حظر الأسلحة الكيميائية عمله في تموز/ 2019، واختار تسعة حوادث للعمل عليها كمرحلة أولى، وهي:

التمانعة 12/ نيسان/ 2014، كفر زيتا 18/ نيسان/ 2014، التمانعة 18/ نيسان/ 2014، مارع 1/ أيلول/ 2015، اللطامنة 24-25-30 آذار/ 2017، سراقب 4/ شباط/ 2018، دوما 7/ نيسان/ 2018، وبعد أشهر من العمل المتواصل وفقاً لمنهجية ومعايير عالية أصدر فريق التحقيق وتحديد المسؤولية في لجنة حظر الأسلحة الكيميائية تقريره الأول والذي كان عن حوادث مدينة اللطامنة الثلاث، وأكَّد التقرير بشكل حاسم استخدام قوات النظام السوري غاز السارين في هجومي 24 و30، والكلور في هجوم 25، الذي استهدف مشفى اللطامنة.

التقرير يحتوي على كمٍّ كبير من الأدلة والتفاصيل التي تنسف الرواية الروسية بالكامل، ولكنني أعتقد أن أكثر ما أزعج النظام الروسي مما ورد في التقرير هما أمران اثنان:

بكل تأكيد فإن هذه النتيجة مزعجة للروس الذين نفوا استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية في مجلس الأمن، وكذلك مرات متكررة عبر تصريحات لوزارة الخارجية الروسية، والتقرير يحتوي على كمٍّ كبير من الأدلة والتفاصيل، ونظراً لكون الشبكة السورية لحقوق الإنسان قد وقعت على وثيقة مبادئ التعاون مع فريق التحقيق وتحديد المسؤولية، وشاركت ما لديها من بيانات وأدلة عن هذه الحوادث الثلاث، فأستطيع التأكيد من خلال النقاش والعمل مع فريق التحقيق بأنه فريق عمل محترف وعلى درجة عالية من الدقة والموثوقية، وبأن التقرير يحتوي على كمٍّ كبير من الأدلة والتفاصيل التي تنسف الرواية الروسية بالكامل، ولكنني أعتقد أن أكثر ما أزعج النظام الروسي مما ورد في التقرير هما أمران اثنان:

الأول: الحديث عن توقيت اختيار الهجمات بأنه كان مخططاً ومدروساً بعناية شديدة بالاستناد إلى دراسة حالة الطقس في ذلك اليوم وفي ساعات الهجوم تحديداً، وذلك بالاستناد إلى تقارير المنظمة الدولية للأرصاد الجوية، التي أشارت إلى أن السماء كانت صافية، والرياح خفيفة، ودرجة الحرارة على مستوى الأرض 4 إلى 5 درجات مئوية، وشروق الشمس قرابة الساعة 05:30 صباحاً، قال فريق التحقيق إن هذه الشروط مواتية لاستخدام غاز السارين، وإن من اتخذ قرار الهجوم في هذا التوقيت على علم بذلك، وهذا ما حصل في هجوم يوم 24 وبشكل مشابه في هجوم يوم 30/ آذار/ 2017.

أعتقد أن هذه النقطة من الممكن البناء عليها للإشارة إلى أنه كان هناك نية مبيته لدى النظام السوري بإهلاك أكبر عدد ممكن من السكان بغض النظر عن أعمارهم، كما أن هذه النقطة قد وردت في تقرير بعثة الأمم المتحدة المعنية بالتحقيق في مزاعم استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، في حادثة الهجوم الكيميائي على غوطتي دمشق في 21/ آب/ 2013، إن هذا يشير إلى أن النظام السوري ينوي على نحو مبيت ومقصود إهلاك وإبادة أكبر قدر ممكن من السوريين، ومن الممكن اتهامه بناء على ذلك بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، وليس فقط جريمة حرب، وجريمة ضد الإنسانية عبر استخدام الأسلحة الكيميائية في هذه الحوادث ومشابهاتها.

الثاني: التأكيد أن السارين المستخدم يومي 24 و30 هو السارين ذاته الذي يصنعه النظام السوري: لقد قام فريق التحقيق وتحديد المسؤولية بعدة خطوات تقنية معقدة من أجل إثبات ذلك، وبشكل موجز، أثبت أن القنابل الجوية التي تم استخدامها هي من طراز M4000، وهذا النوع قد تم بناؤه وتطويره من قبل النظام السوري فقط، كما قام الفريق بتحليل السارين المستخدم يوم 24 ويوم 30، أظهرت نتائج التحليل أنهما من تركيبة واحدة، ثم قام بفحص عينات موجودة لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، فقد حصلت عليها أثناء مراحل تدمير النظام السوري لمخزونه من الأسلحة الكيميائية إثر الاتفاق الروسي الأمريكي بعد هجوم النظام السوري على غوطتي دمشق في 21/ آب/ 2013، أظهرت نتائج العينات أن السارين المستخدم يومي 24 و30 مصنعاً بنفس إجراءات السارين الذي لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والتي حصلت عليه من النظام السوري، وهذا دليل قاطع على أن مصدر السارين هو نفسه.

كما أضاف فريق التحقيق معلومة جديدة، حيث أكد أن تركيبة هذا السارين تطابق تركيبة السارين المستخدم في الهجوم على مدينة خان شيخون في 4/ نيسان/ 2017، والذي أثبتت آلية التحقيق المشتركة التي شكلها قرار مجلس الأمن رقم 2235 مسؤولية النظام السوري عنه.

كل ذلك برعاية وحماية روسية مطلقة، ويؤكد أن روسيا ضالعة بشكل مباشر في إخفاء النظام السوري كميات كبيرة من الأسلحة الكيميائية، وذلك كون روسيا طرف في الاتفاق الروسي الأمريكي في أيلول/ 2013، وضامن لأن يقوم النظام السوري بتدمير كافة أسلحته الكيميائية

ولكي نستشعر مدى الانزعاج الروسي يجب علينا أن نتذكر أنه في 4/ كانون الثاني/ 2016 كانت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية قد أعلنت أن آخر مادة من الأسلحة الكيميائية السورية (75 أسطوانة من فلوريد الهيدروجين) قد تم تدميرها، وهجمات اللطامنة الكيميائية قد وقعت بعد هذا التاريخ بـ 14 شهراً؛ مما يشكل دليلاً جديداً على مدى التضليل والخداع الذي مارسه النظام السوري على المجتمع الدولي وعلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وكل ذلك برعاية وحماية روسية مطلقة، ويؤكد أن روسيا ضالعة بشكل مباشر في إخفاء النظام السوري كميات كبيرة من الأسلحة الكيميائية، وذلك كون روسيا طرفاً في الاتفاق الروسي الأمريكي في أيلول/ 2013، وضامناً لأن يقوم النظام السوري بتدمير كافة أسلحته الكيميائية، يضاف إلى ذلك، أن روسيا وبعد كل استخدام جديد للأسلحة الكيميائية من قبل النظام السوري ومثبت بشكل لا يقبل الشك، كما هو الحال في التقرير الذي نتحدث عنه، فإنها لا تقوم بأية إجراءات عقابية بحق النظام السوري، بل تنكر تلك الهجمات مجدداً، وتعود لاتهام منظمة حظر الأسلحة الكيميائية كما فعلت بعد صدور هذا التقرير، مما يؤكد تورطها المخزي.

نعم، تتحمل روسيا مسؤولية كبرى عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة التي ارتكبها النظام السوري، ولكن روسيا دولة شمولية مارقة ذات سجل فظيع في احترام القانون الدولي وحقوق الإنسان، لذا فإن المسؤولية تقع بشكل أكبر على الدول التي قام القانون الدولي في ربوعها وبين جامعاتها، والمادة الثامنة من اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية واضحة في مطالبتها لكافة دول العالم معاقبة الدولة التي تنتهك الاتفاقية، وقد انتهك النظام السوري هذه الاتفاقية عشرات المرات، ويتوجب على دول العالم التحرك الفوري بعد هذا التقرير، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة الخط الأحمر!