icon
التغطية الحية

مازوت "نصف مكرر" في كازيات ريف دمشق.. مصادره وتأثيراته

2020.12.24 | 04:13 دمشق

r4.jpg
+A
حجم الخط
-A

"دبّر راسك، هاد الموجود"، بهذه العبارة أنهى عامل في إحدى الكازيات بمنطقة القلمون، على الطريق الدولي دمشق – حمص، مشادة كلامية كان قد بدأها معه شاب يدعى حسام معبراً عن رفضه تعبئة مازوت أسود اللون في خزان سيارته "الزراعية".

حسام، الذي انتظر في الطابور لأكثر من 3 ساعات حتى وصل إلى "طرمبة" التعبئة، تفاجأ بلون المازوت الذي يميل إلى السواد، وهو ما دفعه لترجمة تفاجئه إلى احتجاج في وجه عامل المحطة، يقول: "باحتجاجي هذا خسرت حقي في الحصول على مخصصاتي لهذا الشهر، لكني اكتشفت فيما بعد أنيّ حَمَيتُ محرك سيارتي من هذه المادة التي يقولون إنها مازوت".

Artboard 7_0.jpg
مازوت "غير مكرر" يباع في كازيات ريف دمشق

كيف وصل هذا المازوت إلى الكازيات، ولماذا يميل إلى اللون الأسود، وكيف أثّر على الآليات، وما علاقته بخروج إحدى مشافي الريف عن الخدمة، أسئلة سنحاول الإجابة عنها في سياق هذا التقرير.

كُرر في حمص

وزّعت شركة محروقات، "سادكوب" سابقاً، التابعة لوزارة النفط في حكومة الأسد، الحصص الشهرية من مادة المازوت على كازيات ريف دمشق في الثالث عشر من شهر كانون الأول الجاري.

وتفاجأ أصحاب الكازيات، كحال المدنيين لاحقاً، من لون المازوت القاتم، الذي "لا يشبه ذاك الذي نعرفه، بنيٌ مائل إلى الخضرة"، يقول سامر (مستعار) صاحب إحدى الكازيات، ويضيف: "للوهلة الأولى توقعنا أن الصهريج حُمّل بالخطأ بمادة الفيول، إلى أن تأكدنا من الأوراق، فلم يسبق أن وصلنا مازوت بهذا اللون".

وأضاف في تصريح لـ "تلفزيون سوريا" أنه تواصل مع أصحاب 3 محطات في مناطق مختلفة من ريف دمشق، مستفسراً عن حال المازوت الذي وصلهم، ليكتشف أن الطلبات التي خُصصت للمنطقة تحمل نفس اللون والخصائص، وجميعها خرجت من مصفاة حمص.

وتابع: "بعد أن استفسرنا من عدة مصادر، تبيّن لنا أن هذه الدفعة نصف مكررة، حاولنا معرفة السبب، لكننا لم نحظَ بإجابة واضحة"، مشيراً إلى أن أحداً لا يدري كيف ستكون دفعة الشهر المقبل، "هذه المرة وصلتنا نصف مكررة، ربما الدفعة القادمة ستكون فيول صافي".

وبالرغم من خطورة المازوت غير المكرر على محركات الديزل، وما قد يُلحق بها من أعطال، إلّا أن كثيرين أُجبروا على المخاطرة، فلا بديل آخر، خاصة أمام أولئك الذين يعتمدون آلياتهم كمصدر رزق وحيد، مثل أصحاب الباصات والسرافيس وسيارات النقل والجرارات وغيرها من الآليات التي تعمل محركاتها على مادة المازوت.

بخاخ السيارة "ثروة"

وبالعودة إلى حسام، وهو صاحب سيارة زراعية من نوع تويوتا، يعمل عليها ليعتاش مع زوجته وأولاده الثلاثة، قال: "أصغر عطل يطرأ على السيارة في هذا الوقت، يكلّف صاحبها ما يزيد عن 30 ألفاً، وهنا لا نتحدث عن القطع الرئيسية".

ووصف نفسه وكثيرين لم يتمكنوا من الحصول على المازوت هذا الشهر، بـ "سعيدي الحظ"، كونهم حافظوا على محركات سياراتهم، ولم يضطروا إلى تبديل البخاخات والمصافي كما حصل مع آخرين أجبروا على دفع مبالغ "بتكسر الضهر".

وقال إن أقل المتضررين، دفعوا ما يزيد عن 150 ألف ليرة مقابل تعبئة خزان الوقود، تُقسّم على 45 ألفاً ثمن 100 ليتر من المازوت، وهو حجم المخصصات الشهرية التي تمنحها البطاقة الذكية، وما يقرب من 100 ألف كأجور "لتنظيف بخاخ السيارة".

وأشار إلى أن خسائر البعض وصلت إلى أكبر من هذا الرقم، خاصة أصحاب السيارات الحديثة، الذين اضطروا إلى استبدال المضخات بعد أن تعطلت بشكل كامل، بأسعار تبدأ عند حدود الـ 400 ألف ليرة سورية.

ولم تتفرد السيارات والآليات بالأضرار، بل ولحقت بالمولدات الكهربائية التي يعتمد عليها بعض "ميسوري الحال"، والتي كانت إحداها تشغّل مشفى يبرود، قبل أن تتعطل هي الأخرى وتُعطل عمل المشفى بشكل شبه كامل.

مشفى يبرود.. مستوصف حتى إشعار آخر

لم تتحمل المولدة، التي تشكل عصب المشفى، سوى بضع ساعات عقب ملئها بالمازوت "الأسود"، حتى توقفت عن العمل، وأخرَجت معها 6 أقسام عن الخدمة، وشرّدت عشرات المراجعين، من مرضى الكلى والنساء الحوامل وغيرهم من أصحاب الحالات المستعجلة، ولتتحول في لحظة إلى مستوصف، أقصى ما يمكنه تقديمه، إعطاء الإبر وتضميد الجراح.

أحد العاملين في المشفى أطلق على نفسه اسم حسن (مستعار)، ذكر أن المشفى شُلّت خلال لحظات، فبدون كهرباء المولدة لا يمكن تشغيل الأجهزة، ولا حتى إيصال التدفئة إلى غرف المرضى، مضيفاً: "وقفنا مكتوفي الأيدي، لا نملك أي حل، ولا يوجد في المدينة مولدة بديلة، كما أن أحداً من المسؤولين لم ينظر بعين الاهتمام لهذه الكارثة التي مضى عليها أكثر من أسبوع".

Artboard 1.jpg
"غرفة المولدة" في مشفى يبرود

الحالة السابقة ليست الأولى التي يتبرّأ منها المسؤولون في المدينة، يقول حسن، ويضيف: "المشفى قائم منذ إنشائه على تبرعات الأهالي وفاعلي الخير من مقتدري المدينة. دائماً ما يتم جمع أموالٍ لتحسين الخدمات أو لترميم أقسام متضررة، كان آخرها ترميم قسم الإسعاف".

واعتبر أنه من حسن الحظ أن المشفى لا يستقبل حالات كورونا، وأن جميع المصابين في المنطقة يتلقون العلاج حصراً في مشفى الزبداني: "لم أكن أتخيل أن تتوقف المشفى عن الخدمة وفي غرف عنايتها عشرات المصابين، مجرد التفكير بالأمر يشعرني بالقشعريرة".

وأضاف أن المشفى اليوم بات "بناءً مهجوراً لا روح فيه، فبعد أن كانت تستقبل يومياً عشرات المرضى، اليوم يكاد أحد لا يأتي إليها، فلن يجد فيها ما يحتاج".

وتخدّم المشفى في أيام عملها "الطبيعية"، أكثر من 100 ألف شخص، يتوزعون على قرى وبلدات عسال الورد والجبة ورأس المعرة ورأس العين وبخعة وفليطة والسحل.

وحسب حسن، فمعدل مراجعي المشفى اليومي يتجاوز الـ 100، يزورون مختلف الأقسام، ما بين 50 - 60 شخصاً يقصدونها بحالات إسعافية، ومثلهم بغرض إجراء تحاليل، فيما يُجرى فيها ما لا يقل عن 10 عمليات، ما بين باردة وولادة، كما يراجعها 5 - 6  مرضى بقصد غسيل الكلى على أقل تقدير.

خلو المشفى من المراجعين