ماذا يُخبرنا تراجع حزب الشعوب الكردي في الانتخابات التركية؟

2023.06.01 | 06:56 دمشق

ماذا يُخبرنا تراجع حزب الشعوب الكردي في الانتخابات التركية؟
+A
حجم الخط
-A

كانت إحدى أكبر المفاجآت التي أفرزتها الانتخابات البرلمانية التركية التي أجريت بالتوازي مع الانتخابات الرئاسية في الرابع عشر من مايو/ أيار الجاري، تراجع حصة حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي في البرلمان الجديد مقارنة عن البرلمان السابق، مقابل صعود حصة الأحزاب القومية في جبهتي التحالف الحاكم والمعارضة على حد سواء. قبل 14 مايو/ أيار، كان يُنظر إلى حزب "الشعوب" الكردي على أنه سيكون "صانع الملوك" في هذه الانتخابات بسبب كتلته التصويتية الوازنة وبسبب دعمه لمرشح "الأمة" المعارض للرئاسة كمال كليتشدار أوغلو. مع ذلك، لم يُخفق الحزب الكردي في حشد الكتلة الأكبر من الأكراد لدعم كليتشدار أوغلو فحسب، بل فشل أيضاً في الحفاظ على حجم الكتلة البرلمانية التي كان يحظى بها في البرلمان السابق. في الانتخابات البرلمانية الحالية، حصل حزب "الشعوب"، الذي قدم مرشحيه على قوائم حزب "اليسار الخضر" للتهرب من احتمال حظره، على 8.82% من الأصوات مقابل 11.7% حصل عليها في الانتخابات التشريعية السابقة في عام 2017 أي بتراجع بنحو 3%. كما فاز الحزب في الانتخابات الأخيرة بـ 61 معقداً مقابل 67 معقداً في برلمان 2017، أي بخسارة 6 مقاعد.

تُظهر مقارنة الأرقام بين نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة ونتائج آخر انتخابات برلمانية في عام 2017 أن نسبة التأييد لحزب الشعوب تراجعت حتى في المناطق الرئيسية ذات الغالبية الكردية

قبل انتخابات 14 مايو/ أيار، قالت الرئيسة المشاركة لحزب "الشعوب الديمقراطي" بروين ولدان إن حزبها يطمح للفوز بمئة مقعد على الأقل في البرلمان الجديد. كان رهان كليتشدار أوغلو على أنّه سيحصل على الأقل على أكثر من 11% من أصوات حزب الشعوب في الانتخابات الرئاسية. تُظهر مقارنة الأرقام بين نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة ونتائج آخر انتخابات برلمانية في عام 2017 أن نسبة التأييد لحزب الشعوب تراجعت حتى في المناطق الرئيسية ذات الغالبية الكردية في جنوب شرقي البلاد. في مدينة ديار بكر، التي تُعد الخزان الانتخابي لحزب الشعوب، حصل تحالف "العمل والحرية" بقيادة الحزب في الانتخابات الحالية على 60.93% من الأصوات، بينما حصل في الانتخابات السابقة على 65.5%. وفي هكاري أيضاً التي تُعد قاعدة أساسية لشعبية حزب الشعوب، فقد حصل في هذه الانتخابات على 62.45% مقابل 70.2% في انتخابات 2018. أما خارج مناطق الدعم التقليدية لحزب الشعوب، كإسطنبول على سبيل المثال، حصل الحزب في الانتخابات الحالية على 8.19% مقابل نحو 13% في الانتخابات السابقة. كذلك الأمر في أنقرة، التي حصل فيها الحزب في الانتخابات الحالية على 3.15% من الأصوات مقابل نحو 7% في الانتخابات السابقة.

من المثير للاهتمام في هذه المقارنات أن تداعيات الأداء الضعيف لحزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي في هذه الانتخابات لن تنحصر تداعياته فقط على نتائج الانتخابات الحالية. على سبيل المثال، كان دعم الحزب لمرشحي تحالف "الأمة" المعارض في الانتخابات المحلية الأخيرة، حاسماً في فوز مرشحي المعارضة في رئاستي بلديتي أنقرة وإسطنبول وانتزاعهما من حزب العدالة والتنمية الحاكم. من المقرر إجراء الانتخابات المحلية في العام المقبل، وفي حال لم يتمكن حزب الشعوب الديمقراطي من استعادة قاعدة الدعم التي كان يحظى بها بعد عام 2018، فإن فرص حزب "العدالة والتنمية" في استعادة رئاستي البلديتين من المعارضة ستكون كبيرة. من الملاحظ أن حزب "العدالة والتنمية" كان مستفيداً من تراجع تأييد حزب الشعوب الديمقراطي. في ديار بكر على سبيل المثال، تمكن حزب العدالة والتنمية من رفع نسبة التصويت له في هذه الانتخابات إلى 23.2% مقابل 21.5% في الانتخابات السابقة. مع ذلك، يُلاحظ أيضاً أن حزب "الشعوب الجمهوري" استفاد أيضاً من تراجع نسبة التأييد للحزب الكردي في ديار بكر. بينما كان مُعدل التأييد لحزب الشعب الجمهوري في هذه المدينة في الانتخابات السابقة 2.5%، فإن هذه النسبة ارتفعت في الانتخابات الحالية إلى 8.24%.

يُمكن تلخيص تراجع قاعدة الدعم لحزب "الشعوب الديمقراطي" بثلاثة أسباب رئيسية:

ـ أولاً، فشل الحزب في مواصلة رفع نسب التأييد له بعد انهيار عملية السلام بين تركيا وحزب "العمال الكردستاني" المحظور بعد منتصف العقد الماضي. على سبيل المثال، تمكن حزب الشعوب من رفع نسبة التأييد له بعد انتخابات 2015 من 10.8% إلى 11.7% في الانتخابات التي جرت بعد عامين من ذلك التاريخ، لكنّ نسبة التأييد له في الانتخابات الحالية انخفضت بمعدل نقطتين مئويتين عن أقصى معدل وصله الحزب وهو في انتخابات 2017. يُشير ذلك إلى أن حزب الشعوب فشل في خطابه المتماهي مع حزب "العمال الكردستاني" إقناع غالبية الأكراد في الاصطفاف وراءه. بقدر ما أن انهيار عملية السلام أدى لتراجع شعبية حزب "العدالة والتنمية" في المناطق ذات الغالبية الكردية، إلآّ أنه لم يُساعد حزب الشعوب في دفع غالبية الأكراد لتبني أطروحاته التي تتحدى الدولة التركية.

إن النتائج التي حصدها حزب الشعوب في هذه الانتخابات كانت أقل ضرراً عليه من مخاطر خوض الانتخابات ضمن قوائمه الحزبية واحتمال إغلاقه بعد ذلك بقرار قضائي

ـ ثانياً، سوء الترتيبات التنظيمية بعد الترشح على قوائم اليسار الخضر لأن حزب "الشعوب الديمقراطي" قرر على عجل خوض الانتخابات البرلمانية الحالية على قوائم حزب "اليسار الخضر" لتجنب خطر حلّه من المحكمة الدستورية العليا بسبب القضية المرفوعة ضده على خلفية اتهامه بالارتباط بحزب العمال الكردستاني، فإن تراجع شعبيته في هذه الانتخابات قد يرجع في أحد جوانبه إلى سوء الترتيبات التنظيمية في إعداد قوائم المرشحين. ليس من السهل على أي حزب الحفاظ بشكل كامل على قاعدة التأييد له عندما يُقرر فجأة خوض الانتخابات البرلمانية على قوائم حزب آخر حتى لو كان مقرباً فكرياً منه. مع ذلك، يُمكن القول إن النتائج التي حصدها حزب الشعوب في هذه الانتخابات كانت أقل ضرراً عليه من مخاطر خوض الانتخابات ضمن قوائمه الحزبية واحتمال إغلاقه بعد ذلك بقرار قضائي.

ـ ثالثا، دعم كليتشدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية على اعتبار أن هذه المرة الأولى التي يُقرر فيها حزب الشعوب الديمقراطي دعم مرشح للرئاسة غير كردي، فإن تراجع الدعم له قد يًفسر أن الكتلة الناخبة التي خسرها بالمقارنة بين الانتخابات الأخيرة والانتخابات الحالية لم تكن راضية عن خياره السياسي، ولذلك فضّلت عدم المشاركة في الاقتراع. لأن الأكراد لديهم مشكلة تاريخية مع حزب "الشعب الجمهوري" الذي كان يتبنى نهجاً متشدداً ضدهم عندما كان في السلطة قبل عقود طويلة، فإنه كان من الصعب على حزب الشعوب الكردي إقناع كامل الكتلة الداعمة له بدعم كمال كليتشدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية.