
تتسارع وتيرة الأحداث في أحياء وبلدات جنوب دمشق خاصة بعد بقائها كآخر المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في محيط العاصمة، عقب سيطرته على كامل الغوطة الشرقية مؤخراً.
ومع بدء قوات النظام والميليشيات الموالية لها السورية والفلسطينية مدعومين بالطائرات الحربيّة الروسية، حملة عسكرية موسّعة تستهدف أحياء (الحجر الأسود، مخيم اليرموك، التضامن، العسالي والقدم) الخاضعة لسيطرة تنظيم "الدولة" منذ عام 2015، باستثناء حي القدم قبل نحو شهر فقط، تترقب البلدات المجاورة – ببّيلا، يلدا، بيت سحم - لهذه الأحياء، مجريات الأمور والتي ستنعكس حتماً على مصيرها.
آثار الحملة العسكرية على بلدات جنوب دمشق
كأولى منعكسات المعركة على البلدات أغلق النظام حاجز ببّيلا-سيدي مقداد يوم الخميس الفائت، تزامناً مع بدء المعركة ضد تنظيم "الدولة" وهو المعبر الوحيد الواصل بين البلدات وأحياء العاصمة، فُتح أواخر الشهر الثاني من عام 2014 بعد إبرام هدنة بين الفصائل العسكرية وقوات النظام آنذاك، أغلق خلالها الحاجز عدة مرات، ولم يقتصر الأمر على إغلاقه بل تعداه إلى قصف مُكثّف استهدف به النظام نقاطاً تابعة للجيش الحر على تماس مع أُخرى تابعة للتنظيم في منطقة سليخة على أطراف حي التضامن، وذلك ثاني أيام المعركة، ليتطور الأمر إلى اشتباكات بين مقاتلي "جيش الأبابيل" (الفصيل المرابط على هذه النقاط) وقوات النظام، أدت إلى سيطرة النظام على نقاط عند مسجد علي بن أبي طالب في شارع دعبول.
المشهد نفسه تكرر في اليوم الذي تلاه حيث استهدفت الطائرات الحربية الروسية وقوات النظام بعشرات الصواريخ نقاطاً تابعة لمقاتلي فصائل المعارضة عند نقطة "الأربعة مفارق" بين بلدة يلدا الخاضعة لسيطرتهم وبلدتي حجيرة وسبينة الخاضعتين لسيطرة الميليشيات الشيعية وحي الحجر الأسود الخاضع لسيطرة تنظيم "الدولة"، ليشتبك الطرفان عدة ساعات قبل أن ينسحب منها مقاتلو الفصائل بعد أن سُويت نقاطهم بالأرض، وقُتل منهم قيادي في "جيش الإسلام" يُدعى "أبا فهد حجيرة" وأُصيب آخرون.
ولم تسلم المناطق السكنية في البلدات من القصف حيث استهدفتها الطائرات الحربية والمروحية للنظام عدّة مرات منذ بدء الحملة العسكرية، ليصاب عدد من سكانها دون وقوع قتلى بينهم، مع إحداث دمار في المناطق المُستهدفة وخاصة في بلدة يلدا المتاخمة لأحياء التضامن ومخيم اليرموك والحجر الأسود.
اجتماعات بين المعارضة وروسيا والنظام للتوصل إلى حل
تكرر الخروقات هذا استدعى اجتماعات جرت بشكل يومي تقريباً منذ نحو أسبوع بين وفد مفاوض عن فصائل "المعارضة" في المنطقة وجنرلات "روس" وضباط من النظام في بعض الأحيان، لتدارك الأمور ووضع حد لها بحسب اللجنة المفاوضة والتي ذكرت عبر صفحتها الرسمية على "فيس بوك"، أن اجتماعاً "مهماً" جرى يومي الأحد والاثنين 23/22 من الشهر الجاري بين الوفد المفاوض من جهة والجنرال الروسي "ألكسندر زورين" والإعلامية التابعة للنظام "كنانة حُويجة" كممثلة عنه من جهة أُخرى.
اللجنة المفاوضة ذكرت أن محاور الاجتماع تطرقت إلى وضع البلدات الراهن في ظل الحملة العسكرية على المناطق المجاورة الخاضعة لسيطرة تنظيم "الدولة"، ووضع حد لخروقات النظام المتكررة على البلدات، ليتعهّد الروس والنظام بحسب اللجنة بـ"ضبط الأمور"، كما ناقش الطرفان إمكانية الوصول إلى اتفاق شامل في المنطقة، وذلك بطرح عدة بنود "أُعدت من قبل لجنة عسكرية في المنطقة " طالبت بضمانات لأهالي المنطقة في حال إتمام "المصالحة" وبقائهم فيها، ولرافضي "المصالحة" في حال خروجهم نحو الشمال السوري، حيث أبدى الروس والنظام موافقتهم المبدأية على المطالب المطروحة على أن يتم الاتفاق على تفاصيلها بشكل نهائي في اجتماعات لاحقة.
النظام ينكث بعهوده ومصير مجهول للمنطقة
وكـ عادة النظام مع أي "تعهّد" منه، استهدفت ظهر يوم الثلاثاء 24 من نيسان، طائرة مروحية تابعة له ببراميل مُتفجّرة إحدى نقاط رباط فصيل "جيش الإسلام" بين يلدا والحجر الأسود، ما أسفر عن مقتل أحد عشر مقاتلاً من "الجيش" بينهم قياديون، وإصابة اثنين آخَرين.
وفي هذا السياق قال الناشط الفلسطيني "عبد الله الخطيب" لـ تلفزيون سوريا، إن "النظام الذي يدّعي قتاله لـ تنظيم الدولة، يقتل المدنيين في مخيم اليرموك وبقية الأحياء الخاضعة لسيطرة التنظيم ويمسحها عن الخارطة، ويقتل الثوار والمدنيين في يلدا ويوفر الغطاء لتمدد التنظيم على بلدات جنوب دمشق.
وأضاف "الخطيب"، أن "الأوضاع الميدانية سيئة في حال استطاع التنظيم عبر مساعدة النظام من السيطرة على باقي بلدات جنوب دمشق"، لافتاً أنه إن تم ذلك "فالمنطقة مقبلة على أسوء سيناريو في تاريخ الثورة"، على حدِ وصفه.
قرابة الثمانين ألف نسمة يقطنون حالياً بلدات جنوب دمشق في بقعة جغرافية لا تتجاوز 4 كيلومترات، وسط مشهد بات أكثر ضبابية مع المُجريات الحالية للأحداث، لطالما بدت "المصالحة" والتهجير قريبين جداً للتطبيق فيها، وخاصة في الآونة الأخيرة بعد تغيّر المشهد العسكري في محيط دمشق بشكل جذري، إلا أنه بات واضحاً أيضاً أن النظام ومن خلفه الروس يحاولون خلط الأوراق في المنطقة، وإقحامها في معركة تُنذر بكارثة إنسانية إن حدثت.