icon
التغطية الحية

ماذا ينتظر إدلب؟.. الوضع الميداني يتصاعد والضامنون يتواصلون

2020.08.18 | 17:38 دمشق

5ea1a4ef4236040d0815c37b.jpg
عسكريون روس وأتراك يسيرون دورية مشتركة في إدلب (سبوتنيك)
إسطنبول - تيم الحاج
+A
حجم الخط
-A

بدأت تتكشف ملامح جديدة لشكل الوضع القادم في إدلب، إذ يبدو الهدوء الحذر المستمر من آذار الفائت، مهدداً بالانتهاء، مع شن روسيا غارات عديدة اليوم الثلاثاء، على ريف إدلب، سبقه استهداف دورية تركية من فصيل مجهول، ومحاولات متكررة من قوات نظام الأسد لإحداث اختراق في جبهة الساحل، قابله الجيش التركي بإنشاء نقطة مراقبة هناك، مع تشكيل قيادة مركزية في المنطقة.

كل المعطيات الميدانية السابقة، وعلى الرغم من أنها تشكل دليلاً دامغاً على اقتراب عمل عسكري في إدلب، إلا أنها تبقى مرتبطة بالاتصالات الدبلوماسية بين الضامنين الروسي والتركي، وهذان الأخيران عبرا مؤخراً عدة مرات عن موقفهما الثابت في استمرار العمل لإنجاح الاتفاق، وقد أجرى الرئيسان، فلاديمير بوتين، ورجب طيب أردوغان اتصالأ هاتفياً، أمس الإثنين، بهذا الخوص، وبناء على تطورات المشهد الميداني المتصاعد، فإن ملامح أي عمل عسكري قد تبدأ بالتشكل وتقترب من النضوج من الممكن  لها العودة إلى نقطة الصفر، إذا ما تم حلها في الغرف الدبلوماسية المغلقة.

ويرجح كثير من المتابعين أن إدلب لن تشهد حرباً يشنها نظام الأسد وروسيا والميليشيات الإيرانية، كالتي حدثت قبل شهر آذار الفائت، والتي أفضت إلى خسارة فصائل المعارضة مدناً ومناطق استراتيجية في ريفي إدلب وحلب، إلا أن فريقاً آخر من المتابعين يقرؤون في استمرار دعم روسيا للنظام في هجماته بإدلب، عنواناً بارزاً لاختفاء الهدوء، بناء على القاعدة الروسية التي تؤكد أن كل مناطق سوريا يجب أن تعود لحضن الأسد.

سلسلة من الخروق.. 48 ساعة من التوتر

لا يمكن تسمية الوضع في إدلب منذ 5 آذار الفائت، وهو موعد توقيع اتفاق وقف المعارك بـ"الهادئ"، إذ إن نظام الأسد نفذ بدعم روسي  خلال الأربعة أشهر الماضية سلسلة طويلة من  الخروق للاتفاق، الذي وقعه بوتين وأردوغان في موسكو، ونص على وقف المعارك، وتسيير دوريات مشتركة روسية- تركية، بين قريتي الترنبة شرق إدلب وعين حور جنوب غربي المحافظة، وبنود أخرى مرتبطة بإعادة اللاجئين والنازحين وفتح الطرقات الدولية.

وشهد تطبيق الاتفاق صعوبات في البداية، إذ منع معتصمون مدنيون -قيل إنهم مدعومون من "هيئة تحرير الشام"- استكمال الدوريات طريقها.

لكن بعد تدخل تركيا لفض الاعتصام، بدأ مسار الدوريات يطول بالتدريج، واستطاعت إكمال مسيرها كاملاً.

أحدث خروقات النظام وروسيا، هو شن طائرات الأخيرة صباح اليوم الثلاثاء، غارات جوية على محيط بلدة حربنوش بريف إدلب الشمالي، وأعلن الدفاع المدني عن إصابة مدني جراء قصف مدفعي لقوات النظام تزامن مع الغارات على بلدة البارة في جبل الزاوية.

 

في المقابل، لم تشهد جبهات إدلب هدوءاً حقيقياً منذ آذار، وتصاعدت حدة هجمات النظام على تلك الجبهات خلال الشهرين الأخيرين، وأخذت مساراً شبه يومي منذ مطلع آب الجاري، وقد سبق غارات، اليوم، اشتباكات بين قوات النظام وفصائل المعارضة، حيث أعلنت الجبهة الوطنية للتحرير، أمس الإثنين، مقتل وجرح عدد من عناصر النظام جراء استهدافهم بصاروخ مضاد للدروع مجموعة لـ قوات النظام حاولت التقدّم على محور داديخ في منطقة سراقب شرقي إدلب. كما أحبطت الجبهة الوطنية للتحرير، محاولة تقدّم لقوات النظام على محور "معارة النعسان" شمال شرقي إدلب.

وكان موقع تلفزيون سوريا أعد تقريراً رصد عدة تطورات ميدانية في إدلب، حدثت خلال الأيام الماضية، حملت دلالات على اقتراب انتهاء الاتفاق، وحمل التقرير عنوان "ثلاثة تطورات في إدلب قد ترسم شكل المرحلة المقبلة".

وإلى جانب ما سبق، أعلنت مراصد عسكرية محلية، أمس، أن قوات المعارضة أسقطت طائرة استطلاع إيرانية مذخرة فوق حرش بينين بجبل الزاوية، وأخرى روسية مذخرة فوق تلة الراقم بجبل الأكراد، كانتا تحلقان على علو منخفض.

وشهدت مطارات كويرس وحماة والنيرب العسكرية طلعات تدريب وتجريب للطيران المروحي والحربي خلال الأيام الماضية، بحسب مصادر محلية، ويرى مراقبون، أن استخدام الطائرات المسيرة يشير عادة إلى اقتراب وقوع عمل عسكري، لما تحمله هذه الطائرات من دور في استطلاع الجبهات وكشف التحصينات وإيجاد الثغرات.

وفي إطار تصاعد الأحداث الميدانية، أعلن تنظيم مجهول يطلق على نفسه اسم "كتائب خطاب الشيشاني"، مسؤوليته عن الاستهداف الذي تعرضت له عربة عسكرية تركية أثناء تسيير دورية مشتركة مع القوات الروسية على الطريق الدولي حلب – اللاذقية (M4).

photo_٢٠٢٠-٠٨-١٧_١٢-٢٥-٠٠_0.jpg
فصيل مجهول يتبنى استهداف عربة تركية بريف إدلب

 

وبث التنظيم صوراً للحظة استهداف العربة التركية، مرفقة ببيان قالت فيه "لا زال إخوانكم في كتائب خطاب الشيشاني يتابعون عملياتهم المباغتة على الطريق الدولي M4، وقمنا اليوم صباحاً باستهداف الدورية الروسية التركية الصليبية في رسالة واضحة لهم".

وأكّد التنظيم الذي سبق أن هاجم الدوريات المشتركة، على استمرار عملياته ضد الدوريات على الطريق الدولي.

الفصائل  تستعد

الناطق باسم الجبهة الوطنية للتحرير، النقيب ناجي مصطفى، قال لموقع تلفزيون سوريا، معلقاً على تطورات إدلب، إن روسيا والنظام وإيران مستمرون في خروقاتهم، على الرغم من توقيع موسكو لاتفاق التهدئة، مشيراً إلى أن روسيا تراوغ وتكذب في تطبيق الاتفاق، وتحاول باستمرار  التنصل منه.

وقال إن القوات الروسية وبعد تسييرها دورية مشتركة قبل أيام مع الجانب التركي، حاولت مع قوات نظام الأسد والميليشيات الإيرانية اختراق أكثر من محور لفصائل المعارضة، وخاصة محور الحدادة في جبل الأكراد.

وحول إمكانية انتهاء الاتفاق وعودة المعارك، أكد مصطفى، أن هذا السيناريو في حساب فصائل المعارضة، وأنهم مستعدون له، لأنهم لا يثقون وفق وصفه بـ"الكذب والمراوغة" الروسية.

فصائل المعارضة، بحسب مصطفى، اتجهت منذ هدوء المعارك في آذار، إلى الاستعداد والاستفادة من التجارب السابقة، وتمت دراسة الجوانب السلبية والإيجابية منها، وقال إنهم أقاموا معسكرات عدة لتدريب وتجهيز المقاتلين، استخدموا فيها تكتيكات عسكرية تمكن المقاتل من القدرة على صد ومواجهة أي محاولة تقدم جديدة للنظام والقوات الروسية والإيرانية.

ولفت إلى أنهم تدربوا على كيفية التعامل مع سياسة روسيا في المعارك وهي "الأرض المحروقة"، إلى جانب التدريب على التعامل مع الأسلحة المتطورة الروسية، وخاصة الأسلحة الليلية، وقال إنهم حصنوا الجبهات هندسياً وعسكرياً، ليتمكنوا من استخدامها بشكل جيد في المعارك.

 

وإلى جانب الجبهة الوطنية للتحرير، نشرت "هيئة تحرير الشام" قبل أسبوعين صوراً عبر شبكة "إباء" المقربة منها، في أيار الفائت، صوراً لتدريب عناصر على القتال.

كما نشرت ملحمة تاكتيكال" الموجودة في إدلب، وهي مجموعة "بلاك ووتر" إسلامية تسمى بـ"تاكتيكال الملاحم"، أسسها مقاتلون أتوا من روسيا وبلدان الاتحاد السوفييتي السابق، صوراً تظهر تدريب عشرات العناصر على الرماية دون تحديد موقع التدريب.

photo_2020-08-18_14-32-10.jpg
ملحمة "تاكتيكال" الموجودة في إدلب تدرب مقاتلين في إدلب

إدلب بنظر تركيا

في 9 من حزيران الفائت، نشرت الصفحة الرسمية للرئاسة عبر "تويتر" بياناً حمل عنوان "لماذا إدلب مهمة بالنسبة لتركيا؟"، وأُرفق بمقطع فيديو حول إدلب، كتب معه "كدولة محورية في موضوع عودة إدلب لمنطقة آمنة دائمة، وتحقيق وقف إطلاق النار، وتصدر مساعي الحل السياسي، وتبديد مخاوف تركيا بشأن أمنها القومي".

وتزامن الفيديو مع تصريح للرئيس التركي جاء فيه "لن تسمح بتحويل إدلب السورية إلى بيئة صراع مجدداً، رغم زيادة النظام من استفزازاته في الآونة الأخيرة".

 

وشكل هذا الفيديو رسالة جديدة من أنقرة لموسكو ونظام الأسد بأنها لن تتخلى عن إدلب، خاصة أن الجيش التركي بات ينتشر بالآلاف في المحافظة، وبات من الصعب حصر نقاط مراقبته، وبسبب حتمية مصير إدلب بالنسبة لأنقرة، أنشأت وزارة الدفاع التركية مؤخراً، قيادة عسكرية مركزية لتنسيق عملياتها العسكرية في سوريا.

وحملت القيادة الجديدة اسم "القيادة العسكرية لعملية درع السلام"، ومقرها مدينة أنطاكيا جنوبي تركيا، المحاذية للحدود السورية، وفق تقرير لصحيفة "يني شفق" التركية،

المحلل السياسي التركي، فراس رضوان أوغلو، أشار في حديث لموقع تلفزيون سوريا، إلى أن الخلاف الروسي- التركي في إدلب ما زال قائماً، مؤكداً في الوقت ذاته، أن روسيا تعلم أن الوجود التركي في إدلب مع الجيش الوطني السوري يعني أن تركيا لن تنسحب من تلك المنطقة.

واعتبر  رضوان أوغلو، أن التصعيد الذي تقوم به موسكو الآن يشكل جانباً من الضغط على تركيا، ولم يستثن اندلاع مناوشات ومعارك متفرقة، لكنه استبعد أن تشهد إدلب معركة عسكرية كبيرة كما حدث قبل آذار الفائت، وبرر رأيه هذا بالقول "روسيا تعلم موقف تركيا الحازم والحاسم تجاه إدلب"، وزاد أن روسيا قرأت الموقف التركي هذا بشكل جيد، ولذلك هي تعلم (موسكو) أنها لن تستطيع الاستيلاء على إدلب، على الرغم من كل استعداداتها العسكرية.

وفسر رضوان أوغلو التصعيد الروسي في إدلب، بوجود ضغوطات من نظام الأسد وإيران عليها، كي تستعجل سيناريو المعارك، ما يدفع موسكو أمام هذا الضغط لتقديم بعض التنازلات تتمثل في غارات وتحضيرات عسكرية، تارة وإعلان تعليق الدوريات المشتركة مع تركيا تارة أخرى.

وربط أيضا المحلل التركي التصعيد في ملفات التوافق وعدم التوافق بين أنقرة وموسكو في ما يخص منطقة شرقي المتوسط وليبيا، مشيراً إلى أن هذا الملف يستخدم إدلب ساحة لتبادل أوراق الضغط.

وشدد رضوان أوغلو، على أن من العوامل التي لا تدفع روسيا لإعادة المعارك في إدلب، هي  المصالح السياسية الكبيرة التي تربطها مع تركيا في الوقت الراهن، وقال إن روسيا  تريد ترك إدلب خاضعة لاتفاق غير نهائي بمعنى تعليق مصيرها، إلى حين إيجاد اتفاق يرضي مصالحها، وحينئذ ستثبت روسيا هذا الاتفاق.

وسبق لموسكو أن أكدت على أن اتفاق إدلب يسير بشكل جيد على الرغم من حدوث تصعيد ميداني، وسبق أن قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا  زاخاروفا نهاية نيسان الفائت، إن "الجماعات المسلحة" هي من تعوق تسيير الدوريات، لكن تركيا تحاول إبعادهم.

وأضافت زاخاروفا أن روسيا "تثمّن مساعي أنقرة لإبعاد المسلحين عن منطقة الطريق"، وأكدت المتحدثة الروسية أن العسكريين الروس والأتراك يتخذون إجراءات ضمان تطبيق الاتفاق لإعلان ممر آمن على طول الطريق، وتسيير دوريات مشتركة هناك.