ماذا يعرف السوري عن الاحتلال الروسي لسوريا؟

2019.07.29 | 00:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تعب السوري من "الحكي" في أوصاف وأفعال الطغمة الروسية، وممارساتها العدوانية تجاه سوريا وشعبها؛ رغم ادعاء سلطتها عكس ذلك تماماً. أحبّ السوري البندقية الروسية وطائرتي "الميغ" و"السوخوي" روسيتي الصنع. كانت تلك الأدوات جزءاً من أمله في تحرير أرضه المحتلة؛ وإذ به يجدها بيد نظام الاستبداد مصوّبة إلى رأسه ومستقبله. بوتين أضاف إليها مئات الأصناف الجديدة من الأسلحة- لا بيد نظام الاستبداد- فقط، بل بيد الروس أنفسهم؛ كي يجربوها على أرض السوري وروحه؛ وآخر الأصناف "القنبلة الفيزيائية النووية المصغرة".

مع بداية الثورة السورية، أطلق مسؤول روسي رفيع تصريحاً يؤجج نار الطائفية؛ بقوله إن روسيا لن تسمح للسنّة بحكم سوريا؛ ومؤخراً عبّر آخر عن حقد تلك الطغمة الحاكمة في موسكو واستخدامها الطروحات الطائفية المريضة، عندما قال إن روسيا في سوريا لتحمي المسيحيين. ذكّرنا بحسن نصر الله الذي يقتل السوريين كي يحمي المراقد الشيعية المقدسة في سوريا.

من "أفضال" روسيا على السوري أيضاً استخدامها للـ "فيتو" كي تحمي كرسي الدم، ومن دمّر بيوت السوريين، وشردهم. يتذكّر السوري أيضاً تلك المفارقة العجيبة بأن تلك "القوة العظمى"، التي تساهم بتشريده، حريصة على عودته إلى بلده؛ لكنه يدرك أن وراء ذلك "الحرص" رسالة مفادها أن الأمور في سوريا بخير؛ والسوري يمكنه العودة. وهي ذاتها تعرف أن من قد يعود سيكون ضحية محتّمة للابتزاز أو الاعتقال أو الزج في مزيد من معارك النظام التي يستمر بقاؤه باستمرارها. لا تخدع السوري ما تُسمّى "مصالحات" يكون مصير الداخلين فيها أكثر بشاعة من مصير الذين تريد روسيا إعادتهم من اللجوء.

يعرف السوري بأن الروس كانوا مجبرين على تمرير القرارات الدولية الخاصة بإيجاد حل سياسي في سوريا- أكان بيان

سعت روسيا بشكل مستميت إلى عرقلة عمل- بل الإطباق على- كل ما من شأنه أن يفضح الجرائم التي ارتكبها النظام بحق المدنيين السوريين وخاصة المجازر

جنيف أو القرار 2254- إلا أن قادة روسيا عملوا ما بوسعهم إلى خنقها وإفراغها من مضمونها. وما اختراع مسار أستانا إلا لتتفيه مسار جنيف وإجهاض أهم بند في القرارات الدولية، ألا وهو / وقف إطلاق النار/، وتحويله إلى ما سمّته روسيا "مناطق خفض التصعيد" عملت على هتكتها كما تفعل الآن في اتفاق إدلب. ولمزيد من قتل العملية السياسية قامت بما في وسعها بضرب مصداقية المعارضة. وكانت سلفاً قد أخذت مجلس الأمن رهينة عبر استخدامها للفيتو.

سعت روسيا بشكل مستميت إلى عرقلة عمل- بل الإطباق على- كل ما من شأنه أن يفضح الجرائم التي ارتكبها النظام بحق المدنيين السوريين وخاصة المجازر، واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً، خصوصاً الكيماوية منها. وتحول كل من لديه دليل أو توثيق لتلك الجرائم إلى عدو مبين لا بد من شيطنته ونسف مصداقيته. فرجال القبعات البيض أضحوا أعداءً لها. لم تكتفِ باستهدافهم معنوياً، بل كانت تتقصد قصفهم. والدليل على ذلك عدد الضحايا منهم نتيجة قصفها. وصلت بها الأمور في هذا الصدد إلى تجهيز شهود مغلوب على أمرهم تحت التهديد، وأحضرتهم إلى أحد جلسات الاستماع في أوروبا، لكي يشهدوا بما أرادت، وأراد النظام حول أحد مجازر الكيماوي.

على الصعيد العربي والإقليمي، سعت بكل وسائلها الابتزازية لتعويم نظام الاستبداد، ودفع بعض الدول العربية

في الداخل السوري، عملت روسيا على جعل روح بشار الأسد بيدها؛ وأوغلت بإضعافه من خلال التحكم بقطاعات من مخابراته، العصب الذي يعتمد عليه

لإعادة العلاقات الدبلوماسية معه. سعت بهذا الصدد أن تقنعهم بأن الأمور على ما يرام، ولم يبق إلا عودة اللاجئين، والشروع بإعادة الإعمار؛ والعقود بيدها. بكل وقاحة وفجور كانت دعواتها تلك تتواقت مع تهجيرها لآلاف السوريين. واتضح حتى للأعمى، أن من يريد عودة اللاجئين؛ لا يمكن أن يشن حملات إجرامية تقتلعهم من بيوتهم.

في الداخل السوري، عملت روسيا على جعل روح بشار الأسد بيدها؛ وأوغلت بإضعافه من خلال التحكم بقطاعات من مخابراته، العصب الذي يعتمد عليه؛ ومن خلال السيطرة على بعض القادة العسكريين؛ ليصبحوا علناً –كما يقال- محسوبين على الروس. وعلى الصعيد الاقتصادي، وضعت روسيا يدها على ما تبقى من مقدرات اقتصادية سورية؛ فأخذت الموانئ والفوسفات؛ وجففت ما كان لدى الدولة من نقد.

رافق كل أفعالها تلك حملات إعلامية من الخداع والكذب والتزوير تذكّر بإعلام "غوبلز" وزير إعلام هتلر. وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ تجد أنه ليس هناك مَن هو أكثر حديثاَ عن العملية السياسية، وضرورة الحل السياسي، من آلتها الإعلامية التي تنقل "غوبلزيات" مسؤوليها.

 هذا غيض من فيض الإجرام الروسي بحق سوريا وأهلها. لقد فاق وتجاوز ما فعلته روسيا بالشيشان، وغروزني تحديداً. كل ذلك، والدول الفاعلة "شقيقة كانت أم صديقة" لا تزال تمارس سياسة رفع العتب تجاه الإنسان السوري، وسياسة المداهنة والمداراة تجاه روسيا؛ وتقف مشلولة الإرادة تجاه هذه الهتلرية الجديدة.

الأدهى والأمرّ من ذلك مداهنة بعض السوريين أنفسهم للإجرام الروسي؛ وقبولهم بما تفعله روسيا من ذبح لإخوتهم وانتهاك لحرمة بلدهم. صعبة مهمة السوري السوري اليوم. ليس عليه فقط الخلاص من منظومة الاستبداد التي سدت آفاق حياته، بل عليه الخلاص من ربق الاحتلال الروسي، وتحرير بلده منه.