ماذا يريد لافروف من جولته الخليجية؟

2019.03.07 | 23:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تزامناً مع الجولة الخليجية التي قام بها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ،في الفترة الواقعة ما بين 3 – 7 من آذار الجاري، وتشمل كلاً من قطر والإمارات والكويت والسعودية، ترتفع من جديد نبرة الحديث عن عودة علاقات بعض الدول العربية مع نظام الأسد، علماً أنّ ثمة مبادرات حقيقية قد حصلت بهذا الخصوص، ولعل أبرزها قرار دولة الإمارات بإعادة فتح سفارتها في دمشق، وإعلان الكويت – حينذاك – عن نيتها القيام بخطوة مماثلة، بل ربما كانت الخطوة الأهم بهذا الخصوص، هي قمة وزراء خارجية الإمارات والسعودية والبحرين والكويت بالإضافة إلى مصر والأردن، على شاطئ البحر الميت، في نهاية كانون ثاني من العام الجاري، إذ كان العنوان الأبرز لتلك القمة هو إعادة تفعيل عودة نظام الأسد إلى الجامعة العربية، بذريعة انتزاع بشار الأسد من أحضان إيران، فضلاً عن إمكانية تشكيل لوبي من الدول المشاركة في تلك القمة، قادر على التدخل الفعلي في الشأن السوري، بذريعة الوقوف أمام التوغل التركي في الأرض السورية وتهديده للكرد المنضوين تحت مظلة حزب الاتحاد الديمقراطي pyd.

ولعل اللافت للانتباه أن ردّة فعل نظام دمشق لم تكن بتلك اللهفة التي كان يتوقعها المبادرون للعودة إليه، ولعل الجواب الأنصع لمجمل هذه المبادرات، هي الزيارة التي قام بها رأس النظام إلى إيران بتاريخ 25 من شباط الماضي، وبغض النظر عمّا تحمله تلك الزيارة من دلالات، إلّا أنها حملت في طياتها جواباً واضحاً مؤداه: واهمٌ كل من يسعى إلى انتزاعي من أحضان إيران، فهي الملاذ الأهم بالنسبة إليّ، ولا نعتقد أن طبيعة تعاطي نظام الأسد مع دول الخليج وإيران بجديدة، إذ سبق وقدّم القادة الخليجيون كافة أشكال الدعم لحافظ الأسد طيلة أعوام الحرب العراقية الإيرانية 1980 – 1988 ، على الرغم من وقوف الأسد إلى جانب إيران عسكرياً وسياسياً، وذلك بذريعة الحيلولة دون تهافت حافظ الأسد – آنذاك – بأحضان إيران.

الزيارة التي قام بها رأس النظام إلى إيران بتاريخ 25 من شباط الماضي، وبغض النظر عمّا تحمله تلك الزيارة من دلالات، إلّا أنها حملت في طياتها جواباً واضحاً مؤداه: واهمٌ كل من يسعى إلى انتزاعي من أحضان إيران

إلّا أن واقع الحال يؤكد عدم فلاح جميع المحاولات الرامية إلى دمج بشار الأسد في محيطه العربي من جديد، لا لسبب، سوى للفيتو الأمريكي الذي تجسّد برسالة واضحة إلى الخارجية المصرية، يطلب منها وقف المحاولات والمساعي العربية الرامية لإعادة بشار الأسد للجامعة العربية، بالإضافة إلى رسالة تحذيرية أخرى إلى قوات سوريا الديمقراطية، تهدد من خلالها واشنطن بقطع الدعم عن حلفائها في قسد، إنْ هم توصلوا إلى اتفاق ما مع حكومة النظام، ولعله من نافل القول أن تشديد الحصار الأمريكي إنما يستهدف الروس قبل نظام الأسد، وذلك في سياق استمرار الضغط على روسيا، التي بدأت – هي الأخرى – أمام أكثر من مأزق في سوريا، ولعل أهم تلك المآزق انحسار السبل أمام رغبتها في استثمار ما أنجزته عسكرياً، وأعني إيجاد حل سياسي وفقاً لما هندسه الروس في سوتشي، وما يزيد المأزق الروسي تعقيداً هو تعثر التفاهمات بين الأطراف الثلاثة الراعية لأستانا، وبتعبير أدق، فشل التفاهمات الروسية التركية بخصوص إدلب، واستمرار الرفض التركي لاجتياح قوات النظام وحلفائه لمدينة إدلب، إضافة إلى تهديد وجهته أنقرة إلى شريكيها – روسيا وإيران – يقضي بالتنصل الكامل من تفاهمات أستانا إن تم اجتياح إدلب، ما يعني من الناحية العملية، إعاقة الوصول إلى حل سياسي وفقاً لما يريده بوتين.

ما هو مؤكد أن روسيا لن تستسلم في سوريا، لا لخصمها الأمريكي، ولا لفشل تفاهماتها الراهنة مع شريكها التركي، بل سوف تحاول استثمار جميع علاقاتها التقليدية مع الدول الإقليمية، وإن اقتضى الأمر، فلا بأس لديها من العمل على إعادة إنشاء وتفعيل علاقات جديدة، من شأنها أن تقوي مسعاها الرامي إلى الحفاظ على منجزها العسكري والسياسي في سوريا، وعدم إعطاء الفرصة للجانب الأمريكي لاستغلال أي استرخاء يخيّم على مسار أستانا.

ما هو مؤكد أن روسيا لن تستسلم في سوريا، لا لخصمها الأمريكي، ولا لفشل تفاهماتها الراهنة مع شريكها التركي، بل سوف تحاول استثمار جميع علاقاتها التقليدية مع الدول الإقليمية

يتمحور الجهد الروسي الراهن إلى توفير أسباب تماسك نظام الأسد، وتمكينه من القدرة على الصمود، عبر ثلاثة مسارات متوازية، الأول: دفع نظام الأسد نحو مزيد من التصعيد العسكري تجاه إدلب، كما هو حاصل الآن من استهداف شديد لريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي، مجسّداً رسالة واضحة الدلالة إلى أنقرة، مؤكدةً إصرار الروس على اجتياح إدلب، وإن كان ذلك بالتدريج، أما الثاني فيتجه نحو القبول بزيادة التنسيق مع إسرائيل، والعمل معها لإخراج ميليشيات إيران من سوريا، شريطة مشاركة نظام الأسد في هذه العملية، علماً أن إسرائيل قد رحّبت بهذا المقترح الروسي. والثالث يتجه نحو دول الخليج لإقناعها بالالتفاف حول نظام الأسد، وتعزيز الوهم القائم في أذهانها بأن السبيل الأمثل لإبعاد الأسد عن إيران هو إعادة احتوائه، ولعل هذا المسعى يفسّر – أيضاً – رغبة الروس بإيجاد أنصار عرب لسياسة بوتين في سوريا تكون بديلاً عن الشريك التركي، إن لم نقل: إلتفافاً على الموقف التركي الرافض للحرب على إدلب. ولا بأس – في هذا السياق – من التواصل مع هيئة التفاوض السورية، وحثها على الانخراط في مسار تفاوضي مع النظام بعيداً عن جنيف وأستانا معاً.

حتى الآن، لا يمكن الجزم أو التكهّن بمردودية الجولة الخليجية لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ولكن ما يمكن الركون إليه أن حكومة بوتين لم تعد تخفي أنها تسعى لتضع نظام الأسد من جديد، في ذمة إسرائيل ودول الخليج، فهل تنجح في تعويمه لفترة زمنية أخرى؟.