icon
التغطية الحية

ماذا يجري في أسواق دمشق بظل انهيار الليرة المتسارع؟

2022.12.29 | 09:14 دمشق

أسواق دمشق بعد انهيار الليرة السورية
سوق الحميدية في دمشق - رويترز
دمشق ـ فتحي أبو سهيل
+A
حجم الخط
-A

تدور الشائعات في دمشق حول احتمال انخفاض سعر الصرف بعد عطلة رأس السنة الجديدة لعدة أسباب، منها انتهاء العطلة وعودة بعض القطاعات الحكومية للعمل سواء النقدية أو الإنتاجية، وتوفر المحروقات التي تساعد على خفض سعرها بالسوق السوداء، وفقاً لوعود حكومة النظام السوري، إضافةً إلى تأثير الجو السياسي العام بعد نجاح اللقاء السوري التركي الأخير بوساطة روسية.

 إلا أن تلك الشائعات لم تنجح بإنقاذ الليرة والنشاط الاقتصادي، فحالة الأسواق في العاصمة دمشق مصابة بالشلل رغم فترة الأعياد التي تكون عادةً إحدى المواسم التي يعتمد عليها التجار كل عام في جميع القطاعات، وهذه المرة تعددت الأسباب فلم تكن الأسعار المرتفعة فقط هي السبب. 

خوف وإرباك

أكد أكثر من تاجر للموقع في استطلاع لآرائهم، أنه مع ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة بشكل متسارع، أصيبوا بالذعر خوفاً من عدم قدرتهم على مجاراة ذلك بتبديل الأسعار يومياً ما قد يسبب لهم خسائر كبيرة ويعرضهم للمخالفات الجسيمة من قبل وزارة التجارة وحماية المستهلك، إضافةً إلى خوفهم من شراء بضائع جديدة بالسعر المرتفع ثم يفاجؤون بانخفاض سعر الصرف لاحقاً.

ذلك الخوف انعكس أيضاً على المنتجين، الذين يخشون الإنتاج بأسعار مواد مرتفعة وعدم قدرتهم على البيع مع هامش ربحهم المعتاد في حال انخفض سعر الصرف لاحقاً بعد تصدير المنتج للسوق، أو عدم قدرتهم على تصريف منتجاتهم في حال استمر انهيار سعر الليرة الذي يذيب معه ما تبقى من قدرة شرائية لدى المستهلكين.

أغلقت الكثير من المحال أبوابها، منها على سبيل المثال لا الحصر، محال بيع المنظفات التي تسعّر يومياً وفق ما يشبه البورصة، فقد ارتفع سعر عبلة المحارم مثلاً خلال أسبوعين فقط من 7500 ليرة إلى 9000 ليرة، إضافةً إلى أن محال المنظفات تبيع بعض الأصناف المهربة من شامبو ومزيلات التعرق ومواد تجميل، وسعر الأخيرة مرتبط بسعر الصرف.

هناك بعض المحال تعتمد اعتماداً وثيقاً على المهربات أو المستوردات المرتبط سعرها مباشرةً بالدولار، مثل مستلزمات الطاقة البديلة وباقي منتجات سوق الكهرباء مثلاً، وهذا يتطلب تسعيرها يومياً وفق سعر الصرف، لذا باتت الأرقام فلكية مؤخراً ما دفع البعض للامتناع عن البيع وتخزين ما لديهم من منتجات منتظرين استقرار السوق.

فإلى جانب إغلاق المحال أو فتحها لساعات قليلة فقط من اليوم لتقنين الإنفاق على كلف التشغيل مقابل ضعف المبيعات الشديد، اضطر بعض الباعة إلى تخبئة بعض المنتجات حتى يتم تسعيرها وفق سعر جديد، ما أدى إلى شحها في السوق فارتفع سعر ليتر زيت القلي من 15500 إلى 20 ألف ليرة على سبيل المثال، وعلبة المتة الصغيرة إلى 10 آلاف ليرة، وغيرها من مواد بات التجار على علم أنها حساسة بشدة لتقلبات سعر الدولار بحسب تجارب سابقة.

مستقبل مجهول

يقول الخبير الاقتصادي زاهر أبو فاضل، إنه "لا يمكن التكهن باستمرار ارتفاع سعر الصرف أو استقراره أو حتى هبوطه لاحقاً، فلا توجد أي وسائل قياس علمية يمكن الاعتماد عليها في سوريا وسط الاقتصاد المنهار، وهذه الحالة من عدم اليقين تضر السوق بشكل كبير".

 وتابع "لطالما استطاعت الحكومة السورية استخدام الترهيب الأمني لخفض السعر، لكن بالشكل العام كانت الأداة الأمنية تنجح لفترة وجيزة ثم يبدأ الانهيار من جديد، وفي هذه الحالة يتكبد المنتجون والتجار خسائر طائلة، إضافةً إلى أن بعضهم يزج بالسجن أو تصادر بضائعه ضمن الحملات تلك، وكل هذه التجارب تدفعهم للاعتكاف عن العمل بمثل هذه الفترات منتظرين الاستقرار".

 وأضاف: "علمياً، لا تملك سوريا ما يساعدها على إعادة سعر الصرف إلى ما كان عليه قبل شهر أو شهرين، ولو استطاعت الحكومة بقبضتها الأمنية فعل ذلك مع بعض أدواتها النقدية المتهالكة، فإن التأثير لن يستمر طويلاً، لأن احتياطياتها من النقد الأجنبي في حالة حرجة جداً، وهذا ما ألمح إليه صراحةً وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عمر سالم في حديثه مؤخراً إلى أن استيراد المشتقات النفطية بالدولار يستنزف الخزينة".

تضطر سوريا اليوم لدفع ثمن مستورداتها من المشتقات النفطية نقداً بالدولار، ولم تعد قادرة على تحمل الخسارة في دعم المواطنين، ولذلك قطعت المادة ورفعت أسعارها لزيادة هامش ربحها. لتستطيع سد ما يمكن سده في سبيل تأمين المحروقات كونها لا تملك ما يكفي لشرائها من الخزينة، وفقاً لأبي فاضل.

يضيف أبو فاضل، بأن قانون الكبتاغون الأميركي ومحاصرة تجارة المادة المخدرة من سوريا أسهم بانخفاض واردات القطع الأجنبي للبلاد، وانقطاع المحروقات وتدهور الكهرباء، وتدهور قيمة الليرة اللبنانية، والشائعات التي دارت مؤخراً حول مشكلات سياسية داخلية في سوريا، وعدم ظهور الأسد في أي تصريح، كلها أمور أسهمت بالانحدار.

أيضاً، يميل التجار والصناعيون وحتى المواطنون بمثل تلك الظروف، إلى اكتناز الدولار والذهب خوفاً من أي تدهور ضخم يطيح بممتلكاتهم، وهذا شكل طلباً مرتفعاً على العملة الصعبة وأسهم برفع سعرها، إضافةً إلى ارتفاع سعر الليرات والأونصات الذهبية بشكل جنوني ما استدعى تدخل جمعية الصاغة للتدخل وبدء إصدار نشرات خاصة بأسعارها، وفقاً لعدة خبراء في الاقتصاد.

وتجاوز سعر الدولار في السوق السوداء بدمشق يوم الأربعاء 28 من كانون الأول الـ 7150 ليرة سورية، وهو سعر تاريخي لم تصل إليه الليرة سابقاً، وقد تدهورت الأخيرة بشكل متسارع جداً بمدة لا تزيد على أسبوعين فقط.