ماذا عن عيدية السوريين؟

2021.05.15 | 05:48 دمشق

16_1.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم تكن أحوال النظام الاقتصادية بخير في يوم من الأيام، فقد حافظت موازينه الاقتصادية على منحنى شديد الانحدار منذ أن وضع قدمه في القصر الجمهوري، ولكن عقد التسعينيات والسنوات العشر الأولى لحكم الأسد الثاني شهدت وبمصطلح طبي لائق "استقرارا" حافظ فيه على الخراب الاقتصادي عند نقطة محددة، فقد ثبت سعر صرف الدولار بتذبذب طفيف حول الخمسين ليرة سورية للدولار الواحد، وكان  لانتعاش العلاقات مع دول الخليج بعد حروب صدام الحسين دور  رئيسي  في هذا الثبات.

فقد قايض النظام بعض المواقف أحدها تجاه مصر أثناء إعادتها إلى الصف العربي بعد قطيعة مؤقتة نتجت عن توقيعها اتفاقيات كامب ديفيد، ووقوفه إلى جانب حرب الولايات المتحدة ضد العراق في حرب الخليج الثانية، رغم أنها مخالفة أيديولوجية لما يؤمن به حزب البعث الذي يشكل لحافا فكريا يتمسح به النظام للتمسك بالسلطة، وقد ساعد ذاك "الاستقرار" في استرخاء السلطة واطمئنانها وضمان كرسيها، وقد كان بوسعها حتى ذلك الوقت تمويل جدول الرواتب لجيش موظفي الدولة والذي بلغ متوسطه حتى عام 2000، أربعة إلى خمسة آلاف ليرة سورية للموظف الواحد شهريا، بواقع تسعين إلى مئة دولار أميركي، وتضاعف تقريبا بعد الألفية الثانية.

شكلت هذه الرواتب مسكِّنا موضعيا بالإضافة إلى غض البصر عن اختراقات لا حصر لها من الاختلاس والفساد شمل كل مستوى في الدولة التي كانت وحتى ذلك الوقت قادرة على تمويله من مصادرها الخاصة.

هذا الاقتصاد العشوائي ذو المصادر غير الثابتة والتي لا تعتمد على الأداء، يمكن أن يواجه مخاطر الاضطراب عند تخلخل العلاقة مع المصادر

هذا الاقتصاد العشوائي ذو المصادر غير الثابتة والتي لا تعتمد على الأداء، يمكن أن يواجه مخاطر الاضطراب عند تخلخل العلاقة مع المصادر، وقد اختلت بالفعل في آذار 2011، عندما شحت المصادر ونهشت العقوبات النظام وأصبح اعتماده بشكل كامل على ما يمكن أن تقدمه له إيران ووفق مصالحها.

بدأ التدهور منذ اليوم الأول للثورة، وظهرت بشكل واضح هشاشة النظام الذي استطاع سابقا أن يثبِّت وضعا اقتصاديا بائسا عشرين عاما كاملا، وصارت المسافات تكبر بين القدرة الشرائية ومستوى الدخول، الذي بدأ بالنضوب عندما تحول معظم الشباب إلى جنود وعلى امتداد الساحة السورية بكاملها، وساهمت التمويلات، التي استطاعت الأطراف المتعددة الحصول عليها، في دفع الكارثة أو تأجيلها قليلا، ولكن الاقتصاد خرج من وضعية المستقر إلى وضعية حرجة يتراجع فيها بسرعة قياسية.

وانهارت العملة السورية حتى فقدت في لحظة درامية معظم قيمتها، وتحول الداخل السوري كله إلى حملة بحث عن أي شيء قد يساعد في استمرار الحياة وإن بكسرة خبز قديمة. تبخرت الدولارات المئة التي كان السوري يقبضها آخر الشهر وتبخر حلمه الصغير المبني عليها، وقفزت الأرقام في لحظة ما قبل عيد الفطر عام 2021 إلى ثلاثة آلاف ومئتين ليرة سورية للدولار الواحد، ومتوسط الدخل خمسون ألف ليرة، بما يساوي ستة عشر دولارا أميركيا فقط.

في لحظة رؤية الهلال كانت قدرة السوري على الشراء قد تراجعت كثيرا، إلى جانب تدني مستوى وكمية ما هو معروض في الأسواق، فقد اختفت السلع وأساسيات الحياة وبات السوري رهين قلة ما في يده من نقود، وخواء الأسواق من السلع، مع التذكير هنا بأشكال قمع متعددة ما زالت السلطة متمسكة بفرضها على المواطن الذي عليه الآن مواجهة مناسبة محببة ذات طابع ديني واجتماعي هي عيد الفطر السعيد.

سورياً يتحول هذا اليوم السعيد إلى كابوس نهاري مزعج يمتد على أيام العطلة الثلاثة التي تمنحها الحكومة في هذه المناسبة، وحين تنتهي يعود المواطن إلى كابوسه اليومي الآخر في انتظار ما لن يأتي أبدا

لن يكون الآباء قادرين على دفع ما يعرف بالعيدية وهو مبلغ مالي يتقاضاه الأبناء في وقت مبكر من اليوم الأول للعيد، ولن يكون الأقرباء أيضا قادرين على تأدية ما عليهم من فروض مالية تجاه أبناء العائلة الكبيرة وصغارها، وإذا وصل إلى يد الطفل شيء من "العيدية" لن يجد سوقا جذابا يستطيع أن ينفق فيه ما معه.

سورياً يتحول هذا اليوم السعيد إلى كابوس نهاري مزعج يمتد على أيام العطلة الثلاثة التي تمنحها الحكومة في هذه المناسبة، وحين تنتهي يعود المواطن إلى كابوسه اليومي الآخر في انتظار ما لن يأتي أبدا.

العنف الذي رسخ نفسه منذ توقفت السياسة السورية عند لحظة إيديولوجية موافقة للحظة دولية أثناء الحرب الباردة، فتجمدت التنمية كليا، واستمر ذلك فترات قياسية حتى ظن الجميع أنه الحالة النهائية، لكنه انهار في لحظة استحقاق  للسوريين قبل عشر سنوات، وحالة الشوارع في عشية العيد 2021 هي نتيجة لما تكدس طوال العقود الماضية، وبغض النظر عن تسميات ما حصل في آذار 2011، والأهواء السياسية المتباينة، واختلاف النظرة للحدث، لكن الواقع أن الانسحاق الاقتصادي يبلغ اليوم مستوى بعيدا، والمعاناة تشمل كل من يحمل الهوية السورية، وعلى ما يبدو أنه سيبقى تحت الضغط العالي طالما توجد قوى "تمانع" حتى انفراجة صغيرة للسوريين في أيام العيد.