icon
التغطية الحية

ماذا تحمل قمة بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي لسوريا؟

2021.10.20 | 07:44 دمشق

44444444444444444.jpg
موسكو - سامر الياس
+A
حجم الخط
-A

في زيارة هي الأولى من نوعها بعد توليه رئاسة الحكومة، يبحث رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينيت في سوتشي الجمعة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عدة ملفات، لعل من أهمها الأوضاع في سوريا والوجود الإيراني فيها، إضافة إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والملف النووي الإيراني. 

وفي زيارة العمل التي تتزامن مع ذكرى ثلاثين عاما على استئناف العلاقات الثنائية يسعى بينيت إلى علاقات متينة مع بوتين وبناء "كيمياء شخصية" كتلك التي جمعت بوتين مع رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، وكان لها أثر واضح في علاقات البلدين وتنسيقهما في سوريا، وحصل نتنياهو نتيجة لها على "هدايا" قيّمة من "القيصر" مثل استعادة رفات الجندي الإسرائيلي زاخاريا باومل المفقود منذ غزو لبنان وغيرها.

ورغم بيانات نادرة للتنديد بالضربات الإسرائيلية على مواقع في سوريا، فقد تجاوز مسؤولو البلدين بسرعة لافتة، ومن دون تأثيرات كبيرة على علاقات البلدين حادثة إسقاط طائرة " إيل 20" الروسية ومقتل طاقمها كاملاً في 17 سبتمبر/ أيلول 2018  بعد تستر الطائرات الإسرائيلية خلفها لقصف مواقع في اللاذقية، وحينئذ أعلنت إسرائيل أنها تحتفظ بحرية التحرك بالأجواء السورية، في حين قلل الرئيس بوتين من خطورة الحادثة وردّها إلى ما سمّاه "سلسلة من الظروف العرضية المأسوية"، رغم اتهام وزارة الدفاع الروسية الطيارين الإسرائيليين باستخدام الطائرة الروسية كغطاء أثناء الغارة"، وتأكيدها الاحتفاظ "بحق الرد".

في حالة تختلف جذرياً عن تعامل روسيا بعيد إسقاط مقاتلة روسية على يد الأتراك في نوفمبر / تشرين الثاني 2015 والتي أدت إلى قطيعة وعقوبات اقتصادية قاسية وتعليق حركة السياحة الروسية إلى تركيا.

أولوية أمن إسرائيل

وبعيدا عن العبارات الروتينية في بيانات الخارجية الروسية حول وحدة وسلامة الأراضي السورية، وتصنيفها الجولان على أنه أراض سورية محتلة، والدعوات إلى عدم تحوّل سوريا إلى ساحة حرب بالوكالة، فقد عملت روسيا بجد في السنوات العشر الماضية انطلاقا من ضمان أمن إسرائيل كأولوية قصوى، فإطالة أمد الحرب وتدمير قدرات سوريا الدفاعية مصلحة إسرائيلية بامتياز تصعّب على من يحكم سوريا في المستقبل مهمة استعادة الجولان أو البحث في مصيره من باب قوّة.

وفي 2013 وبعد صفقة تعدّ سابقة في الشكل والمضمون، مع الولايات المتحدة تم سحب أداة الجريمة وهي السلاح الكيماوي المستخدم في قتل السوريين، ولم تتم معاقبة النظام الذي استخدمه، في صفقة حرمت السوريين من سلاح كان يمكن توظيفه في معادلات " الردع" مع الاحتلال الإسرائيلي، وسمحت للنظام بمواصلة القتل بباقي الأسلحة.

وقبيل هجوم النظام بدعم روسي على الجنوب صيف 2018، التقى وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في موسكو نظيره الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، وتطرق البحث في الاجتماع الذي عقد في 31 مايو/ أيار إلى الأوضاع في الجنوب السوري وحينئذ قال شويغو "تسرني إمكانية مناقشة القضايا الحيوية والمهمة حول التسوية السورية"، مشددا على ضرورة "مناقشة كل القضايا المتعلقة بالعمل على الحدود وفي المنطقة الجنوبية لخفض التصعيد وخاصة البنود التي يوجد لدينا اتفاق عليها مع الأردن والولايات المتحدة".

وفي الاجتماع المذكور بحث الجانبان السماح لجيش النظام السوري بنشر آليات ثقيلة في الجزء المحرر من الجولان مؤقتا في تجاوز لاتفاقية فض الاشتباك" الموقعة  بعد حرب السادس من تشرين الأول (أكتوبر) 1973 وتضمّنت إنشاء منطقة فصل عازلة بين الطرفين، وتحديد نوع القوى والأسلحة على جانبي البقعة العازلة، وعديدها وأسلحتها، ونشر قوات دولية لمراقبة التنفيذ.

وكان لافتا مشاركة رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية تمير هايمن لتبادل معلومات استخبارية حول مسلحي المعارضة في جنوب غرب سوريا.

وتواصل التنسيق بين موسكو والاحتلال الإسرائيلي لاحقا وبعد أخذها موافقة على نشر الشرطة العسكرية الروسية في الريف الغربي لدرعا والقنيطرة بعد سيطرة النظام، كان لافتا أن موسكو أعلنت أن الظروف باتت مواتية لضمان الأمن والاستقرار وعودة قوات " أندوف" الدولية إلى مراقبة الحدود، كما كان عليه الحال قبل 2011.

ترتيب الأولويات..

أعلن السفير الإسرائيلي في موسكو، ألكسندر بن تسيفي، أن الرئيس الروسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي سيبحثان في اجتماعهما، في سوتشي، الملفين السوري والإيراني. وأضاف بن تسيفي بكلمة ألقاها يوم الجمعة الماضي في المركز الإعلامي لوكالة "روسيا سيفودنيا" الروسية إن "قضايا سوريا وقضية إيران، والشرق الأوسط بصفة عامة ما زالت الموضوع الأهم بالنسبة للمستوى السياسي الأعلى".

وفي إشارة ذات مغزى، صرَّح بن تسيفي، يوم السبت، لوكالة "سبوتنيك" الروسية بأن "تل أبيب اتفقت مع روسيا والولايات المتحدة على عقد لقاء على مستوى رؤساء مجالس الأمن لمناقشة الوضع في سوريا وإيران"، وأن مكان وموعد الاجتماع محل تشاور بين الجهات المعنية.

ومعلوم أن موسكو ترفض ربط الملف النووي الإيراني بملفات أخرى مثل، النفوذ الإقليمي لطهران، قبل عودة الولايات المتحدة إلى اتفاق مجموعة (5+ 1) الذي وقعته عام 2015 إلى جانب روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا مع إيران، وانسحبت منه إدارة دونالد ترامب عام 2018.

غير أن الحفاظ على الاتفاق "لا يستبعد إجراء مناقشات إقليمية وبناء الثقة بين الدول التي تتباحث وتتفاهم عبر تحديد مصادر وأسباب التوتر في المنطقة"، بحسب ما صرّح به نائب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة ديمتري بوليانسكي خلال مؤتمر صحافي في يناير / كانون الثاني من العام الجاري. مشددا على أنه "يجب بحثها في جلسات نقاش أخرى، بطريقة مختلفة، ولا ينبغي ربطها بخطة التحرك الشاملة المشتركة".

وأكد على هذا الجانب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مقالة له نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، يوم الجمعة الماضي، بمناسبة مرور 30 عاماً على عودة الدبلوماسية بين روسيا وإسرائيل. وقال لافروف: "نحن مهتمون بمواصلة المشاورات مع الشركاء الإسرائيليين حول الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط. ونلفت الانتباه دائمًا إلى أن الحلول الشاملة لمشكلات منطقة الشرق الأوسط يجب أن تأخذ بالضرورة في الاعتبار المصالح الأمنية لإسرائيل. هذه نقطة أساسية".

الحلول الشاملة التي تحدث عنها لافروف لا تشمل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي فقط، بل تشمل أيضاً تسوية الملف السوري، وهذا يعني أن النفوذ الإيراني في سوريا سيظل أحد العناصر الجوهرية في التفاهمات الروسية الإسرائيلية حول الملف السوري، كما سيتبين لاحقاً.

روسيا والجمع بين متناقضين..

ورغم أن الدبلوماسية الروسية استطاعت عبر تكتيكات صعبة ومعقدة الحفاظ على علاقات مع معظم الفاعلين والمستثمرين في الأزمة السورية، إلا أن العقدة الرئيسة التي تواجهها حاليا هي التوفيق بين مصالح إيران ورغبتها بوجود عسكري في شرق المتوسط، وإصرار إسرائيل على منع تمركز إيران في سوريا.

يلفت محللون روس إلى صعوبة أن تجمع موسكو بين دعمها لنظام الأسد والتحالف مع إيران من جهة، وإطلاق يد إسرائيل لتنفيذ ضربات جوية في سوريا من جهة أخرى، وأشار إلى ذلك المحلل السياسي إيغور سوبوتين بمقالة في صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا"، بتاريخ العاشر من الشهر الجاري. لكنه يفرِّق بين مسألتين، استناداً إلى تصريح أدلى به، للصحيفة ذاتها، المبعوث الخاص السابق لوزارة الخارجية الأميركية المعنيّ بالانتقال السياسي في سوريا، فريدريك هوف. المسألة الأولى ضربات ضد أهداف مرتبطة بإيران و"حزب الله" والثانية ضرب أهداف مرتبطة بنظام الأسد.

بخصوص المسألة الأولى، من المتوقع أن يبقى التفاهم الروسي الإسرائيلي كما هو عليه سابقاً، بأن تستمر إسرائيل، بموافقة ضمنية روسية، بتوجيه ضربات للمواقع الإيرانية والميليشيات التابعة لطهران في سوريا. بينما يتوقع في المسألة الثانية أن "تتجنب إسرائيل، قدر الإمكان، ضرب أهداف مرتبطة بنظام الأسد". وضمن هذا التصور "لا يمكن أن تظهر إشكالات إلا إذا وجدت مواقع الإيرانيين والسوريين في مكان مشترك في أثناء القصف الإسرائيلي"، مع الإشارة إلى أن "هناك خطراً خاصاً يتمثل في احتمال وجود جنود روس في منطقة الضربة.

في سياق متصل؛ رأى الكاتب والمحلل ألكسندر ستافير في مقالة بصحيفة "فوينيه أوبزرينيه" الروسية، المتخصصة بشؤون الدفاع، أنه "يصعب الجمع بين مصالح إسرائيل وروسيا في سوريا". وقال ستافير: "يبدو لي أن المنطقة اليوم يمكن أن تشكل فتيل حرب جديدة"، وحذر من أن موسكو لن تغفر لإسرائيل قتل جنود روس مرة أخرى. وهو احتمال وارد مع صعوبة السيطرة على الأهداف. وأضاف "أن استخدام الجيش الروسي في هذه الحالة سيمكن الولايات المتحدة من دخول الصراع. أي أن المواجهة بين بلدين ثانويين ستؤدي إلى اندلاع حرب بين القوى العظمى". ويخلص ستافير إلى أنه للحيلولة دون ذلك "يجب على أحد ما أن يتراجع، لا يهم مَنْ إسرائيل أم إيران. لا وسيلة أخرى"، لكن لا يبدي الجانبان أي استعداد للتراجع.

حذر وعدم ثقة..

ويتساءل محللون روس عن حقيقة العلاقات الروسية الإسرائيلية، هل هي علاقة تفاهم وتعاون بين صديقين، وربما أقرب إلى حليفين نوعاً ما؟ أم علاقة تخفي بين طيّاتها العديد من عوامل عدم الثقة بين الجانبين، وتوجّه دفتها تقاطعات مصالح نفعية آنية؟

المحلل ألكسندر ستافير، يجيب عن السؤال، في مقالته المشار إليها سابقا، "يبدو لي أن إسرائيل حليفة نفسها. هذا أولاً وقبل كل شيء". أما الكاتب ألكسندر سيتنيكوف فيذهب إلى أبعد من ذلك بالحديث عن مواجهة بين موسكو وتل أبيب. على خلفية "مطالب روسية غير مباشرة بجزء من حقل غاز لوياثان الإسرائيلي"، موضحاً في مقالة له بصحيفة "سفوبودنايا بريسا" الروسية أن "موسكو تراهن الآن على (تحرير سوريا) في أسرع وقت، فمن دون ذلك من الخطر الاستثمار في مشاريع الطاقة المحلية، مهما تكن مربحة. قد يكون الوجه الآخر للعملة هو مواجهة بين موسكو وتل أبيب حول أحد أكبر حقول الغاز في العالم".

وعلى ضوء تقارير تشير إلى انخفاض عدد الميليشيات التابعة لإيران في سوريا، ونقل المجموعات الأكثر كفاءة بينها إلى الحدود الإيرانية مع أذربيجان، وتضييق نظام الأسد على ما تبقى منها، واحتمال سحب "حزب الله" لمجموعات كبيرة من مقاتليه في ظل توتر الأوضاع الداخلية اللبنانية، يبدو أن رصيد بنك الأهداف الإسرائيلية آخذ بالتراجع، ما سيفرض وقائع جديدة ستنعكس على التفاهمات الروسية الإسرائيلية تعيد تحديد قواعد اللعبة، بتقليص الهجمات الإسرائيلية على المناطق الخاضعة لسلطة نظام الأسد. لكن قد يُمرّر هذا التوجه الروسي من باب دوّار، لإبقاء الضغوط على طهران ونظام الأسد إذا اقتضت الحاجة.

والسؤال هنا: هل يكون مصير الجولان السوري جائزة لإسرائيل في أي تسوية شاملة للملف السوري، تكون فيها روسيا طرفاً مقرراً؟ مشروعية السؤال تستند إلى أن إسرائيل لطالما ادّعت أن الجولان مهم لأمنها، وتعهد الوزير لافروف بأن "الحلول الشاملة لمشكلات منطقة الشرق الأوسط يجب أن تأخذ بالضرورة في الاعتبار المصالح الأمنية لإسرائيل".