ماذا بعد التوطين؟

2022.02.02 | 05:09 دمشق

1580370682249-aw-921997-01-1024x683.jpg
+A
حجم الخط
-A

أزمة الخيام التي تتكرر في كل عام، وصورة الطفل السوري "حسين" الذي يلتقط كتاباً من صندوق القمامة كي يطالعه، هي ملخص ما تبقى من إنسانية الجنس البشري في هذا العالم المتوغّل في وحشيته، الفارق الوحيد أننا في كل مرة نعاود الاندهاش أو نفتعله مستغربين ما يحصل وكأننا لم نختبره جيداً خلال العقد الأخير.

أثبتت التجربة أن أزمة اللاجئين وساكني الخيام بقيت من دون حلّ ومن دون أدنى تدخل أممي، وظلّت تتكرر في كل عام من موسم صيف إلى موسم شتاء مع تفاقم شديد وتدهور للأوضاع، ما حدا بكل منهم محاولة حل مشكلته على حدة، بمفرده أو بمساعدة تتبع قنوات تواصل خاصة لا علاقة لها بالمؤسسات القائمة.

نبرع كشعوب عربية بالعموم بالتنظير وإلقاء الخطب ونشبه في ذلك زعماءنا السياسيين الذين نثور ضدهم، ولا نتوانى عن رمي السهام على أي نجاح والانتقاص من قدره ونتناول سمعة الآخرين ببساطة مطلقة ونقزم أي عطاء قائم أو محتمل على الرغم من أننا قد لا نقدم شيئاً يذكر في المقابل. 

السلوك المهني الطبيعي يحتم أن تتم المحاسبة والمساءلة والرد عليها أيضاً بالأرقام، لا أن تشن حملات عشوائية ممنهجة على وسائل التواصل الاجتماعي

إلا أن تلك الحالة يمهر بها السوريون على وجه الخصوص، بدليل ما يحصل عند الإعلان عن أي حملة إغاثية من أي جهة من أجل دعم المهجرين والنازحين السوريين، وهو أمر لم نره مثلاً في حالة جمع التبرعات من المنظمات الفلسطينية لصالح السوريين، بل اندفع الناس إلى التبرع ودعم القضية من دون أن يتخلل ذلك تخوين أو وعيد أو تناول سمعة القائمين على الحملات، وهو أمر سيسجله التاريخ لا شك.

وبمعرض الحديث الحاصل حول فاعلية المنظمات وفائدتها أو مدى وصول المساعدات إلى مستحقيها وشكل الفساد السائد في المنظومة المؤسساتية القائمة، فإن السلوك المهني الطبيعي يحتم أن تتم المحاسبة والمساءلة والرد عليها أيضاً بالأرقام، لا أن تشن حملات عشوائية ممنهجة على وسائل التواصل الاجتماعي تكون نتيجته امتناع أي إنسان طبيعي من المساهمة في الأعمال الخيرية بسبب فقد الصدقيّة والثقة. 

وعلى أن آلية العمل المؤسساتي في مجتمعاتنا ما زالت حتى اللحظة تفتقر إلى المهنية، بل وتحتاج إلى زمن طويل كي تصل إلى اعتماد الشفافية، لكن ما يبدو أن ذلك أيضاً لا يختلف بالنسبة إلى أي منظمة أخرى عاملة في المجال الإنساني ومن ضمنها الأمم المتحدة، وإلا فهل يعقل أن تعجز المنظمات على اختلاف تعدادها أو توزعها الجغرافي عن حل أزمة السوريين الإنسانية على الأقل على الرغم من طول أمدها، وأن تكتفي بتسول التبرعات من الأشخاص العاديين في حين أنها تنفق على الإعلانات أضعافاً مضاعفة، ثم تتصدر الشاشات لتتحدث عن كيفية حل الأزمات الإنسانية.

في الحقيقة أن أي عمل من شأنه أن يخفف معاناة السوريين في الخيام، هو عمل يستحق الدعم ويجب أن توضع الخلافات الشخصية أو العقائدية جانباً في سبيل تحقيقه. 

أما إذا أردنا الغوص أكثر فعلينا نحن السوريين أن نغيّر مجرى البحث لنتساءل عن تبعات وخلفيات موضوع توطين ساكني الخيام ـ وهو أمر يتقدم في الأهمية على كل ما يمكن أن يكون مهماً في حالتنا وفقاً لوجهة نظري ـ، لكن السؤال الواجب هنا: لماذا الآن؟ فالمأساة تتكرر في كل عام وهي ليست حدثاً مفاجئاً ومثيراً للاستغراب، فغضب الطقس أمر يمكن التنبؤ به والاحتياط له قبل وقت طويل.

إن الأمر برمته مؤلم وله نتائج قد تكون كبيرة، ذلك أن حالة التوطين القائمة تنبئ بما هو قادم من بقاء الحال على ما هو عليه فيما يخص الملف السوري إلى سنوات عديدة قادمة، قد تبقى فيها القضية معلقة وقد يشي بانعدام أفق الحل السياسي في المدى المنظور.

إن توطين الخيام يعني بالضرورة إعادة رسم حدود ديمغرافية جديدة وتثبيت جديد في خريطة المنطقة قد لا تتغير بعد الآن

برأيي أن الفكرة الأساسية التي علينا أن نلتفت إليها هي ظهور نية المجتمع الدولي بقبول حالة التهجير والنزوح وعدّها أمراً واقعاً، ومحاولة ترسيخه وتثبيته على مرأى من العالم ومع تهليل وترحيب منا جميعاً لسبب واحد "أن ليس في الإمكان أبدع مما كان"، مستغلين اضطرارنا إلى القبول بالتوطين وقبول التنازلات مجدداً بعد انعدام فرص العودة، ولتحقيق غاية تقدمت في الأهمية على غايات وقضايا سياسية وحقوقية تتمثل في ضرورة تخليص المنكوبين من قسوة الطقس والعوامل الجوية التعيسة على الأقل، في حين نسعد مجدداً بالفتات الذي رماه لنا العالم المتحضر مثل كل مرة.

إن توطين الخيام يعني بالضرورة إعادة رسم حدود ديمغرافية جديدة وتثبيت جديد في خريطة المنطقة قد لا تتغير بعد الآن ولا يقل أهمية عن أي تغيير في حدود الدول، لكننا بالفعل ومع الأسف سنتجاوز عن هذا أيضاً لأننا نرجو هدفاً أكثر أهمية ونحاول درء ألم عميق أوصلونا إلى حالة القبول بأي تسوية من أجل إنهائه، حتى وإن كان ذلك على حساب التضحية بأهداف القضية الأساسية.