مؤتمر حزب الشعب الجمهوري حول سوريا: الحل في دمشق!

2019.09.30 | 00:09 دمشق

72202222_2128247354143848_5800987588248469504_o.jpg
+A
حجم الخط
-A

واضح أن حزب الشعب الجمهوري في تركيا أسكرته نشوة الانتصار الانتخابي الذي حققه في الانتخابات البلدية في المدن الكبرى، وبخاصة في إسطنبول، فشمر ساعديه لمهمة مستحيلة لا تقل عن "المساهمة في الجهود الدولية لإيجاد حل للأزمة السورية"! فتحت عنوان "بوابة إلى السلام في سوريا" عقد الحزب الأتاتوركي مؤتمراً دولياً حول سوريا، استمرت مداولاته يوماً واحداً، تحدث فيه عدد من المشاركين لم يكن بينهم سوري واحد من المعارضين لنظام الأسد، علماً أن ملايين منهم يقيمون على الأراضي التركية، بما في ذلك "ائتلاف قوى الثورة والمعارضة" المعترف بصفته التمثيلية من قبل أكثر من مئة دولة أعضاء في الأمم المتحدة.

بالمقابل، دعت اللجنة التحضيرية أربعة سوريين ممن يعبرون عن وجهة نظر نظام أسد الكيماوي، فشل اثنان منهم في الحصول على فيزا تركية لحضور أعمال المؤتمر. لا غرابة في هذا الخلل الذي يعبر عن وجهة نظر الحزب العلماني المنحازة إلى جانب النظام منذ بداية الثورة، والمعادية لتطلعات السوريين في الحرية والكرامة التي لم تر فيها إلا برنامجاً إسلامياً ضد حكم علماني. أما اللاجئين السوريين

لم يحضر أي من ممثلي حزب العدالة والتنمية ولا حليفه حزب الحركة القومية المتشدد، مقابل حضور ممثلين عن الأحزاب التي دعمت مرشحي "الشعب الجمهوري" في الانتخابات البلدية

في تركيا فهم، في منظار الحزب، عبء إنساني على تركيا من جهة، وتربة خصبة لإنتاج "الجهاديين" من جهة أخرى، لا يستحقون التعاطف، وإن كان الحزب قد تبنى، في السنتين الأخيرتين، موقفاً أكثر توازناً في موضوع اللاجئين السوريين، ربما نكاية بالحزب الحاكم الذي عدّل، بدوره، موقفه الإيجابي من اللاجئين وتبنى سياسات نابذة بحقهم.

ولم يحضر أي من ممثلي حزب العدالة والتنمية ولا حليفه حزب الحركة القومية المتشدد، مقابل حضور ممثلين عن الأحزاب التي دعمت مرشحي "الشعب الجمهوري" في الانتخابات البلدية. أي أن الانقسام العمودي إلى تحالفين سياسيين في الانتخابات الأخيرة كان حاضراً في "المؤتمر السوري" بصورة متطابقة تماماً، وهو ما يعني أن أصل الانقسام حول الصراع السوري واللاجئين السوريين ما هو إلا أحد وجوه الصراع على السلطة في تركيا نفسها. ومن علامات ذلك عدم توجيه الدعوة أيضاً إلى "الطرف الثالث" الداخلي في الصراع السوري، أي حزب الاتحاد الديموقراطي أو أي ممثلين لكرد سوريا. وهو ما كان موضوعاً لأسئلة صحافيين متعاطفين مع الطرف الكردي المذكور أرادوا بها "إحراج" منظمي المؤتمر، مقابل غياب أي سؤال "إحراجي" مماثل من قبل الصحفيين أنفسهم بخصوص غياب أي صوت سوري معارض لنظام الأسد. فبالنسبة لهذا التيار لا يوجد في سوريا إلا 3 جهات متصارعة هي "الحكومة السورية" (كذا!) والجهاديين والكرد! وهم، بوصفهم تياراً "ديموقراطياً" علمانياً مؤلفاً من يساريين سابقين نحوا نحواً ليبرالياً، منحازون بلا لبس لكرد سوريا أولاً (ويمثلهم حزب الاتحاد الديموقراطي)، وضد "الجهاديين" (ويتسع هذا المفهوم تقريباً لكل من قاتل الأسد يوماً) ومع حكومة الأسد "الشرعية" بدرجات متفاوتة من تبني روايته عن الصراع، أو حتى بالقول إنه "ليس نظاماً ديموقراطياً، ولكن..."

وشملت الدعوات شخصيات أكاديمية وسياسية من إيران وروسيا والاتحاد الأوروبي ودول جوار سوريا، تباحثوا معاً حول سبل إحلال السلام في سوريا وتهيئة الشروط المادية لعودة اللاجئين "الطوعية" إلى بلدهم.

وعبر كمال كلجدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري، في كلمته الافتتاحية، عن "دعمه لسياسة الحكومة التركية الخاصة بمحاربة الإرهاب داخل الأراضي السورية، على أن يكون ذلك بالحوار والتنسيق مع نظام دمشق"!

الواقع أن الشطر الأخير من جملة كلجدار أوغلو تكاد تلخص الهدف من عقد المؤتمر، وتعبر عن سياسة الحزب "المبدئية الثابتة" بخصوص ضرورة تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، مع إلقاء اللوم على الحكومة التركية في تخريب هذه العلاقة بسبب التورط التركي المباشر في الصراع الداخلي في سوريا ودعم الحكومة التركية للفصائل المسلحة بما فيها تلك الجهادية حسب كلجدار أوغلو وحزبه.

وخرج المؤتمر بتوصيات ختامية هي ذاتها وجهة نظر الحزب الجمهوري في مختلف أوجه الصراع السوري، بما في ذلك دعوة الحكومة التركية إلى سحب تدريجي للقوات العسكرية من الأراضي السورية ووقف دعم الفصائل المسلحة. إذا نحينا جانباً كل الاعتراضات الأساسية على موقف الحزب، واهتممنا فقط بما يتعلق بـ "المصالح القومية" لتركيا، فمن الغريب أن يبلغ العمى بهذا الحزب درجة لا يرفق فيها مطالبته بسحب القوات التركية، بما يوازيه من وجوب انسحاب جميع القوات الأجنبية، وبخاصة الإيرانية والروسية، وكأني بهذا الحزب ينحاز إلى "المصلحة القومية" الإيرانية والروسية ضد نظيرتهما التركية! كذلك فهو يشرط

طول الحدود المشتركة وحده سبب كاف لتوريط أي حكومة تركية في هذا الصراع، حتى لو كانت حكومة "الشعب الجمهوري"

مساندته لما يسميه بـ"محاربة الإرهاب" داخل الأراضي السورية (ومقصود بها القوات الكردية في سوريا) بالتنسيق مع "الحكومة السورية" في اليوم نفسه الذي يعلو فيه صوت وليد المعلم – المدفعية الثقيلة لنظام الأسد – في أروقة الأمم المتحدة في نيويورك مطالباً بخروج القوات التركية من الأراضي السورية.

كان حرياً بحزب الشعب الجمهوري أن يعقد مؤتمراً للسلام الداخلي في تركيا، بدلاً من الصراع السوري الذي واضح أنه لا يفقه شيئاً بشأنه، ويكتفي بتكرار انحيازاته المسبقة "الثابتة" التي لا تغيرها لا براميل النظام التي دفعت بملايين السوريين إلى الهرب باتجاه تركيا، ولا الصراع الدولي – الإقليمي الذي وجدت تركيا نفسها طرفاً فيه، بصرف النظر عن قرار الحكومة بالانخراط فيه من عدمه. فطول الحدود المشتركة وحده سبب كاف لتوريط أي حكومة تركية في هذا الصراع، حتى لو كانت حكومة "الشعب الجمهوري".

كان حرياً بـ"حزب المعارضة الرئيسي" أن يضع أصبعه على جرح تركيا النازف الذي يقف عقبة أمام أي تقدم أو نهضة، ويحبس البلاد في دوامة من الانقسامات المجتمعية والعنف، بعدما تم القضاء على مسار الحل السلمي منذ سنوات.

كان حرياً به أن يعمل على تعزيز انتصاره في الانتخابات البلدية الذي حققه بفضل الدعم غير المتوقع من الحزب الكردي في البرلمان، من خلال تمتين هذا التحالف الانتخابي وتحويله إلى تحالف دائم يسعى إلى التغيير.

ولكن هيهات في حزب ارتضى لنفسه أن يظل حزب الـ22% من الناخبين، أن تتوقع منه توسيع أفق أفكاره إلى أبعد من علمانية سلطوية ونزعة قومية استبعادية وتقديساً لدولة تسربت من بين أصابع أيديولوجيته المتصلبة.

ربما يمكننا تلخيص موقف حزب الشعب الجمهوري، في الصراع السوري، في أنه ضد أفضل ما في سياسة حكومة العدالة والتنمية، ومؤيد لأسوأ ما فيها!