icon
التغطية الحية

مؤتمر "تقنين الشريعة" بإدلب يُغضب السلفيين المناهضين لـ"تحرير الشام"؟

2021.07.07 | 06:30 دمشق

ssss.png
ريف حلب - خالد الخطيب
+A
حجم الخط
-A

يبدو أن "هيئة تحرير الشام" قد بدأت العمل على إنشاء نظام قضائي خاص بذراعها المدنية "حكومة الإنقاذ" في إدلب ومحيطها شمال غربي سوريا، وعقدت لأجله أواخر شهر حزيران الماضي، المؤتمر الأول في كلية "الشريعة والحقوق" في "جامعة إدلب" تحت عنوان "تقنين الأحكام الشرعية في القضاء بين النظرية والتطبيق"، وهو ما أثار الجدل في الأوساط السلفية المناهضة لـ "تحرير الشام" والتي اعتبرته تحولاً آخر من تحولات الهيئة وزعيمها "أبو محمد الجولاني"، متهمين إياه بإفساد القضاء الشرعي ومحاولته "استنساخ القوانين الوضعية الجاهلية بزعم تقنين الشريعة".

تقنين الشريعة الإسلامية يعني صياغة الأحكام الشرعية في شكل مواد قانونية مرتبة ومرقمة على غرار القوانين الحديثة من مدنية وجنائية وتجارية وغيرها، وذلك لتكون مرجعاً سهلاً ومحدداً، يمكن بيسر أن يتقيد بها القضاة، ويرجع إليها المحامون، ويتعامل على أساسها الناس، وهنا يشكك السلفيون في مساعي الهيئة، ويتهمونها بمحاولة خلق قانون وضعي مفصل على قياس مصالحها، وداعماً لسطوتها في شتى المجالات.

 

مؤتمر2.jpg
مؤتمر.jpg

مؤتمر تقنين الشريعة

ترأس عميد "كلية الشريعة والحقوق" في "جامعة إدلب"، الدكتور أنس عيروط، جلسات المؤتمر، وساعده في إدارة الجلسات رئيس اللجنة المنظمة للمؤتمر الدكتور ياسين علوش، وعضو مجلس شورى الهيئة مظهر الويس، وشارك في المؤتمر قادة وأعضاء في شورى الهيئة، وطيف واسع من طلبة الكلية وكادرها التدريسي، وعبر الاتصال من الخارج سجلت مشاركة الشيخين محمد الزحيلي وأسامة الحموي والدكتور محمد فريد فنري.

لم تنشر المواقع والمنصات الإعلامية التابعة للهيئة و"الإنقاذ" كامل النقاشات التي دارات في المؤتمر، ونشر عيروط ملخصاً لأهم أهداف ومقررات المؤتمر، أهمها بيان صلاحية الشريعة الإسلامية للتطبيق في كل زمان ومكان، والتأكيد على أن تحكيم الشريعة من أهم الواجبات الشرعية وأنه المطلب الأهم لمن خرج في الثورة السورية، وبيان الحكم الشرعي في تقنين الأحكام الشرعية، وتقديم المقترحات والتوصيات للقائمين على أمر القضاء في المنطقة المحررة.

وتضمنت البنود التي أقرها المؤتمر جواز تقنين الشريعة برغم سلبياته وذلك يعد تغليباً للمصلحة الراجحة والتقنين واجب شرعي من واجبات الحاكم إن رأى مصلحة في ذلك فالقضاة وكلاء الإمام، وهناك إيجابيات وسلبيات للتقنين وقد رجحت الإيجابيات نظراً للمصلحة العامة، قيام وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء بتقنين أصول الإجراءات القضائية والتي أوشكت على الانتهاء، والتركيز على تعليم القضاء ورفده بالطلاب المتميزين في "كلية الشريعة والحقوق" ونشر ثقافة التقنين وإحداث ورشات عمل لشرحه وتعميمه، والاستفادة من التجارب السابقة سواء في المنطقة أو من الخارج، ووصل عدد البنود 20 بنداً تؤكد انطلاق العمل في مشروع تقنين الشريعة ومن المفترض أن يعقد المؤتمر بشكل سنوي.

معارضة السلفيين

يقول سلفيون مناهضون لـ "تحرير الشام" إن تقنين الشريعة فيه خلاف معروف بين الفقهاء يطول شرحه، لكن مساعي الهيئة في هذا الاتجاه تطرح سؤالاً مهماً حول الجهة الاعتبارية المرجعية التي ستضبط تقنين الشريعة في مواد محددة جامدة في الغالب، وتضمن عدم تطويعها ولي أعناق النصوص الشرعية وتحجيمها لتكون على مقاس ولمصلحة سلطة الأمر الواقع، ومع غياب الجهة الرقابية العليا وقوتها الواقعية فلن يكون التقنين تقنيناً إنما تبديل وتحويل بشكل يخدم مصلحة سلطة الأمر الواقع.

 

thumbnail_القانون السوري- مقارنة بين قانون الانقاذ وقانون النظام - نقل حرفي لبعض المواد.jpg

 

الشرعي السابق في الهيئة "أبو شعيب المصري" (طلحة محمد المسير)، قال "لمزيد من الإضلال ومزيد هدم القضاء واستنساخ قوانين جاهلية في الأحوال الشخصية والمعاملات والعقوبات بزعم تقنين الشريعة، أوعز المنحرفون لجامعة إدلب بعقد مؤتمر عن تقنين الشريعة ليزعموا أنهم مستندون لقرارات أكاديمية، ولو أنهم عرضوا على الحضور نماذج تجربتهم الجاهلة وطلبوا منهم دراستها لربما أفتى الحضور بالحجر عليهم وجلدهم في الميادين العامة عقوبة لهم".

 

 

الإطارات.jpg

 

وأضاف "في سويعات قصيرة حصل المؤتمر، وخرج تقرير عن المؤتمر فيه اختصار مخل من المؤكد أن المنحرف سيستخدمه أسوأ استخدام، ومن أمثلة ذلك عبارة (اختيار القول المناسب للواقع من مختلف المذاهب الأربعة ولا يشترط أن يكون قولا راجحا في المذهب) وهذا النص بهذه الصيغة باطل وخطأ ظاهر، فالحكم بالقول الراجح محل إجماع العلماء، وأما الأخذ بالقول المرجوح فهو استثناء له ضوابط كثيرة منها ما يتعلق بالضرورة الشرعية وعدم التلفيق وألا يكون المرجوح قولا شاذا ولا ذريعة للوصول إلى غرض غير شرعي، إلى غير ذلك من شروط معروفة في مظانها، فربط العمل بالمرجوح بكونه فقط (مناسب للواقع) لوازمه باطلة وشنيعة".

 

دورة.jpg

وتابع "بالمختصر فإن الطاغية لا يعتد بالشيوخ ولا بالأمة ولا بالمؤسسات، وهو يسير في طريق غوايته ويفسد في الثغور والقضاء والمجتمع، غير مبال بالأمة، راجيا رضا الأعداء".

ويسخر "أبو شعيب المصري" وطيف واسع من السلفيين المناهضين لـ "تحرير الشام" من "الإنقاذ" ذراع "الجولاني" والتي استنسخت بعض القوانين التي يستخدمها النظام القضائي لدى نظام الأسد، ويقولون بأن فيها أخطاء لغوية وأسلوبية وتكرارا وتناقضا وغباء فضلا عما فيها من مخالفات للشريعة، ويجري السلفيون مقارنة بين مادة واحدة من قانون السير رقم 39 والمحال للإطلاع والعمل بموجبه وهو صادر عن "مجلس الشورى" وموجه إلى رئاسة مجلس وزراء "الإنقاذ" بتاريخ 3آب 2020، في المادة القانونية من الأخطاء الإملائية والأسلوبية ما هو عار على من يزعم مشاركته في وضعه أو مراجعته، بحسب تعبيرهم.

 

thumbnail_تقنين الأحكام الشرعية في القضاء.jpg

 

يقول "أبو شعيب" إنه "من المضحك في هذه المادة أنها في الجزء ب تحيل إلى الفقرة 9 في الجزء أ، رغم أنه لا وجود لهذه الفقرة، وسبب ذلك أنهم أجروا تعديلا بسيطا عند استنساخ هذه المادة من قانون حكومة البعث ترتب عليه نقص عدد الفقرات، وكان الأصل حذف ما يتعلق بالفقرة المحذوفة، ولكن هذا لم يحصل، فهل من لا يُحسن استنساخ مادة في قانون سير يُحسن تقنين شريعة الإسلام".

يقول السلفيون إن "تحرير الشام" مهدت لتغيير النظام القضائي بظاهرة "استنساخ القوانين السورية وما شابهها من قوانين جاهلية وتعميمها، ظنا من بعض الناس أن تغيير حجم الخط ونوعه ولونه وبعض الكلمات المحدودة يغير حقيقة الكلام ويجعله مقبولا إسلاميا ويندرج بزعمهم تحت تقنين الشريعة".

 

استنساخ القانون السوري المعمول به لدى النظام

يأخذ السلفيون على "تحرير الشام" وذراعها "الإنقاذ" استنساخ قانون أملاك الدولة لدى النظام وتطبيقه في إدلب، وسبق أن أصدر "مجلس الشورى العام" في إدلب قانون أملاك الدولة رقم 35، وهو عبارة عن أربع صفحات تحوي 24 مادة، تدور غالبيتها حول تعريف أملاك الدولة الخاصة، وما تشتمل عليه، وأن الإشراف عليها يكون لوزارة الزراعة، وأن على من يشغل شيئا منها أن يسوي وضعه، ومن يخالف ذلك يغرم بضعف أجر المثل وتنزع يده وتزال المخالفة، وأن التجاوزات الواقعة على أملاك الدولة قبل قيام الثورة يتم معالجتها وفق القوانين والأنظمة النافذة آنذاك، أما التجاوزات الواقعة خلال الثورة فتتم معالجتها من خلال لجنة تدرس واقع المخالفة وتعالجها حسب الأصول الشرعية والقانونية والمصلحة العامة مع مراعاة قانون أملاك الدولة وقانون الحراج، وغيرها من الفقرات القانونية.

وبالمقارنة بين قانون أملاك الدولة رقم 35 والذي تعمل به "الإنقاذ" بإدلب وبين قانون أملاك الدولة السورية الذي أصدره جمال عبد الناصر زمن الوحدة بين مصر وسوريا برقم 252 لسنة 1959، تظهر عملية الاستنساخ جلية، فالمادة الأولى من القانونين هي نفسها بالحرف، والمادة 2 في القانونين شبه متطابقة مع بعض تنوع العبارات، مثالها، في قانون إدلب "ما يلي" وفي القانون السوري "على ما يلي"، أما المادة 3 من قانون إدلب تقول "تخضع الأراضي الأميرية التي تكون رقبتها للدولة لإشراف وزارة الزراعة والري وتطبق على هذه الأراضي القوانين المتعلقة بالتصرف بها"، وفي القانون السوري "تخضع الأراضي الأميرية التي تكون رقبتها للدولة لإشراف مؤسسة الإصلاح الزراعي وتطبق على هذه الأراضي القوانين المتعلقة بالتصرف بها".

وقال مرجع قانوني في إدلب (فضل عدم الكشف عن هويته) لموقع تلفزيون سوريا "يتخوف السلفيون من استنساخ تحرير الشام للقانون السوري تحت مظلة تقنين الشريعة، ومن استخدام القوانين للضغط على السوريين بشكل أكبر من خلال الإتاوات والضرائب والعقوبات، ويحذرون من التحاكم في بعض الشؤون لقانون يعتبرونه جاهلياً، ومن اعتبار قوانين دولة البعث مرجعا لقوانينهم، ومن كون القانون المستنسخ يعمل حصانة لبعض القرارات فلا سلطة للقضاء عليها".

ومن مخاطره وفق السلفيين، التضييق على المهجرين والنازحين، فبدل من مواساة النازحين يأتي هذا القانون بما يزيد معاناتهم، فأملاك الدولة يدخل فيها حسب المادة الثانية من هذا القانون "الأراضي الموات والخالية"، ومن يتجاوز عليها يعاقب ففي المادة 6، كل من يخالف ويتجاوز على أراضي أملاك الدولة بعد صدور هذا القانون يغرم بضعف أجر المثل حيث يصدر قرار نزع يد بحقه وتنزع يده وتزال المخالفة فورا.

وفي المادة 7 من قانون أملاك الدولة "الإنقاذ"، أن كل مخالفة أو تجاوز بعد التاريخ المذكور أعلاه يغرم المتجاوز بضعف أجر المثل ويقرر نزع يده فورا مع دفع أجور الأرض المتجاوز عليها، ويتكرر الحديث مرة ثالثة عن التجاوز بإضافة السجن هذه المرة، فتنص المادة 20 على أن أي تجاوز يقع بعد صدور هذا القانون يعاقب مرتكبه بالسجن والغرامة التي يعود أمر تقديرها إلى المحكمة المختصة حسب واقع المخالفة وتزال المخالفة على نفقة المتجاوز، وبالنظر لأحكام القانون، إن أغرقت سيول الوادي خيمة أحد النازحين عليه أن يبحث عن وزارة الزراعة ليقدم طلبا يرجو فيه منهم أن يسمحوا له بنصب خيمته في أرض موات، وإلا نزعوا خيمته فورا وطالبوه بأجر الأرض وغرامة ضعف الأجر وسجنوه.