مأزق إيران النووي الجديد هل ستخضع طهران مجدداً للعقوبات الأممية؟

2020.06.30 | 00:03 دمشق

afp-30ffcc0f4973268510d964060c90c5e3a1d3e3d4.jpg
+A
حجم الخط
-A

في تطور لافت اعتمد مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في التاسع عشر من حزيران/يونيو 2020 قراراً (GOV/2020/34) يعتبر الأول من نوعه منذ اتفاق فيينا الذي أُبرم بين إيران والدول الغربية (5+1) عام 2015 في مؤشر على تنامي القلق من فشل طهران في تبديد المخاوف من سعيها لصنع قنبلة نووية. ودعا القرار إيران إلى التعاون الكامل مع الوكالة في تنفيذ اتفاق ضمانات معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لعام 1968 وبروتوكولها الإضافي وتلبية طلبات الوكالة دون مزيد من التأخير. وشدد القرار على ضرورة امتثال إيران لالتزاماتها لتوفير ضمانات موثوقة للطبيعة السلمية حصراً لبرنامجها النووي.

واللافت في الأمر أن من قدم مشروع القرار هو الثلاثي الأوروبي (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا) وهي الدول التي كانت حتى الأمس تطالب بالحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة الأميركية منه عام 2018، وحمَّل القرار الذي حظي بتصويت غالبية أعضاء مجلس محافظي الوكالة إيران مسؤولية عدم سماحها لمفتشي الوكالة على مدار أربعة أشهر بالدخول إلى موقعين سريين لم تصرح عنهما من قبل للوكالة يشتبه باحتضانهما أنشطة نووية في وقت سابق للاتفاق الذي جرى عام 2015، وموقع ثالث تعتقد الوكالة أنه تم استخدامه لمعالجة وتحويل خام اليورانيوم في عام 2003.

ويأتي القرار بعد تقارير في آذار/مارس وحزيران/يونيو 2020 من قبل المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية تصف جهود الوكالة وتفاعلاتها مع إيران لتوضيح المعلومات المتعلقة بصحة واكتمال إعلانات إيران حول أنشطتها النووية. ووفقاً لتقرير الوكالة الدولية الصادر بتاريخ 3 آذار/مارس 2020 واصــــلـت إيران إثراء ســــادس فلوريـد اليورانيوم (UF6) في محطـة إثراء الوقود ومحطـة إثراء الوقود التجريبية في "نطنز"، وفي محطة "فوردو" لإثراء الوقود، وأنها باتت تمتلك 1571 كغم من اليورانيوم منخفض التخصيب حتى 20 أيار/مايو 2020 وهو أعلى بكثير من الحد المسموح به وهو 300 كغم. كما تحققت الوكالة، في ٨ تموز/يوليو 2019 من أن إيران بدأت إثراء ســـادس فلوريد اليورانيوم بنسـبة أعلى من 3,67% من اليورانيوم- 235 وهي النسبة التي حددها اتفاق عام 2015، وكانت إيران تثري اليورانيوم بنسـبة تصــل إلى 4,5% من اليورانيوم- 235، كما واصــلت الاضــطلاع بأنشــطة إثراء معيّنة لا تتفق مع خطتها الطويلـة الأجـل للإثراء والإثراء لأغراض البحـث والتطوير. وسبق أن أبلغ المدير العام بالنيابة مجلس المحافظين في ۷ تشرين الثاني/نوفمبر ۲۰۱۹، بأن الوكالة اكتشفت جسـيمات من اليورانيوم الطبيعي البشـري المنشـأ في موقع في إيران غير معلن للوكالة الأمر الذي أثار مخاوف الدول الأطراف في مجلس محافظي الوكالة حول مصداقية التزام إيران بأحكام الاتفاق والاستمرار بسياسة الغموض التي تنتهجها منذ بداية برنامجها النووي.

في حين أشارت الوكالة في تقريرها الصادر في الخامس من حزيران/يونيو 2020 عن قلقها البالغ إزاء استمرار عدم تمكنها من الوصول إلى موقعين يشتبه بوجود أنشطة نووية فيهما، ودعت إيران إلى توفير الوصول الفوري ودون إبطاء إلى الموقعين المذكورين. وتقول الوكالة إن إيران تمنع منذ أكثر من أربعة أشهر عمليات التفتيش في موقعين مشتبه بهما. ويسود اعتقاد بأن هذين الموقعين شهدا نشاطاً قبل فترة طويلة من موافقة إيران على كبح طموحاتها النووية في صفقة تم إبرامها في عام 2015، لأنه لا يزال من الممكن أن يكونا حاضنين لمواد نووية غير معلنة، أو لبقايا من هذه المواد.

وعلى الرغم من أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تذكر علناً هذه المواقع، فإن وكالة الصحافة الفرنسية ذكرت أن أحد المواقع التي أشارت إليها الوكالة هو موقع "عبادة" لتطوير الأسلحة النووية، الذي يقع على بعد حوالي 24 كلم شمال بلدة عبادة في وسط إيران، الذي كشفته إسرائيل في 9 أيلول/سبتمبر 2019، وعلى أثر ذلك قام الإيرانيون بتدمير وتجريف وتعقيم الموقع بأكمله بسرعة بين أواخر حزيران/يونيو وأواخر تموز/يوليو 2019. وتعتقد الوكالة أن هذا الموقع شارك في إجراء تجارب لتطوير أسلحة نووية وربما تم إجراء اختبار متفجر تقليدي في الهواء الطلق في عام 2003.

ولطالما حاول قادة الاتحاد الأوروبي خاصة فرنسا وبريطانيا وألمانيا الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران وعدم انهياره، وهو ما أعلنت عنه وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي السابقة "فيديريكا موغيريني" في 8 أيار/مايو 2018 بقولها إنَّ الاتحاد "مصمم على الحفاظ" على الاتفاق النووي الإيراني بعد قرار الرئيس "دونالد ترامب" الانسحاب منه. كما أسس الثلاثي الأوروبي في 31 كانون الثاني/يناير 2019 آلية مالية للدفع مع إيران، أطلق عليها اسم “إينستكس INSTEX " وهو اختصار لـــ ”أداة دعم التبادلات التجارية”. وتهدف هذه الآلية إلى الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران عن طريق ايجاد قناة مالية توفر الإمكانية للشركات الصغيرة والمتوسطة لحفظ القنوات المالية المتعارف عليها مع إيران. وتقوم الآلية على نظام المقايضة للبضائع أو المدفوعات، وإجراء المعاملات التجارية بعملات غير الدولار. وبذلك يتم تجنب العقوبات الأميركية المفروضة على إيران. و­­­­­وفقًا للمسؤولين الأوروبيين ستغطي "إينستكس" فقط السلع الإنسانية كالغذاء والدواء في المرحلة الأولى إذا أصبحت جاهزة للعمل.

على الجانب الآخر تتهم إيران الأوروبيين بعدم احترام التزاماتهم لأنهم لم يفعلوا شيئاً لمساعدتها على الالتفاف على العقوبات الأميركية، لذلك مضت في تخفيض التزاماتها التي تعهدت بها في اتفاق عام 2015، حيث أعلنت في الخامس من كانون الثاني/يناير 2020، عن "المرحلة الخامسة والأخيرة" من برنامجها القاضي بالتخلي عن التزاماتها الدولية بشأن الاتفاق النووي، رداً على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018 وإعادة فرض عقوبات أميركية قاسية تخنق الاقتصاد الإيراني. وأكدت إيران أنها لم تعد تشعر بأنها ملزمة باحترام القيود المتعلّقة "بعدد أجهزة الطرد المركزي" المستخدمة في إنتاج الوقود النووي.

وأمام الضغوط الأميركية والتهديدات الإيرانية بتخفيض التزاماتها أعلنت دول الثلاثي الأوروبي في بيان مشترك في 14 كانون الثاني/يناير 2020 أنها باشرت بتفعيل آلية تسوية الخلافات التي نصت عليها "خطة العمل الشاملة المشتركة" بهدف إلزام طهران بالعودة إلى احترام تعهداتها، وفي حال تفعيل هذه الآلية فقد يؤدي الأمر في نهاية المطاف خلال فترة لا تتجاوز الشهرين إلى إعادة العقوبات الأممية التي سبق أن فرضها مجلس الأمن الدولي على إيران على خلفية أنشطتها النووية ما بين عامي 2006 و2010.

ويبدو أن هناك ثمة تصعيد في الموقف الأوروبي تجاه إيران عبر قرار الثلاثي الأوروبي اللجوء إلى آلية فض المنازعات على النحو المنصـوص عليه في الفقرة ٣٦ من خطة العمل الشـاملة المشـتركة، وقرار مجلس محافظي الوكالة الأخير الذي وبَّخ إيران بسبب عدم إيفائها بالتزاماتها وعدم ردها على تساؤلات الوكالة الدولية ومنعها المفتشين الدوليين من دخول مواقع معينة. وهي المرة الأولى التي تنحاز فيها القوى الأوروبية الكبرى -بريطانيا وفرنسا وألمانيا- إلى جانب إدارة "ترامب" بشأن قضية إيران الكبرى منذ خلافها معه بشأن قراره قبل أكثر من عامين بالتخلي عن الاتفاق النووي لعام 2015 الذي تم التفاوض عليه من قبل إدارة الرئيس السابق "باراك أوباما".

ويبدو أن الخطوة التصعيدية القادمة من الثلاثي الأوروبي في حال فشل لجنة فض المنازعات في التوصل إلى حل للخلافات التي أصبحت تدور الآن بين إيران من جهة والوكالة الدولية والثلاثي الأوروبي من جهة أخرى، هي إخطار مجلس الأمن الدولي بإخلال إيران بالتزاماتها المنصوص عليها في خطة العمل الشاملة تمهيداً لإعادة سريان العقوبات الأممية المفروضة على طهران والتي رفعها المجلس بعد دخول خطة العمل حيز التنفيذ في كانون الثاني/يناير 2016.

وفي حال فشل المجلس بدوره في تسوية الخلافات أو اتخاذ قرار بإعادة العقوبات – بسبب استخدام حق النقض من قبل روسيا أو الصين- فأن هذه العقوبات ستعود تلقائياً اعتباراً من منتصف الليل بتوقيت غرينتش عقب اليوم الثلاثين من تاريخ إخطار مجلس الأمن بالمخالفة، حيث سيبدأ سريان مفعول جميع أحكام القرارات 1696 (2006)، و 1737 (2006)، و 1747 (2007)، و 1803 (2008)، و 1835 (2008)، و 1929 (2010) التي أُنهي العمل بها عملا بالفقرة 7 (أ) من القرار 2231 لعام 2015، بالطريقة نفسها التي كانت سارية بها قبل اتخاذ هذا القرار، أي العودة إلى المربع الأول الذي كانت تدور فيه المفاوضات بين إيران والدول الغربية قبل عام 2015 وهو ما تريده الولايات المتحدة الأميركية وتصر عليه إدارة "ترامب" التي تطالب بالتفاوض على اتفاق جديد أكثر تماسكاً من اتفاق 2015 يضمن الطبيعة السلمية لبرنامج إيران النووي ويحد من التهديدات والأنشطة التخريبية لإيران في منطقة الشرق الأوسط.