مآلات استشهاد شيرين أبو عاقلة..

2022.05.14 | 06:57 دمشق

20220512-3.jpg
+A
حجم الخط
-A

يعيد مشهد استشهاد الزميلة شيرين أبو عاقلة على يدي قوات الاحتلال الإسرائيلي، في تفاصيله الجدل المستعر منذ عقود حول حرية التعبير وحماية الصحافة والصحفيين في منطقة مشتعلة منذ قرن ونيف..

قتلت شيرين أبو عاقلة برصاصة قناص، في منطقة العنق، أي تلك المنطقة التي لا تغطيها خوذة الصحفيين الخاصة بالحروب، ولا يغطيها كذلك الدرع الواقي من الرصاص الذي ارتدته والذي كتب عليه بوضوح كلمة (صحافة)، دخلت الرصاصة من العنق صعوداً إلى الرأس.. فكانت نهائية وحاسمة لجهة وفاة المراسلة الشهيرة في لحظتها..

لتندلع بعد وفاتها موجات استنكار رسمية من حول العالم ومن منظمات حماية حقوق الصحفيين، ولكن الأهم هو الحملات الشعبية الضخمة المستنكرة لاستشهاد شيرين، التي لم تكن هي نفسها لتدرك حجم تأثيرها وحجم تعاطف الجمهور معها بوصفها وجه عام، لطيف، للصحافة العربية المرئية، التي تثبت أقدامها بقوة في المشهد العربي المعاصر، كقوة تأثير ناعمة غير مسبوقة في تاريخ الشعوب..

شيرين أبو عاقلة تلك المراسلة اللطيفة ذات الصوت الخفيض، والحضور الهادئ على الشاشات العربية، كانت تتابع المشهد الفلسطيني منذ أكثر من ربع قرن، ارتبط اسمها بتغطيات واسعة عن المشهد الفلسطيني وانتقلت مع قناتها إلى عدد من المناطق الساخنة لتقوم بتغطيات واسعة في مصر والعراق وليبيا.. حينما طلب منها..

ولكن لم يصبح مراسل إخباري تلفزيوني نجماً بهذه الدرجة في العالم العربي، حيث ينطق اسمها الأطفال قبل الكبار، ويكتب في رثائها رجال ونساء اليوم مستذكرين طفولتهم عبر صوتها وصورتها في تغطياتها الساخنة للأحداث العربية المؤلمة.

لعل حضور السياسة العربية في جوهر الحياة اليومية هو من جعل مراسلة حرب، أشبه بنجمة تلفزيونية، أو بأميرة للقلوب

تكاد شهرتها برفقة عدد من مراسلي القنوات الإخبارية العربية، تفوق شهرة نجوم السينما والتلفزيون، يتحدث أحد رواد السوشيال ميديا عن رؤيته للشهيدة شيرين أبو عاقلة في مصر، في سنوات سابقة، وبأنه التفت إليها بسبب تجمهر العديد من الأشخاص حولها لالتقاط صورة معها، وكمثلهم كتب شخص من الأردن ومن لبنان..

لعل حضور السياسة العربية في جوهر الحياة اليومية هو من جعل مراسلة حرب، أشبه بنجمة تلفزيونية، أو بأميرة للقلوب، حضور تلك السياسة ليس كحضور السياسة في كندا أو في نيوزيلندا.. بل على العكس فهو حضور دامٍ، مبكٍ، مفجع، مشحون بالمجازر والشهداء، والقصف، والاحتلال والميليشيات، والتغيير الديمغرافي، والطائفية..

فلسطين شيرين أبو عاقلة هي فلسطين التي أحبها العرب، هي فلسطين تلك التي بكى العرب من أجلها من المحيط إلى الخليج

لكن مع ذلك كان هنالك الأمل، الأمل بوسطية المراسل الصحفي، الذي يمتلك من الصدق، والقرب من البيوت العربية ما يملك، كانت شيرين ضيفاً دائماً على بيوت العرب، منذ عقدين ونصف، حاملة بلطف القضية الفلسطينية، برفق وأنثوية وحزم، صوت يطالب بالحقوق، ويعدنا بوطن مستقل.. كانت نقيضاً لزعماء الميليشيات وأصابعهم التي يرفعونها في وجوه العرب قبل جبهات المحتل، وأصوات زعيقهم التي تهددنا وتفرض على الشعوب العربية الركوع والتخلي عن حاضرها ومستقبلها من أجل وهم قد خانوه بأنفسهم..

فلسطين شيرين أبو عاقلة هي فلسطين التي أحبها العرب، هي فلسطين تلك التي بكى العرب من أجلها من المحيط إلى الخليج، والتي ثار من أجلها الملايين يترحمون عليها كشهيدة نقية ونجمة للقلوب، رغم أصوات النشاز التي تخرج في كل زمان وكل مكان، بدعوى أنها ليست مسلمة، كي نترحم عليها.

ببساطة شيرين أبو عاقلة، هي التي تملك مفاتيح الجنة الآن، وليس أنتم، هي التي ستمنح صكوك الغفران لكم.. ليست جنة السماء، فتلك لا يعلم بها إلا من خلقها، وإنما جنة قلوب الأهالي، من يمتلكون الرحمة، البسطاء، خفيضي الصوت، إنهم حزينون اليوم على من كانت يوماً صوتاً لهم.