ليست رسالة استجداء فحسب.. هي خيانة عظمى

2021.03.09 | 05:52 دمشق

news-230221-syria.limaza.jpg
+A
حجم الخط
-A

ضجت وسائل الإعلام السورية المعارضة بخبر الرسالة التي وجهها رأس النظام السوري إلى القيادة الروسية مستجديا تدخلها إلى جانب نظامه الذي شارف على التهاوي والسقوط رغم دعم إيران وأدواتها الميليشيوية الوظيفية في المنطقة عام 2013، وعنونتها برسالة الاستجداء وهي محقة في ذلك لأنها ببساطة تنطوي على كل ما يشي بالمذلة والخسّة التي يمكن أن يبلغها شخص يتبوأ منصب رئيس دولة يتوسل فيها عونا عسكريا من دولة أخرى لمواجهة مطالب الشعب السوري بالانعتاق من سلطة البطش والنهب والإفقار.

لكن الحقيقة أن تلك الرسالة وإن جاز تسميتها كذلك بالمعنى السياسي لكنها بالمعنى القانوني لا يمكن توصيفها إلا بالخيانة العظمى بكل ما يمكن أن ينطوي تحت هذا المسمى من معان ودلالات وآثار.

في سياق تفنيده اختصاصات المحكمة الدستورية العليا ينص الدستور السوري في المادة 146 الفقرة الخامسة على ما يلي:

(محاكمة رئيس الجمهورية في حالة الخيانة العظمى).

أي أن الشيء الوحيد الذي يمكن مساءلة رئيس الجمهورية عنه هي جريمة الخيانة العظمى وتتولى المحكمة الدستورية العليا (التي يعينها رئيس الجمهورية !!!) محاكمته عن تلك الجريمة.

ولو راجعنا قانون العقوبات السوري كله لما وجدنا جريمة واحدة اسمها الخيانة العظمى ولما وجدنا عقابا محددا لها.. وهذا يعني أنه وعلى فرضية التسليم بإمكانية إجراء تلك المحاكمة واستقلالية القضاة المعينين من الرئيس نفسه (وهذا لن يحصل بطبيعة الحال) فهذا يعني أن هؤلاء القضاة سيلجؤون للفقه والاجتهاد ليستطيعوا تكييف الأمر هل هو جريمة خيانة عظمى أم لا، وماهي عقابيل ومترتبات ذلك.

الخيانة العظمى بالنسبة لرئيس الجمهورية تتكون من إساءة استعمال الرئيس لوظيفته لتحقيق عمل ضد الدستور أو المصالح العليا للبلاد

يرى الفقيه الفرنسي ( An-tide Moreau ) "أن الخيانة العظمى تتفق إجمالاً مع الإخلال بالواجبات التي تقع على عاتق رئيس الدولة، وتتجسد الخيانة العظمى إما في إعاقة السير المنتظم للسلطة التشريعية، أو في ارتكاب جرائم جزائية لا تنفصل عن الوظائف والمهام التي ينهض رئيس الجمهورية بتأديتها.

كما أن الفقيه الفرنسي موريس ديفرجيه M.Duverger قد عرَّف الخيانة العظمى بقوله "الخيانة العظمى بالنسبة لرئيس الجمهورية تتكون من إساءة استعمال الرئيس لوظيفته لتحقيق عمل ضد الدستور أو المصالح العليا للبلاد".

أما أندريه هوريو André Hauriou فيقول:

" جريمة الخيانة العظمى هذا التعبير التقليدي الغامض يقصد به بصفة عامة الجرائم السياسية التي تهدد المؤسسات أو المصالح العليا للبلاد ".(1)

 

ولعل مراجعة سريعة لكل سلوك السلطة – العصابة تجاه السوريين بدءا من استخدام القوات المسلحة في غير الوظيفة المنوطة بها وإعلانها الحرب الفعلية على المدنيين ودك المدن وقصفها وقتل مئات الألاف من المواطنين واستخدام مختلف صنوف الأسلحة المحرمة دوليا بما فيها العنقودية والكيماوية ضد المدنيين، مرورا باستجلاب المرتزقة والاستعانة بقوات من لون طائفي محدد واستدراج التدخل العسكري الروسي لتعديل موازين القوى في الصراع مع المجتمع السوري لإبقائه في السلطة رغما عن إرادة السوريين، وانتهاء بمكافأة هؤلاء بمنحهم كل الثروات الاقتصادية والمعابر والموانىء والقواعد والموارد بينما يرزح السوري تحت وطأة الجوع والفقر والجريمة والمرض والأمية.

كل ذلك ألا يمكن توصيفه إساءة لاستعمال السلطة واستخدامها أداة لارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وتهديدا لوحدة البلاد ومؤسساتها ومصالحها العليا وتبديد الثروات والموارد ورهن اقتصاد البلد لعقود.. كل ذلك ألا يشكل جريمة خيانة عظمى؟!.

هي بكل تأكيد خيانة الخيانات.. ووضاعة الوضاعات.. أن يبقى مجرما خائنا لبلده وشعبه ومصالح وطنه ومستقبله رئيسا طليقا يسعى بكل سفالة ووقاحة لفترة حكم تالية يهيئ خلالها لمعطيات جديدة تبقيه حاكما أو تهيئ لخلف من أسرته يرث سوريا عنه فيما مكانه الطبيعي والمنطقي والأخلاقي على عمود المشنقة وقد تدلى جثمانه معلقا في حبلها.