ليدفع الغرب ثمن تهاونه مع إيران

2021.04.03 | 06:59 دمشق

1200px-thumbnail.jpg
+A
حجم الخط
-A

في لقائه المثير للجدل مع موقع صحيفة "ماكور ريشون" الإسرائيلي في العشرين من شهر آذار المنقضي، اعتبر فراس طلاس أن إسرائيل ارتكبت خطأ فادحاً حين لم تساعد أو تسهل سقوط نظام الأسد بشكل مبكر، وأن عليها الآن أن تدفع ثمن ترددها أو سوء تقديرها غالياً، بعد أن باتت إيران وميليشياتها على الخاصرة الشمالية الأخرى للأراضي المحتلة.

اللقاء كما أشرت كان مثيراً للجدل، لكن ما يهمنا منه هذه الجزئية التي تبع حديث طلاس عنها مقال في صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، وتقرير لمجلة "ناشيونال إنترست" الأميركية نشرا مطلع الشهر الجاري، ركز كل منهما على أن تل أبيب أخطأت بالفعل في تقديراتها على هذا الصعيد، وأن معالجة هذا الخطأ بات صعباً جداً وبالغ التكاليف.

المحلل العسكري في يديعوت أحرنوت رون بن يشاي نقل عن وزير إسرائيلي كبير خلاصة أربع سنوات من النقاش في تل أبيب حول الموقف مما يجري في سوريا، حيث خلص الوزير إلى أن مؤيدي بقاء بشار الأسد داخل الحكومة الإسرائيلية انتصروا في النهاية على معارضيه، وعلى مبدأ "العدو الذي نعرفه أفضل من العدو الذي لا نعرفه" حسم المعسكر الرافض للتدخل في سوريا الموقف الإسرائيلي، فبالنسبة لهم، حسب المقال، لا يمكن التكهن بماهية النظام الذي سيخلف النظام الحالي، كما أن الميليشيات الشيعية تبقى أقل خطراً من الجماعات الجهادية السنية.

لكن السنوات الخمس التي تلت حسم تل أبيب موقفها على هذا النحو ستثبت أنه كان تقديراً خاطئاً، حسب بن يشاي والوزير الذي ينقل عنه أولاً، وكذلك بالنظر إلى مجمل المعطيات التي بين يدي الجميع اليوم ثانياً، حيث تحاول إسرائيل حالياً احتواء تمركز القوات والميليشيات الإيرانية على الحدود مع الجولان جنوب سوريا، لكن هجماتها الجوية والصاروخية لا يبدو أنها تحقق النجاعة الكافية، إلى الحد الذي يعتقد معه كثيرون اليوم أن تغلغل إيران داخل سوريا عسكرياً واقتصادياً، بات من الصعب على إسرائيل مواجهته.

يؤكد ذلك ثلاثة خبراء في الشأن الإيراني قابلهم صحفيان من مجلة "ناشيونال إنترست" خلصوا جمعياً إلى أن على إسرائيل أن تقر بالأمر الواقع الجديد، وهو تمكن إيران من الوصول إلى محاذاة الجولان، وأن القصف الذي تتعرض له أذرعها وقواعدها في سوريا يضر بها فعلاً لكنه لا يؤثر على خططها واستراتيجيتها بشكل كبير.

للهجمات الإسرائيلية بعض التأثير لكن الوجود الإيراني متطور جداً بحيث لن يتأذى بشكل جدي من غارة هنا أو هناك

وحسب التقرير فإن سينا توسي، من المجلس القومي الإيراني-الأميركي ترى أنه "بينما حققت إسرائيل بعض المكاسب من خلال هذه الحملة التكتيكية المحدودة، فإن إيران تلعب اللعبة الطويلة في سوريا وقد عززت موقعها الإقليمي استراتيجياً"، بينما يؤكد روزبه بارسي، رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمعهد السويدي للشؤون الدولية أن "للهجمات الإسرائيلية بعض التأثير لكن الوجود الإيراني متطور جداً بحيث لن يتأذى بشكل جدي من غارة هنا أو هناك".

ما سبق إن كان يعطي دليلاً جديداً على حجم الضرر الذي ألحقته التنظيمات السلفية الجهادية بثورة الشعب السوري، فإنه يقدم بالنسبة لأصحاب القناعة بأن هناك تحالفاً إيرانياً-إسرائيلياً غربياً سرياً يستهدف الدول والمجتمعات السنية، وأن كل ما يدور بين هذين الطرفين من تدافع وصراعات هي مجرد لعبة للتغطية على حقيقة هذا التحالف!

يجادل هؤلاء من منطلق نظرية المؤامرة، وإن كانوا يستندون على بعض المؤشرات، فإنهم يتجاهلون بالمقابل عدداً لا يحصى من المعطيات التي تنقض قناعتهم المبنية بالأصل على أساس إيديولوجي يصبح من الصعب تغييره، إذ بالنسبة لهؤلاء فإن مقتل آلاف الإيرانيين في سوريا وفي دول أخرى بالمنطقة، وخسارة طهران عشرات المليارات بسبب العقوبات من جهة وتمويل مخططها الاستراتيجي للتمدد والنفوذ من جهة ثانية يعتبر أمراً ثانوياً!!.

أما الواقع فإن إيران التي تمتلك طموحات توسعية كبيرة في المنطقة، وأحلاماً إمبرطورية قديمة متجددة، تعرف أن العثرة الحقيقة التي يمكن أن تقف بوجه تحقيقها هو الغرب، ليس كخصم إيديولوجي بل كقوة مسيطرة لا يمكن أن تقبل بظهور أي منافس لها على سيادة العالم، أو حتى جزء منه، بدليل الصراع الشرس الذي تخوضه أوروبا والولايات المتحدة ضد كل من روسيا والصين على هذا الصعيد.

هنا لا وجود للإيديولوجيا بالنسبة للنظام الإيراني، سواء دينياً (المذهب الشيعي) أو قومياً (الفارسية) إلا كأدوات يوظفها للحشد والاستثمار في سبيل الوصول إلى هدفه الاستراتيجي، وعلى اعتبار أن إسرائيل هي مسمار الغرب الفولاذي في منطقة الشرق الأوسط، فإنها تدرك أنه لكي تفرض نفسها كقوة عظمى على الغرب لا بد أولاً من التفوق على إسرائيل في المنطقة، أو على الأقل بناء قوة ردع تمنع من استخدام هذا المسمار ضد طموحاتها.

على الغرب أن يدفع ثمن الخطأ الفادح الذي ارتكبه والذي كان بالإمكان تجنبه لو وقف بجانب إرادة شعوب المنطقة ومصالحها بدل التردد والتخوف

ولإن تلاقت مصالح العرب والغرب في منع إيران من تنفيذ مخططها التوسعي، فإن الواقع يؤكد أن الطرفين فشلا في التعامل مع هذا الخطر، وإذا كنا كسوريين قد بذلنا ما في الوسع وأكثر من أجل دفن هذا المشروع على حدودنا رغم فارق القوة الواسع، فإننا لا نجد اليوم سوى القول إن على الغرب أن يدفع ثمن الخطأ الفادح الذي ارتكبه والذي كان بالإمكان تجنبه لو وقف بجانب إرادة شعوب المنطقة ومصالحها بدل التردد والتخوف، بل وأكثر من ذلك، بدل استمراء الصراع الطائفي بين السنة والشيعة في المنطقة واعتبار تفجر المنطقة بهذا الصراع خدمة كبيرة لمصالح الغرب.