icon
التغطية الحية

"لواء القدس" شركة عسكرية لحماية المصالح الروسية في نظام الأسد

2020.10.21 | 05:26 دمشق

swrya-azmt-720x405.jpg
حلب - خالد الخطيب
+A
حجم الخط
-A

احتفلت ميليشيا "لواء القدس" بالذكرى التاسعة لتأسيسها في حلب، وأكد زعيمها، محمد السعيد، أن الميليشيات التي أسسها للقتال مع قوات النظام ضد المعارضة السورية في تشرين الأول/أكتوبر من العام 2011 ستواصل عملياتها العسكرية في سوريا بعد أن أصبحت واحدة من أبرز التشكيلات العسكرية المدربة، والتي كان له دور بارز في الانتصارات المفترضة التي حققها النظام على مدى الأعوام التسعة الماضية.

تروج الحملة الدعائية للواء القدس في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا وفي حلب بشكل خاص للتوسع في أداء الميليشيا وتطوره من ناحية الأعداد المدربة والعتاد الحربي النوعي الذي تمتلكه، ويلمح قادة اللواء في كل مناسبة إلى الانتشار الكبير لكتائبهم في الجغرافيا السورية التي تم اعتبارها امتداداً حيوياً للمقاومة الفلسطينية.

شعارات المقاومة التي بات "لواء القدس" وأنصاره يرددونها مؤخراً وبشكل متزايد يوازيها تبني اللواء لأنشطة ثقافية ومدنية ودعمها بالمال، في مخيمات حلب خصوصاً، وذلك عبر منتدى لواء القدس الثقافي، وشبيبة لواء القدس وغيرها من الفعاليات والهيئات الناشئة التي يدعمها اللواء بشكل غير مباشر في حلب ومناطق انتشاره الأخرى.

أنشطة مدرسية بين لواء القدس الفلسطيني وادارة التعليم التابعة للانروا التابعة للامم المتحدة في مخيم النيرب بحلب (002).jpg
أنشطة مدرسية بين لواء القدس الفلسطيني وإدارة التعليم التابعة للأونروا

يريد المسؤولون في ميليشيا "لواء القدس" القول بأن تشكيلهم المسلح لن ينتهي، وسيكون له دور مهم في مراحل لاحقة بعد أن تحول لواؤهم إلى مؤسسة متكاملة على الصعيدين العسكري والمدني، ومن المفترض أن تعنى بشؤون اللاجئين الفلسطينيين ومصالحهم في سوريا، بدا ذلك في حديث زعيم اللواء، محمد سعيد، لوسائل إعلام مقربة من النظام، عن الخدمات التي قدمها اللواء في مخيم النيرب منذ بداية العام 2020، وذلك في القطاعات الصحية والغذائية والتعليم والثقافة والترفيه وغيرها من القطاعات التي بات اللواء يخصص لها جزءا من ميزانيته. أهم المشاريع التي قام بها اللواء في العام 2020 في مخيم النيرب، مركز صحي يقدم الخدمات الطبية مجاناً، ونادٍ رياضي، ومركز ثقافي، بالإضافة لمركز تعليم يقدم دورات تعليمية خصوصية لطلبة الإعدادي والثانوي، وملاهي الأطفال.

عملياً، "لواء القدس" ومنذ أن تحول من ميليشيا مدعومة إيرانياً إلى ميليشيا تدعمها روسيا مطلع العام 2019 بات يملك ميزانية لا بأس بها تسمح له بأداء أدوار أوسع تخدم دعايته المفترضة في أوساط اللاجئين الفلسطينيين، وأصبح بإمكانه دعم القطاعات المدنية وزيادة عدد أنصاره، وبالتالي إقبال أعداد أكبر من المتطوعين للانضمام إلى صفوفه من الفلسطينيين والسوريين في المناطق التي توسع نحوها، فالدعم العسكري الروسي للواء القدس زاد بنسبة الضعف منذ مطلع العام 2020 وذلك مع بداية العمليات العسكرية في البادية السورية ضد "تنظيم الدولة"، والتي أصبحت منطقة الانتشار الأوسع للواء.

ذكرى التأسيس

احتفل "لواء القدس" بالذكرى التاسعة لتأسيسه في مقر النادي العربي الفلسطيني بحلب، وحضر الاحتفالية، قائد اللواء، محمد السعيد، وعدد من قادة الميليشيا المدعومة من روسيا، وتحدث السعيد مطولاً عن التضحيات التي قدمها مقاتلو لوائه خلال السنوات التسع من الحرب ضد المعارضة السورية، وكيف كان للوائه الدور البارز في استعادة سيطرة النظام على حلب وحماية المخيمات الفلسطينية ولاحقاً انتقال تشكيله المسلح إلى معارك أخرى بعد أن اكتسب كماً هائلاً من الخبرات العسكرية.

 

محمد سعيد قائد لواء القدس ومدير مكتبه الاعلامي محمد ابو ليل (002).jpg
محمد سعيد قائد لواء القدس ومدير مكتبه الاعلامي محمد أبو ليل

وتضمنت الاحتفالية ندوة حوارية شارك فيها ضباط من ميليشيات النظام والفروع الأمنية، وقادة وضباط سابقين شاركوا في حرب تشرين التي تتزامن ذكراها الـ 47 مع الذكرى التاسعة لتأسيس لواء القدس

سبق احتفالات "لواء القدس" بذكرى تأسيسه احتفالية أخرى نظمها أنصاره في مخيم النيرب، وهي الذكرى الأولى لوفاة والد قائد اللواء، أحمد السعيد، والذي توفي في أواخر أيلول/سبتمبر من العام 2019، وشارك قائد لواء القدس في احتفالية الذكرى الأولى لرحيل والده، وتحدث عن مناقب ودور والده، أحمد السعيد، ونضاله ضد إسرائيل، وكيف أسس في حلب، أي أحمد السعيد، فرعاً لحركة فتح الانتفاضة في العام 1965.

تطور الميليشيا

كانت بداية لفت أنظار القوات الروسية إلى "لواء القدس" في معارك حلب في النصف الثاني من العام 2016، حينذاك كان للميليشيا دور كبير في المعارك إلى جانب الميليشيات الإيرانية المتنوعة، معارك النظام في حلب في تلك الفترة كانت بقيادة، سهيل الحسن، قائد "قوات النمر" أو كما عرفت لاحقاً باسم "الفرقة 25 مهام خاصة، تزعم الحسن في تلك الفترة اللجنة الأمنية والعسكرية في حلب، وهو من أعطى للواء القدس دوراً أكبر من قدراته، كان ذلك تنفيذاً للأوامر الروسية للتقرب أكثر من الميليشيات التي من المفترض أن تصبح في وقت لاحق الذراع العسكرية التي تنافس بها روسيا الميليشيات الإيرانية في حلب والشمال السوري، ولاحقاً أيضاَ، الانتشار والمشاركة في معارك خارج المنطقة التي تأسس فيها.

أول مشاركة فعلية للواء القدس خارج حلب، وبأعداد وعتاد حربي كبير كانت في معارك الغوطة والمخيمات الفلسطينية في دمشق، ومن هناك بدأ فعلياً الانتقال التدريجي من الدعم الإيراني إلى الروسي والتنسيق معه بشكل أكبر، وهذا ما شجع اللواء على فتح باب الانتساب إلى صفوفه في مناطق بعيدة عن مكان النشأة، وتأسست سرية الجولان التابعة للواء القدس ومقرها الحالي في بلدة خيارة دنون التابعة لمنطقة الكسوة في ريف دمشق، وبعد معارك درعا والجنوب السوري نشأت سرية درعا التابعة للواء، ومع مطلع العام 2019 كانت البداية الفعلية لتحول لواء القدس الى "الحضن الروسي" بشكل شبه كامل، من ناحية الدعم والتنسيق والتدريب العسكري والعملياتي.

وفي كانون الثاني/يناير 2019 بدأت القوات الروسية المتمركزة في حلب، بتدريب ميليشيا "لواء القدس" على كيفية استخدام الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، وتنفيذ المداهمات الليلية، والقتال الفردي، والاقتحام والعمليات الهجومية، وشملت التدريبات التعلم على استخدام سلاحي الدبابات والمدفعية الثقيلة، وجزء منها كان بالنيران الحية، حصل اللواء فعلياً على الدعم المالي والتسليح والحماية، بعدما خسر الجزء الأكبر من دعمه الإيراني، وعلى إثر الانقطاع شبه الكامل للدعم الإيراني عنه في الربع الأخير من العام 2018، تم تسريح المئات من عناصر الميليشيا، واعتقلت ميليشيات النظام حينذاك عدداً من قادته الميدانيين، ومن بينهم قائد عملياته سامر رافع، وعدد من مرافقيه، بالقرب من مخيم النيرب شمال شرقي المدينة.

ومع تدفق الدعم الروسي المفترض أعاد "لواء القدس" عناصره المسرحين إلى صفوفه مجدداً، وأجرى تعديلات في البنية التنظيمية لقيادة الصفين الأول والثاني، وتم استبعاد شخصيات وقادة بأوامر روسية. وتم إنشاء معسكر تدريبي في مخيم حندرات، والذي شهد زيارة لقائد اللواء محمد سعيد، في 1 شباط/فبراير من العام ذاته، واطلع السعيد حينها على الأوضاع في المخيم، والمعسكر التدريبي الذي يديره ضباط روس، وذلك بعد أن صلى الجمعة في جامع التوابين برفقة المختار وعدد من الشخصيات الفلسطينية المسؤولة عن المخيم.

ومع بداية تدفق الدعم الروسي للواء القدس أوائل العام 2019 كانت الميليشيا تواصل توسعها، وبات لديها سرية كبيرة في دير الزور ومقار دائمة بعد أن كانت غير مستقرة، ونشأت أيضاَ سرية اللاذقية ومركز دائم في السعن وسلمية بريف حماة، ومراكز في ريف حمص الشرقي، وتمكن اللواء خلال الأشهر الستة الأولى من الدعم الروسي من تطوير أدائه العسكري وضم أعداد إضافية إلى صفوفه، وإنهاء عدة دورات تدريبية لمقاتليه الذي ستكون لهم مشاركة فعالة في معارك حماة الشمالي التي انطلقت في أيار/مايو من العام 2019.

وبات لدى "لواء القدس" اختصاصات متنوعة في صفوفه، أهمها، "كتيبة الفدائيين" و "فرقة قتال الشوارع" وغيرها من الكتائب التي يفخر بمشاركاتها في المعارك ضد المعارضة في إدلب في النصف الثاني من العام 2019، وتضم كتيبة الفدائيين متطوعين من أعمار صغيرة، بعضهم لا تزيد أعمارهم على 16 عاماً، قتل عدد منهم في معارك البادية وإدلب، ونعتهم مواقع غير رسمية موالية للواء القدس باسم الفدائيين، وهؤلاء أعضاء في شبيبة لواء القدس في الغالب ومقرها مخيم النيرب.

يرأس الحملة الدعائية المفترض للواء القدس، مدير مكتبه الإعلامي، محمد أبو ليل، والذي أصيب منتصف العام 2020 في معارك بادية حماة، ويستقبل أبو ليل عادة فنانين وشخصيات معروفة بولائها للنظام في مضافة اللواء في مخيم النيرب، ويتولى تنظيم كافة الاحتفاليات والفعاليات التي يقيمها اللواء، كذلك يتولى التنسيق مع إدارة التعليم التابعة للأنروا (التابعة للأمم المتحدة) في المخيم، ويقيمان فعاليات مشتركة.

حماية المصالح الروسية

أوائل العام 2020 بدأت عمليات "تنظيم الدولة" تتصاعد في البادية السورية الموزعة إدارياً على محافظات دير الزور والرقة وحماة وحمص وحلب، وكانت المنطقة الصحراوية الوعرة حتى أوائل العام 2020 منطقة نفوذ للميليشيات الإيرانية لكنها تحوي أهم مواقع الاستثمارات الروسية، الوجود الإيراني في البادية لم يحمِ المواقع والمصالح الروسية من هجمات التنظيم، وبدا أنه لن يحقق الأهداف التي تسعى القوات الروسية إلى تحقيقها، وفي قائمتها، تحقيق الاستقرار في البادية وحماية مواقع تمركزها، وتنفيذ انتشار عسكري للميليشيات التي تدعمها لتحقيق توازن جزئي مع الانتشار العسكري للميليشيات الإيرانية في المنطقة، ومن ثم الانتقال نحو مناطق ساخنة أخرى، شرقي الفرات وإدلب في حال تحققت الأهداف المفترضة. وقع الاختيار الروسي على "لواء القدس" ليكون ذراعها العسكرية في البادية السورية، ويقود هناك معظم العمليات ضد التنظيم وبدعم روسي بري وجوي مباشر.

وزير المالية والاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة، الدكتور عبد الحكيم المصري، قال لموقع تلفزيون سوريا، بأن "روسيا تخطط لبقاء طويل الأمد في سوريا لذا هي بحاجة لتشكيلات عسكرية قابلة للتطور والتكيف مع متطلبات المراحل القادمة" وأردف الدكتور المصري "تعتبر ميليشيا لواء القدس واحدة من أهم التشكيلات التي تدعمها روسيا وتتوفر فيها الشروط المفترضة، وهي أفضل من باقي التشكيلات التي تدعمها لأنها ببساطة لا تضمن ولائها الكامل، بعضها لا يزال على علاقة عضوية وطائفية مع الميليشيات الإيرانية كتشكيلات وفرق الجيش وقوات النمر، وأخرى مثل ميليشيا الفيلق الخامس لا يمكن ضمان ولائها لفترة زمنية طويلة لأن عناصرها ينحدرون في الغالب من مناطق المصالحات، وهؤلاء انضموا إلى الميليشيا لأنها الخيار الوحيد والأفضل من بين الخيارات الصعبة الأخرى، في حين تبدو ميليشيا لواء القدس التي يقودها الفلسطيني السوري، محمد سعيد، تشكيلا مثاليا يخدم مصالحها ويمكن الوثوق به، وبالتالي أتوقع بأن يكون لهذا التشكيل حظ وافر من الدعم والاهتمام الروسي خلال الفترة القادمة".

يمكن القول بأن الدعم الروسي للميليشيات الرديفة تركز في ثلاثة تشكيلات مهمة، الفيلق الخامس والذي يتوزع العدد الأكبر من أعداده وعتاده في الجنوب السوري وطوق دمشق، وبشكل أقل في إدلب وحماة شمالاً لمساندة قوات النمر "الفرقة 25 مهام خاصة" التي تقود العمليات في المنطقة، أما "لواء القدس" فأوكلت إليه مهمة حماية المصالح الروسية في البادية السورية، يساند هذه الميليشيات عدد من تشكيلات جيش النظام في مناطق انتشارها المفترضة، وأهمها "الفرقة 11" و "الفرقة التاسعة" و "الحرس الجمهوري" و "الفرقة 18" و "الفرقة السابعة" و "القوات الخاصة"، وقادة هذه التشكيلات والفرقة العسكرية من الموالين لروسيا ويأتمرون بأوامرها عموماً.

البادية من حصة لواء القدس

خسرت ميليشيا لواء القدس عدداً كبيراً من عناصرها في المعارك ضد "تنظيم الدولة" في البادية السورية في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2020، والسبب عدم معرفتها بجغرافية المنطقة الصحراوية والاستفادة القليلة من الدعم الروسي (الاستطلاع والاستهداف الناري) في عمليات الهجوم والدفاع، كذلك كان العدد الأكبر من مقاتليها من خارج البادية (حلب ودمشق) وهؤلاء لم يخوضوا معارك من هذا النوع وفي ظروف طبيعية كالتي في البادية، فيما بعد اكتسبت الميليشيا خبرة جيدة، وبدا ذلك بشكل أوضح بعد أن انضم الى صفوفها أعداد كبيرة من مناطق البادية، وهذه الأعداد شكلت فيما بعد القوة الضاربة للميليشيا والتي انتشرت تباعاً في المناطق الوعرة وأنشأت المزيد من المقار والقواعد العسكرية على الطرق المهمة التي تصل الشرق بالوسط والساحل السوري.

عمليات اعادة انتشار لكتائب من لوا القدس في ريف الرقة الجنوبي (بادية الرصافة )2.jpg
انتشار ميليشيا لواء القدس في ريف الرقة الجنوبي

المركز الرئيسي للواء القدس في دير الزور يقع في منطقة الضاحية، وتنتشر باقي النقاط في منطقة كباجب ونقطة عسكرية في قرية بقرص، ونقطة أخرى في بلدة الدوير القريبة من حقل الورد النفطي ونقاط في القورية والعشارة وصبيخان وريف معدان وجبل البشري والصالحية والشولا، ونقاط في محيط حقل التيم النفطي، وعدد آخر من نقاط التمركز على طريق دير الزور-حمص، وفي بادية حمص يتركز العدد الأكبر من عناصر لواء القدس حول منطقة السخنة، ومكامن الفوسفات، وهي مواقع تعرضت لأعنف الهجمات البرية التي شنتها خلايا التنظيم خلال الشهرين الماضيين.

وخلال الشهرين الماضيين نفذ لواء القدس عمليات إعادة انتشار في بادية الرقة الجنوبية، وبالتحديد (بادية الرصافة) التي خسر فيها 10 عناصر على الأقل في عمليات مفاجئة نفذها عناصر التنظيم استهدفت مقار اللواء الجديدة في المنطقة، ويحاول لواء القدس الحفاظ على الطريق البري دير الزور-الرصافة-حماة باعتباره بديلاً حيوياً عن الطريق الاستراتيجي دير الزور-حمص الذي يخترق مناطق غير آمنة في البادية السورية، والتي تشهد النشاط المركزي لخلايا التنظيم. وفي ريف حماة أنشا اللواء مركزين رئيسيين لقواته، الأول في ناحية السعن بريف حماة الشمالي الشرقي، والآخر في سلمية وريفها شرقي حماة، وتعرضت مقاره في المنطقة لعمليات هجومية منظمة شنتها خلايا التنظيم خلال شهري آب وأيلول الماضيين، وفي منطقة خناصر (بادية حلب) نفذ اللواء أكثر من عملية تمشيط للمنطقة التي تعتبر امتداداً لبادية حماة.