لمن سنأمن في المنطقة الآمنة ؟

2019.01.19 | 23:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن عودة الروح إلى مشروع تركيا القديم - الجديد الهادف لإنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا بعد اتصال هاتفي مع نظيره الأميركي دونالد ترمب، أشعل نقاشا تركيا وسوريا وإقليميا حول أسباب وخلفيات وأهداف هذا القرار وفرص تحقيقه وسط كل هذه التعقيدات في الملف السوري.

ما الذي دفع ترامب الذي كان يهدّد قبل ساعات بتدمير الاقتصاد التركي إذا ما قررت أنقرة تحريك قواتها ضد حليفه المحلي في سوريا "وحدات حماية الشعب" الكردية لتبديل رأيه مرة أخرى ومنح الرئيس التركي مثل هذه الفرصة والإعلان عن "تفاهم تاريخي" من هذا النوع؟

ما هي العلاقة بين قرار ترامب سحب القوات من سوريا وتمسكه بحماية حلفائه في "قسد" وتهديد أنقرة بين الحين والآخر أمنيا وسياسيا واقتصاديا، وبين تحوله الأخير نحو إعطاء تركيا ما تريده في مشروع المنطقة الآمنة؟

أي نوع من التعهدات ستقدمها قيادة حزب العدالة والتنمية للبيت الأبيض والكرملين مقابل الحصول على ما تريده في تنفيذ هذه الخطة؟

هل هو تحرك يخدم مسار التسوية السياسية في سوريا ويُسرّع إقناع اللاعبين المحليين والإقليميين بضرورة دعمه والوقوف إلى جانبه؟

وما هي مصلحة السوريين في الحكم والمعارضة من إنشاء منطقة من هذا النوع بعد مرور 7 سنوات على اقتراحها من قبل تركيا؟ وهل ظروف وأجواء ومعطيات اليوم تتفق مع خارطة التحالفات والمعادلات السورية يومها؟ وهل يسقط مشروع المنطقة الآمنة حلم "حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي بالتقسيم والانفصال في شمال سوريا؟

ما هي مصلحة السوريين في الحكم والمعارضة من إنشاء منطقة من هذا النوع بعد مرور 7 سنوات على اقتراحها من قبل تركيا؟

أنقرة لا تريد النظام و"قسد" في المنطقة الآمنة، وروسيا تقول إن الفرصة الوحيدة هي تسليم المنطقة بأكملها لبشار الأسد، وأميركا تشترط الحصول على ضمانات تركية كافية أنها لن تنقض على حليفها المحلي الذي يريد بدوره ضمانات دولية بعدم فرض النفوذ التركي على مناطق وجوده. فأية طبخة بحص هي ستكون قادرة على جمع التناقضات وإرضاء الجميع وفتح الطريق أمام التسويات السياسية في سوريا؟

أنقرة تدرك تماما أن روسيا وإيران هما من عرقل خطتها في غرب الفرات لناحية الوصول إلى الأهداف التي وضعتها ميدانيا وجغرافيا، وهي لن تتجاهل قدرات واشنطن في فعل ذلك أيضا في شرق الفرات فكيف إذا ما التقت المصالح والحسابات الأميركية الروسية أمام التصلب والتعنت التركي في شمال سوريا؟ المنطقة الآمنة قد تتحول إلى مصيدة العنكبوت المنصوبة لتركيا في شمال سوريا.

وأنقرة تعرف جيدا استحالة التفرّد في تنفيذ خطة من هذا النوع وهي لن تحاول فعل ذلك أصلا فهناك شروط الإعداد القانوني والسياسي واللوجستي والدعم الأممي والدولي الذي لا مفر منه. حدود المنطقة ومساحتها وتجهيزها وأهدافها بين القضايا الواجب التفاهم حولها بين اللاعبين الإقليميين المؤثرين في الملف السوري.

في العلن يذكر بعض القوميين الأتراك بثوابت "الميثاق المللي" التركي في سوريا . لكن دولت بهشلي رئيس حزب الحركة القومية اليميني يحذّر من خطة منطقة آمنة تتحول إلى مصيدة جديدة كما حصل عام 1991 في شمال العراق عبر خط العرض 36 ومحاولات بناء كيان كردي مستقل في شمال سوريا بحماية الخط 32 هذه المرة. هاجس رسم حدود المنطقة الآمنة يقلق الأتراك لناحية تحوله إلى فرصة لرسم حدود الكيان الكردي المستقل في شمال سوريا.

حزب الحركة القومية اليميني يحذّر من خطة منطقة آمنة تتحول إلى مصيدة جديدة كما حصل عام 1991 في شمال العراق عبر خط العرض 36

أردوغان ودون أي تردد يقول سنقيم منطقة آمنة في شمال سوريا نشرف نحن على إدارة شؤونها. لكن هناك حقيقة أخرى تقول أن دور هذه المنطقة والمطلوب منها هو الذي سيحدد مواصفاتها وشكلها وطريقة إقرارها ودعمها وتمويلها.

خطة المنطقة الآمنة للوهلة الأولى هي قنبلة موقوتة جديدة فجرها ترامب في شمال سوريا لزيادة التباعد والاصطفافات وتعقيدات المشهد السوري. أول ارتداداتها قد تكون تأزم الأمور أكثر فأكثر في إدلب ومناطق تخفيض التوتر بين أنقرة وموسكو. قد يكون إشعال جبهة غرب الفرات مجددا هو هدف ترامب الحقيقي عبر طرح التقارب والانفتاح الأميركي التركي في شرقه. إنشاء منطقة آمنة بمقاييس وذهنية عام 2012 لن يقدم كثيرا لسوريا وللشعب السوري.

واشنطن تريد محاصرة تحالف أستانة الثلاثي، إما عبر نسفه باتجاه منصة حوار بديل تخرج إيران من المعادلة أو هي تريد أن يكون الحوار أميركياً روسياً بشكل مباشر عبر تحييد الدورين التركي والإيراني معا من خلال مناورة من هذا النوع تعقد حسابات موسكو أكثر فأكثر وتلزمها بإعطائها ما تريد.

بين مهام ودور هذه المنطقة حسب أردوغان إبعاد التنظيمات الإرهابية مثل عناصر تنظيم داعش و"حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي عن مناطقها الحدودية وحماية الأمنين القومي التركي والسوري. لكن قيادات "قسد" تقول إنه في حال كانت المنطقة برعاية التحالف الدولي أو تحت إشراف الأمم المتحدة فسنرحب بذلك، أما إذا فرضت من قبل تركيا فلن نقبل بقيامها. لذلك نرى واشنطن وكما أعلن وزير خارجيتها، مايك بومبيو، من الرياض قبل أيام، تردّد أن هدف هذه المنطقة هو تفادي هجوم تركي ضد مناطق سيطرة الوحدات الكردية في شمال وشمال شرقي سوريا "نريد التأكد من أن الزملاء الذين قاتلوا معنا لإسقاط داعش لديهم الأمن" وتعلن في الوقت نفسه اهتمامها بحماية الأمن القومي التركي فكيف ستجمع كل هذه التناقضات؟
الملفت هنا هو التقاء ما يقوله النظام وقيادات قوات سوريا الديمقراطية حول الخطة التركية "سيطرت تركيا في آذار العام الماضي على مدينة عفرين، وقبلها على مدن جرابلس والباب، وتسعى للسيطرة على منبج وشمال شرقي سوريا، لاقتطاع هذه الأراضي من الدولة السورية، لتصبح مناطق نفوذ تابعة لها".

تركيا أعلنت باكراً أن موضوع المنطقة الآمنة لن يُبحث مع واشنطن وحدها بل سيحظى بالقسم الأكبر من لقاء الرئيسين أردوغان وفلاديمير في 23 كانون الثاني الجاري

تركيا أعلنت باكراً أن موضوع المنطقة الآمنة لن يُبحث مع واشنطن وحدها بل سيحظى بالقسم الأكبر من لقاء الرئيسين أردوغان وفلاديمير في 23 كانون الثاني الجاري، وكذلك سيُطرح على طاولة المباحثات الثلاثية للدول الضامنة في تفاهمات أستانة والمعني هنا هو إيران طبعا.

حظوظ أنقرة في تحقيق ما تريده حول المنطقة الآمنة مرتبط بقدرتها على إقناع الرئيسين ترامب وبوتين بقبول الخطة ودعمها، لكن لعبة التوازنات الحالية في المشهد السوري تكاد تقول إن وصول تركيا إلى ما تريده لن يكون سهلا بسبب تضارب وتباعد المصالح والسياسات الأميركية الروسية في سوريا. دون أن نغفل الدور والحراك الإيراني العربي الأوروبي الذي دخل مجددا على خط الأزمة وأنعش حلفاءَهم المحليين في الأسابيع الأخيرة.

بعد أيام فقط على التفاهمات التركية الأميركية حول انطلاق نقاشات المنطقة الآمنة وقع هجوم منبج الإرهابي. من فعل ذلك ولماذا؟ هل هو جناح داعش داخل وحدات الحماية الكردية أم جناح وحدات الحماية في صفوف داعش؟ لا فرق طالما أن مصلحتهما مشتركة في محاربة إنشاء منطقة تطيح بطموحاتهما الانفصالية في سوريا.