لماذا يصمت ملالي إيران على الغارات الإسرائيلية؟

2021.02.01 | 00:01 دمشق

211971ee-ff35-47a3-a8d8-711fb4653ab8.jpg
+A
حجم الخط
-A

 ليس مستغرباً ألا تتبنى إسرائيل الغارات العنيفة التي شنتها قاذفاتها ومقاتلاتها على مواقع لميليشيات إيرانية في مناطق عديدة من محافظة دير الزور ليلة 13 يناير/ كانون الثاني الماضي، وأن يلوذ جنرالاتها وساستها بالصمت حيالها، لكن المستغرب هو صمت نظام الملالي الإيراني حيالها، وإنكار بعض قادة الميليشيات التابعة له وقوع قتلى بين صفوفهم، إلى جانب تقليل وسائل إعلام إيرانية من الخسائر الناجمة عن الهجوم الإسرائيلي بين صفوف الميليشيات.

 وحيال الصمت الإيراني المتكرر على الهجمات الإسرائيلية، فإن من المستهجن ما دأب عليه ساستها وجنرالاتها في إطلاق تصريحات نارية فارغة، والتوعد بـ"تسوية مدينتي تل أبيب وحيفا بالأرض على الفور في حال ارتكبت إسرائيل أي خطأ ضد إيران"، حسبما زعم مؤخراً المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية، اللواء أبو الفضل شكارجي، وكأنه لم يجد أي خطأ فيما تقوم به إسرائيل من عمليات عسكرية ضد إيران وميليشياتها منذ سنوات.

الغارات الإسرائيلية تمّت بناء على معلومات استخباراتية أميركية، الأمر الذي يفسّر دقة الإصابات وارتفاع عدد القتلى واتساع رقعة المواقع المستهدفة

ولا شك في أنه لم يكن مستغرباً ردّ فعل نظام الأسد على الغارات التي استهدفت مواقع ومقار عسكرية لهذا النظام أيضاً، فقد تعود على أن يكون ردّ فعله باهتاً حيال الضربات والهجمات الإسرائيلية منذ سنوات عديدة، وعلى عدم الرد عليها. وفي أحسن الأحوال كان يرد لفظياً عبر التوعد بأنه سيختار الزمان والمكان المناسبين، دون أن ينفذ وعيده اللفظي الفارغ، لذلك وبالرغم من تكثيف إسرائيل غاراتها على الأراضي السورية في الآونة الأخيرة، ومن تنوع قائمة الأهداف التي طالتها، فإن هذا النظام اكتفى بالإعلان عن الغارات، وتقديم شكوى لمجلس الأمن الدولي، مطالباً باتخاذ إجراءات لمنع تكرارها.

ولعلها المرّة الأولى الذي يُكشف فيها، من خلال تسريبات، عن أن الغارات الإسرائيلية تمّت بناء على معلومات استخباراتية أميركية، الأمر الذي يفسّر دقة الإصابات وارتفاع عدد القتلى واتساع رقعة المواقع المستهدفة، التي طالت مواقع عسكرية عديدة لنظام الأسد والميليشيات الإيرانية، تمتد من منطقة الميادين، مروراً بمدينة دير الزور، ووصولاً إلى منطقة البوكمال على الحدود السورية العراقية. لكن اللافت هو أن التسريبات تحدثت عن أن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، هو من قدم المعلومات الاستخباراتية إلى رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي، يوسي كوهين، خلال لقاء جمعهما قُبيل شن الغارات، وهو ما يشير إلى محاولة إدارة الرئيس، دونالد ترامب، الهادفة إلى تعقيد مهمة الرئيس الجديد في بايدن، وبالتالي لم تكن التسريبات بريئة حين تحدثت عن أن الغارات الإسرائيلية استهدفت مخازن إيرانية تحوي مواد تخدم البرنامج النووي الإيراني!

ويبدو أن ساسة إسرائيل أرادوا توجيه أكثر من رسالة من وراء هذه الغارات، وشملت أكثر من جهة، أولها إلى نظام الملالي الإيراني، بأنه سيدفع ثمناً باهظاً إذا استمر في تكثيف وجوده العسكري في أي بقعة من سوريا، وأن إسرائيل ماضية في سياسة منع التموضع الإيراني في سوريا، بغض النظر عمن سيكون في البيت الأبيض. وثانيها إلى النظام السوري بأنه سيدفع ثمن تسهيل الوجود العسكري الإيراني. وثالثها إلى الولايات المتحدة الأميركية، وبالتحديد إلى إدارة الرئيس جو بايدن، تفيد بأنه في حال تنفيذ وعده بالعودة إلى الاتفاق النووي، فإن عليه أن يأخذ بالحسبان التدخل الإيراني الإقليمي، لأن المشروع الإيراني النووي له امتدادات إقليمية.

ولا شك في أن ساسة إسرائيل لهم حساباتهم الداخلية، خاصة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يستعد لانتخابات الكنيست المزمع إجراؤها في نهاية آذار/ مارس المقبل، لذلك يريد أن يظهر للداخل الإسرائيلي استمراره في مواجهة التموضع الإيراني في سوريا، لكن ذلك لا يعني أنه يريد الدخول في مواجهة عسكرية مفتوحة مع النظام الإيراني. كما أن النظام الإيراني يتذرع بعدم الانجرار إلى المواجهة، لكنه غير معني، فعلياً وليس لفظياً، بالرد على العمليات العسكرية الإسرائيلية المتكررة ضده، سواء في سوريا أم داخل إيران، وخاصة عملية اغتيال العالم النووي الإيراني، محسن فخري زادة، التي جرت قرب العاصمة طهران، وأقصى ما يمكن أن يقوم به نظام الملالي الإيراني هو استخدام أذرعه الميليشياوية في سوريا وفي لبنان عبر حزب الله، مع أن هناك اتفاقاً غير معلن ما بين إسرائيل وحزب الله على ألا تحدث مواجهة عسكرية مباشرة بينهما في لبنان، وأن المعادلة القائمة بينهما هي على الأرض السورية، وبالتالي يمكن في هذا السياق تفهم عمليات إعادة الانتشار في مناطق محافظة دير الزور، التي قامت بها الميليشيات الإيرانية بعد الغارات الإسرائيلية عليها، حيث انتشرت في بعض المناطق السكنية في مدينتي الميادين والبوكمال إضافة إلى مدينة دير الزور، علّها تؤمن لها الحماية من القصف الإسرائيلي بعد تعذر تأمينها من طرف منظومات الصواريخ الروسية والأسدية.

جميع الهجمات والغارات الإسرائيلية على الأرض السورية تجري بالتنسيق مع ساسة النظام الروسي، حيث ترصد مساراتها شاشات الرادار الروسية 

ولا يقتصر الأمر على الصمت الإيراني فقط حيال الغارات الإسرائيلية، بل صمت ساسة موسكو حيالها أيضاً، بل ولم يخطر جنرالات قاعدة "حميميم" الروسية الجانب الإيراني بها، مع العلم أن جميع الهجمات والغارات الإسرائيلية على الأرض السورية تجري بالتنسيق مع ساسة النظام الروسي، حيث ترصد مساراتها شاشات الرادار الروسية، لذلك تطرح تساؤلات حول أسباب انسحاب القوات الروسية من مواقع في مدينة دير الزور قبل أيام قليلة من الغارات الإسرائيلية، وكان بحجة الخلافات مع الميليشيات الإيرانية، وخوفاً من استهدافها، ذلك أن الأمر يتعدى هذه الذريعة إلى الرضا عن الغارات في إطار التنافس الروسي الإيراني على السيطرة والنفوذ على الأرض السورية.

 ويبقى أن تحمّل نظامي الأسد والملالي الإيراني الضربات والإهانات الإسرائيلية مفهوم في حسابات هذين النظامين الممانعين والمقاومين زيفاً وبهتاناً، طالما أنها لا تستهدفهما بشكل مباشر، لذلك لا يظهر استقواء وعنترية هذين النظامين إلا على الشعبين السوري والإيراني، حيث ما يزال غالبية السوريين يدفعون ثمناً باهظاً منذ سنوات عديدة، جراء الحرب الشاملة التي يقوها نظام الأسد وحليفه نظام الملالي الإيراني إلى جانب الروس.